كنت أتمنى أن تبادر لجنة الخمسين بمناقشة إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية أو معها بدلاً من الجدل حول أمور صغيرة وأخرى غير مفيدة.. وإذا كانت خارطة الطريق قد أقرت أن الدستور أولاً ثم الانتخابات البرلمانية، فإن مراجعتها واجبة؛ لأنها ليست مقدسة، فالأهم هو إقرار الدستور قبل الانتخابات، لكن أولوية الرئاسية والبرلمانية تحتاج إلى نقاش فى ظل الظروف الحالية التى نتجت عن خروج الإخوان من المشهد السياسى المصرى، وعند النقاش يجب مراعاة عدد من النقاط، أبرزها: ■ إن العالم كله كان ينظر لمصر بعد ثورة 25 يناير على أنها مستقرة حين انتُخب رئيس للجمهورية بالرغم من حل البرلمان وقتها، أما المشهد العكسى، أى وجود برلمان وغياب الرئيس، وهو المقترح الحالى، فيجعل العالم كله ينظر إلى مصر على أنها فى مرحلة انتقالية. ■ وجود مجلس شعب بدون رئيس منتخب سيخلق أزمة جديدة أشبه بما حدث فى المرحلة الانتقالية الأولى، حينما صمم برلمان الإخوان على استجواب ومساءلة المشير طنطاوى كوزير دفاع رغم أنه كان الرئيس المؤقت للبلاد، كما طالب برلمان الإخوان بإقالة حكومة د.كمال الجنزورى رغم توافق القوى السياسية عليها، أما الأزمة الكبرى وقتها فتمثلت فى قيام برلمان الإخوان بإصدار قانون العزل السياسى ليحددوا شكل الانتخابات الرئاسية.. وبالتالى فمصر معرضة لفترة «لخبطة» سياسية إذا جرت الانتخابات البرلمانية أولاً. ■ إجراء الانتخابات الرئاسية سيتم بذات الآلية الإجرائية لاستفتاء الدستور المتوقع التصويت عليه خلال أسابيع على عكس انتخابات البرلمان التى ستحتاج إلى تقسيم الدوائر والناخبين وغيرها من العمليات التى قد تحتاج وقتاً أطول. ■ إن جبهة الإنقاذ التى تمثل الكتلة السياسية الأكبر أقرّت بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً، وقد يكون هذا الاتفاق هو الوحيد بين قيادات الجبهة، فحتى النظام الانتخابى للبرلمان مختلَف عليه، وهذه الجبهة لها 11 عضواً بلجنة الخمسين بما يمثل 22٪، وبالتالى يمكن على الأقل ضمان طرح الاقتراح ومناقشته. ■ الانتخابات البرلمانية ستؤدى بالطبع إلى تشتيت جبهة 30 يونيو مما سيخلق صراعات فى المشهد السياسى ستؤثر بالطبع على خريطة الانتخابات الرئاسية والتوافق المأمول. ■ أخيراً فإن الوضع الحالى بمصر الآن وحالة السيولة السياسية والميوعة النخبوية تفرض على كل عضو بلجنة الخمسين مراجعة خارطة الطريق قبل فوات الأوان وطرح فكرة الرئاسة أولاً!! ■ ■ ■ كتبت هذا المقال فى 24 نوفمبر قبل أن تنتهى لجنة إعداد الدستور من إقراره، وأعيد نشره بمناسبة فتح الأمر مجدداً مع القوى السياسية، خاصة مع اعتراض البعض على أن الدستور الجديد إذا كان ينص على حصول المرشح للرئاسة على تزكية عدد من أعضاء البرلمان أو 30 ألف مواطن وبالتالى فإن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية لن يتيح للمرشح الحصول على تزكية النواب وهو أمر مردود عليه بأن الأصل هو المواطنون وما النواب إلا ممثلون عنهم، وبالتالى إذا وجد الماء «المواطنون» بطل التيمم «النواب»، كما أن تزكية 30 ألف مواطن كافية جداً لأى مرشح شبه جاد فى الترشح لرئاسة مصر. أما اعتراض البعض على أن الرئيس المقبل سيملك سلطة التشريع وسيكون من غير برلمان يراقب حكومته فمردود عليه أيضاً بأنه إذا ما جاء البرلمان أولاً فإنه لن يجد حكومة تتخذ قرارات ليراقبها لأن حكومات المراحل الانتقالية لا تفعل شيئاً يستحق الرقابة، كما أن مصر لا تحتاج إلى تشريعات فى المرحلة الحالية بقدر ما تحتاج إلى رئيس منتخب صاحب قرار ينقذ البلاد من حالة السيولة التى تمر بها الآن التى يتمنع فيها الرئيس المؤقت من ممارسة سلطاته والجيش زاهد والحكومة خائبة والتى من المؤكد أن مصر لا تحتمل الاستمرار فى هذه الحالة لمدة 5 أشهر أخرى.. والحل فى «الرئاسة» أولاً!!