خبر وفاته هز أروقة الدبلوماسية العربية، فله في كل مجلس بصمة، وفي كل معاهدة توقيع، وفي كل اتفاقية شهادة.. حياة دبلوماسية عاشها متجولا بين صراعات الشرق الأوسط.. راقب ما يجرى في المنطقة في ظل صراع بين قطبي العالم في حرب باردة، ما أن انتهت حتى انتخب أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية، ليقود طريقا في النزاع العربي الإسرائيلي. في مقدمة كتابه "زمن الانتصار"، كتب: "ليس كل ما يعرف يقال".. جملة تختفي خلفها أسرار نجاحاته الدبلوماسية، وهي ذات السمة أو المبدأ الذي تعامل به في حياته المليئة بنماذج النجاح والكفاح والجوائز والأوسمة، مكنته من مرواغة اليهود في ميناهاوس بالإسماعيلية بحضور السادات ونائبه مبارك، ولازمته أيضًا حينما ترأس لجنة التفاوض على طابا، ليقول عنه بيجين "شراسته متوارية خلف ابتسامته وإنه فتى شرير". إنه الدكتور عصمت عبدالمجيد، فارس الدبلوماسية العربية الذي توفى اليوم. هو أحد القامات العربية التي جلبت السلام للمنطقة بفضل دبلوماسيته ومراوغته في إدارة الحوار مع الجارة الإسرائيلية، وكأنه على موعد مع القدر، يولد في اليوم الثاني والعشرين من مارس.. وهو اليوم الذي تأسست فيه جامعة الدول العربية، والتي أصبح أمينا لها فيما بعد. ولد عبدالمجيد في عام 1922 ليبدأ حياة مليئة بالكفاح، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1944 ودبلوم دراسات عليا في القانون 1947 ودبلوم دراسات عليا في الاقتصاد 1948، ودبلوم معهد القانون المقارن 1948 ودبلوم معهد العلوم السياسية 1949، ثم دكتوراه في القانون الدولي 1951 من جامعة باريس وكان موضوع الرسالة "محكمة الغنائم في مصر– دراسة مقارنة". بدأ حياته العملية محاميا لدى مجلس الدولة وملحقًا وسكرتيرا بسفارة مصر لدى لندن في الفترة من 1954 :1957 ومستشارا بالبعثة الدائمة لمصر بجنيف 1957 – 1961، ووزيرا مفوضا بالسفارة المصرية في باريس 1963 – 1967، ثم رئيسا للهيئة العامة للاستعلامات ومتحدثا رسميا لمصر 1969، وسفيرا لمصر لدى فرنسا 1970. عين وزيرا للدولة لشؤون مجلس الوزراء 70 – 1972، وسفيرا ومندوبا دائما لمصر لدى الأممالمتحدة 72 – 1983، ووزيرا للخارجية 1983، ثم نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية حتى مايو 1991، ثم انتخب أمينا عاما لجامعة الدول العربية من مايو 1991 إلى مايو 2001. عشق الدكتور عصمت عبد المجيد، العمل الدبلوماسي وأحب الحياة الدبلوماسية وغرق فيها حتى النخاع وأخلص لها عظيم الإخلاص فأعطته بقدر ما أخلص لها حتى أصبح من أعلام الدبلوماسية في الوطن العربي. حصل على وسام الجمهورية من مصر، وأوسمة أخرى كثيرة من فرنسا ويوغوسلافيا واليونان وإيطاليا والدانمرك وكولومبيا وألمانيا الاتحادية، ألف كتابا بعنوان "مواقف وتحديات في العالم العربي" من 383 صفحة. كان أكثر الدبلوماسيين احتكاكا بمشاكل الأمة العربية وآلامها والمواقف والتحديات والأحداث التي واجهتها والتي أثرت سلبا أو إيجابا على الأمة العربية كأزمة الخليج الثانية والأزمة الليبية الغربية (لوكربي) وأزمة لبنان واحتلال إيران للجزر الإماراتية. وعن الخبرة الأكاديمية والقانونية والدبلوماسية، اكتسب عضوية نقابة المحامين، من سبتمبر 1944، وترافع أمام المحاكم الوطنية المصرية والمحاكم المختلطة بالإسكندرية مصر، وشارك عام 1954 في المفاوضات المصرية - البريطانية حول جلاء القوات الإنجليزية من مصر، وفي عام 1957 شارك في الوفد المصري الذي تفاوض مع الفرنسيين لإعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين بعد العدوان الثلاثي والذي توصل إلى اتفاقية زيورخ حول استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وباريس. وكان عضو اللجنة التأسيسية لجامعة الأممالمتحدة في طوكيو عام 1974، ورئيس اللجنة الوزارية لتصفية الحراسات عام 1970، وعضو اللجنة التشريعية الوزارية المصرية عام 1970، كما اشترك في أعمال اللجان التشريعية ولجان الشؤون الخارجية والشؤون العربية بمجلس الشعب (البرلمان المصري)، وعين رئيس اللجنة التي كلفت بإدخال اللغة العربية لغة عاملة في الأممالمتحدة عام 1974.