دعت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً، المواطنين إلى التصويت على الدستور ب«نعم»، لأنه «يمثل نقلة حضارية لمصر، ويؤسس لدولة وطنية حديثة، ويحمى مكتسبات ثورتى 25 يناير و30 يونيو». واستعرضت «الجبالى» فى حوارها مع «الوطن» قراءة لمشروع الدستور الذى أعدته لجنة الخمسين، وبعض المواد المثيرة للجدل، وردت على انتقادات رافضى الدستور. لكنها فجرت مفاجأة بمطالبتها رئيس الجمهورية المؤقت بإعادة صياغة ديباجة الدستور. وفيما انتقدت حكومة «الببلاوى»، باستثناء 5 وزراء، ووصفتها بأنها «بلا رؤية واضحة»، مطالبة بتعديل وزارى واسع - طالبت «الجبالى» الفريق أول عبدالفتاح السيسى بتلبية نداء الجماهير والترشح لانتخابات الرئاسة، معتبرة أنه من الأفضل إجراؤها قبل انتخابات البرلمان.. وإلى نص الحوار: ■ ما رأيك فى مشروع الدستور إجمالاً؟ - أتوجه بالتحية والشكر للجنة الخمسين، ومن قبلها لجنة الخبراء العشرة القانونية، وأرى أن هذه الوثيقة الدستورية تمثل نقلة حضارية لمصر، ولدينا فيها من عناصر القوة والإيجابية ما يمكن أن يجُبّ ما نختلف فيه فى بعض النقاط الهينات. مجمل المشروع يعكس 4 عناوين رئيسية؛ أولاً: هذه الوثيقة تحمى مقومات الدولة المصرية وتراثها المادى والمعنوى. وثانياً: أقرت حقوق وحريات للمواطنين وضعت بجوارها بعض الضمانات الجوهرية التى تمثل جديداً على الحياة الدستورية المصرية، حيث كانت دساتيرنا دائماً تعكس أصل الحق وتحيل لقوانين، لكن هذه المرة هناك آليات لحماية أصل الحق موجودة فى النص الدستورى. النقطة الثالثة: لجنة الخمسين حاولت باجتهاد أن تصيغ ضمانات لنظام الحكم تسمح بتوزيع السلطات بشكل أفضل، وتقف ضد الفساد والاستبداد. كما ردت الوثيقة الدستورية الجديدة الاعتبار للقضاء المصرى الذى كاد يُعصف به فى دستور 2012. الرابعة: مشروع الدستور يعكس حساً وعناية بحماية الأمن القومى المصرى فى نصوص واضحة. فهذه هى العناوين الرئيسية الأربعة التى تعبر عنها وثيقة الدستور. ■ ديباجة الدستور كانت محلاً للجدل قبل وبعد التصويت عليها، ما رأيك فى ديباجة الدستور، وفكرة جعلها جزءاً لا يتجزأ من مواد الدستور؟ - رغم اقتناعى بالمضمون الفكرى لديباجة الدستور، فإننى أول من يطالب بإعادة صياغتها، لأنها لم تعكس اللغة العربية فى تكثيفها وجزالتها ورقيها بالشكل الذى يعبر عن الفكرة التى تحاول الديباجة التعبير عنها. وأؤيد النص على اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الدستور، لأنها إعلان مبادئ وتعبر عن كينونة هذا الوطن وهذا الشعب، وإن كان غاب عنها فى السطر الأول الصيغة المعتادة فى منح الشعوب الدساتيرَ لأنفسها، وكان يجب أن تبدأ ب«نحن شعب مصر.. ونحن الذين منحنا لأنفسنا الدستور». ■ كثيرون أشادوا بباب الحقوق والحريات فى مشروع الدستور الجديد، ما تعقيبك عليه؟ - بشكل عام أرى أن هذا الباب جيد، وتضمن ضمانات عديدة لحماية تلك الحقوق والحريات دون الاكتفاء بالنص عليها بصورة عامة ومجردة. فمثلاً دستور 2012 نص على مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، ولكن رُفع منه أشكال التمييز المختلفة كالنوع والعرق والعقيدة وغير ذلك، بينما الوثيقة الدستورية الجديدة ردّت هذه التفاصيل إلى النص، ثم وضعت آلية لحماية هذا الحق عندما نصت على مفوضية وطنية لمراقبة التمييز فى المجتمع، ومحاكمة من ارتكبه، وهذا هو الجديد حيث تم النص على ضمانات تحمى أصل الحق، ويجب أن نرحب بهذا التطور. ■ أشرتِ إلى أن دستور الإخوان كاد يعصف بالقضاء المصرى، ما تقييمك لباب السلطة القضائية فى مشروع الدستور الجديد؟ - باب السلطة القضائية الجديد حمى القضاء واستقلاله، وفصل بين سلطة الحكم والهيئات القضائية، وحدد جهات القضاء فى كل هيئة قضائية سواء فى القضاء العادى أو هيئة قضايا الدولة أو المحكمة الدستورية العليا. كما رد الباب فى صياغته الجديدة الاعتبار للمحكمة الدستورية على وجه التحديد، وحقق استقلالها المرتبط بإدارتها من خلال هيئتها العمومية، الذى عُصف به فى دستور 2012 ووضع فى قبضة رئيس الجمهورية دون ضابط أو رابط، فهو الذى يختار ويعين رئيس المحكمة، لكن تمت إعادة الأمور لنصابها الصحيح، وفى هذا عودة حميدة لهيبة المحكمة واستقلالها بحيث لا تقع فى يد السلطة التنفيذية كما كان يحاك لها فى ظل دستور الإخوان. ■ بمناسبة الحديث عن المحكمة الدستورية، كثيرون رأوا أن الإخوان تعمدوا الإطاحة بتهانى الجبالى من المحكمة فى دستور 2012، الآن وبعد زوال حكم الإخوان ودستورهم هل تشعرين بانتصارٍ شخصى؟ - شعرت بانتصار لصالح القضاء والوطن، وليس لأى أمر شخصى. وفى الحقيقة النص السابق لم يكن يستهدفنى فقط، بل استهدف معى السبعة الأحدث بالمحكمة، فخرجوا جميعاً من القضاء الدستورى. وإذا نظرنا إلى هذا القانون المعيب الذى كان يتم التجهيز له، وسيطيح بكل القضاة فوق السن، فسنعرف أن جميع تشكيل المحكمة كان مرشحاً للخروج، بمن فيهم المستشار عدلى منصور، وبالتالى فالمستهدف كان المحكمة الدستورية ككل، وضرب مرجعيتها القانونية، كجزء من مخطط شامل للعصف بالقضاء الدستورى بأكمله، وهذا شبيه بمخططهم الآخر الذى كان يستهدف الأزهر الشريف أيضاً، ومحاولة الإطاحة بمرجعيته الدينية. ■ ما تعقيبك على رد تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية إلى المحكمة الدستورية وإلغاء المادة 219؟ - عودة إلى أصل الحق. والإخوة السلفيون تمسكوا برأيهم لآخر لحظة ظناً منهم أن المادة 219 تحمى الشريعة، وهذا غير صحيح، بل العودة إلى تفسير المحكمة الدستورية يحقق لحزب النور ما يريد وهو حماية الشريعة الإسلامية. فقط ما تخلصنا منه هو هذا التصنيف الطائفى لمصر لأول مرة الذى ورد فى المادة 219 بالإلزام بفقه أهل السنة والجماعة، فأصبغ قدسية على آراء فقهاء أهل السنة والجماعة، ثم تعارض مع مبدأ إسلامى مستقر هو التيسير وليس التعسير، وتنوع مصادر الفقه أمام المشرع دون تقييد، ولذلك كنت أرى أن المادة 219 فيها مخالفة لفهم الشريعة الإسلامية من الأساس، وقد عدنا إلى الحق. ■ ننتقل إلى باب آخر من الدستور أكثر تعقيداً، وهو نظام الحكم، ما تقييمك لصلاحيات الرئيس والبرلمان وشكل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ - أعتقد أن لجنة الخمسين قامت بمحاولة اجتهادية مقبولة لفكرة توزيع السلطات ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والبرلمان، وكنا دائما نشكو من حجم الصلاحيات التنفيذية الممنوحة فى يد الرئيس بجانب صلاحياته السيادية وهى أمر طبيعى، وضعف الهيئة التشريعية، وبالتالى كان رئيس الجمهورية دائما مهيمناً على الحكومة التى كانت أقرب إلى كونها سكرتارية للرئيس عن كونها وزارة لديها صلاحيات وتعمل فى إطار متحرر وتكون مسئولة أمام برلمان الشعب. وبالتالى مشروع الدستور الجديد تضمن محاولة جيدة لخلق توازن فى الصلاحيات والسلطات، مع إعطاء البرلمان مهام أوسع فى مراقبة الحكومة والتأثير فى إدارة شئون الدولة، من أجل خلق مجتمع أكثر ديمقراطية. ■ أحد كبار الدستوريين قال إنه يوجد تداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فى باب نظام الحكم، هل لديك الرأى نفسه؟ - لم ألمح تداخلاً فى الحقيقة، ولكن هناك محاولة اجتهادية جديدة لمزيد من «دَمَقْرَطَة» النظام السياسى كما أرى. وعلى كل حال فنحن كدستوريين نقول دائماً إن «النص لا يبدو عُواره إلا بعد التطبيق»، وبالتالى فنحن نحتاج إلى أن نرى المرحلة المقبلة وكيف ستسير الأمور وفق الإطار الجديد، فإذا وجدنا شكلاً من أشكال تداخل السلطات فلدينا آلية للتعديل. ■ ما رأيك فى إلغاء مجلس الشورى؟ - أنا مع هذا التوجه، لأننى كنت أعتبر الشورى «زائدة تشريعية»، فنحن دولة موحدة ولسنا بحاجة إلى غرفتين تشريعيتين، يكفينا تطوير العمل التشريعى من خلال غرفة واحدة، مع ضرورة تعديل لائحة مجلس الشعب أو «النواب» فى أول قرارات البرلمان المقبل، لأنها لائحة متخلفة وعقيمة وتعكس استبدادية لصالح رئيس المجلس. ■ وماذا عن إلغاء نسبة ال50% عمال وفلاحين؟ - أرفض هذا الإلغاء المفاجئ لهذه النسبة، لأنه لا يوجد ثورة تلغى مكاسب الثورة السابقة، بل تعمقها وتزيدها ثراءً. وهذه النسبة عندما قُررت فى ستينات القرن الماضى، كانت تقوم على أساس فلسفة حكم مرتبطة بهذه الفترة، وإلغاؤها الآن بصورة مفاجئة يحمل إقصاءً، خاصة أنه كان يجب أن يتزامن معها الحق فى إصدار أحزاب على أساس فئوى ليتمكن العمال والفلاحون من ترتيب أوضاعهم السياسية فى بناء سياسى حزبى يعبر عنهم، وهو ما لم يحدث. أما عن استغلال نسبة العمال والفلاحين وتزويرها لمرور نواب لا يعبرون عن هاتين الفئتين، فهذا ليس ذنب العمال والفلاحين لنعاقبهم عليه، ولكن ذنب الذين زوروا، والذين لم يتصدوا لهذا الأمر. وفى رأيى كان من الممكن النص على النسبة فى مادة انتقالية لمدة دورة برلمانية إلى أن يرتب العمال والفلاحون أوضاعهم، ويتمكنوا من المشاركة أو تأسيس أحزاب سياسية بصورة أكثر فعالية. ■ تم النص فى باب الأحكام الانتقالية على ضرورة عمل المشرع لتمثيل بعض الفئات، كالشباب والمرأة والأقباط، تمثيلاً ملائماً فى البرلمان. فى رأيك، كيف يحدث ذلك؟ وألا يبدو ذلك نصاً مطاطاً؟ - هذا النص محيّر نسبياً، لأن الآليات المرتبطة بالتمثيل الملائم غير واضحة، وإن كنت أتوقع أن يتم من خلال نسبة التعيينات التى مُنحت لرئيس الجمهورية، وهى 5%. وأيضاً يمكن أن تتم خلال ما يُسمى بالحوافز السياسية للأحزاب لمراعاة النسب، فتمكن الأحزاب هذه الفئات من النفاذ للترشح والبرلمان. وبعض الدول ألزمت أحزابها بترشيح نسبة معينة سواء من الشباب أو المرأة أو الأقليات العرقية، وهذا سيعود إلى المشرع وهو رئيس الجمهورية فى هذه المرحلة، ويجب أن يجرى نقاشات واسعة مع مستشاريه حول هذا النص. ■ هل تؤيدين وضع كوتة خاصة للأقباط فى قانون الانتخابات؟ - لا، وأرفض تخصيص أى نسبة على أساس دينى، لأنه يفتح على مصر باب التقسيم الطائفى بشكل مباشر. ولكن يجب إنجاح الأحزاب السياسية، وأن تعمل الأحزاب ومؤسسات الدولة على مواجهة الأفكار الطائفية الغريبة على المجتمع المصرى وتاريخه النضالى والثورى منذ ثورة 19 التى رفعت شعار «الدين لله والوطن للجميع»، وصولاً إلى ثورتى 25 يناير و30 يونيو. ■ هل النص على حظر تأسيس أحزاب على أساس دينى يطال أحزاب قائمة بالفعل خارجة من رحم جماعات دينية، كحزبى النور والحرية والعدالة، وغيرهما؟ - الأمر يتصل بفكرتين؛ الأولى: مراجعة الأحزاب التى خرجت من رحم الجماعات والتنظيمات الإسلامية لبرامجها ونظامها الداخلى وبنيانها الحزبى، لكى تلتزم بالقانون بشكل دقيق. والثانية: الرقابة على مسلك هذه الأحزاب فى الممارسة السياسية. وهذا الأمر قد يكون جديداً على مصر، لأنها لأول مرة يكون بها النص الذى يحظر أحزاباً قامت بالفعل على أساس دينى من قبل، وبالتالى هناك ضرورة لتوفيق الأوضاع ليس قانونياً فحسب، ولكن سياسياً وسلوكياً، وربما تشهد المرحلة المقبلة اجتهادات فى كيفية مراقبة سلوك الأحزاب السياسية. ■ هل كنتِ تؤيدين النص على شكل النظام الانتخابى داخل الدستور؟ - لا، فالنظام الانتخابى موقعه هو قانون مباشرة الحقوق السياسية. ولجنة الخمسين كانت موفقة فى هذا الإجراء بإحالة الأمر إلى السلطة التشريعية المؤقتة الممنوحة لرئيس الجمهورية، وعلى مؤسسة الرئاسة أن تتشاور مع كل القوى السياسية، وأن يكون عنوان هذه القضية هو المصلحة العامة، وليس المصالح الحزبية والضيقة. ■ وفى رأيك، ما شكل النظام الانتخابى الأمثل الذى يحقق المصلحة العامة الآن؟ - المرحلة الحالية لا تحتمل إلا إجراء الانتخابات بالنظام الفردى على كافة المقاعد، لأن الأحزاب لا تزال مشاريع شخصية لا تعبر عن المجتمع، ولا توجد برامج حزبية حقيقية تعكس تنوعاً سياسياً، والمرحلة الحالية فى حاجة إلى النضج السياسى. كما تستطيع الأحزاب أن تنتقى أفضل مرشحيها للدفع بهم على المقاعد الفردية، والواجب يفرض على الأحزاب ألا تبحث عن مصالحها الضيقة على حساب مصلحة الوطن وحق الشعب فى الاختيار الفردى خلال هذه المرحلة، ثم نراجع النظام الانتخابى بعد الدورة المقبلة، وتكون الأحزاب دعمت من وجودها الشعبى وتنظيماتها وبرامجها. ■ الفريق المطالِب بنظام القائمة يرى أنه الأفضل لتمثيل فئات الشعب المختلفة كالمرأة والشباب والأقباط؟ - لم يحدث ذلك عندما أخذنا بأنظمة القائمة بكل تنوعاتها، ففى كل الأحوال كان هناك تهميش للمرأة والأقباط، وغياب للتمثيل الشبابى على القوائم، فالادعاء بذلك يكذبه واقع سابق. ■ هناك انتقادات وجهها البعض لمشروع الدستور، منها الاعتراض على مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين، فما رأيك فى نص المادة؟ - أرفض هذا اللغط، وأشعر بأن هذا الاعتراض «باطل يُراد به باطل»، خاصة فى هذه المرحلة الحرجة، ففى كل أنحاء العالم هناك حماية مباشرة لأى عدوان يتم على الجيوش أو القوات المسلحة، فالقانون الأمريكى على سبيل المثال يمنح الحق فى إطلاق النار الحى على من يقترب من مبنى البنتاجون لمسافة 200 متر، ودون قبض أو محاكمة، وحدثت واقعة كتلك بالفعل. وأرى أن نص مادة المحاكمات العسكرية جاء عبقرياً ومنضبطاً، لأنه حدد أولاً طبيعة القضاء العسكرى، ثم أكد خضوع أعضائه لقانون السلطة القضائية فى التدريب والكفاءة المهنية والدراسية، ومن ثم أفراده ليسوا عسكريين، بل هم قانونيون فى زى عسكرى. كما بدأ النص بحظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وهذه هى القاعدة العامة، وأضاف استثناء للقاعدة فى الجرائم التى تمثل اعتداءً على القوات المسلحة، وحدد تلك الجرائم لدرء الشبهات، وعدم تركها للقانون، ومن ثم فالنص الدستورى قيّد المشرع وحصر الجرائم، كما أن المحكمة الدستورية العليا ستراقب هذا النص على مستوى التشريع والتطبيق. فالذين يرفضون النص يقرأونه قراءة مضللة، ويحملون ضلالهم إلى العقل المصرى الجمعى، ويمنحون الفرصة للتنظيمات التى تحمل عداءً أيديولوجياً أو تنظيمياً للقوات المسلحة، فى ظل ما نواجهه من حروب الجيل الرابع التى تم فيها زرع تنظيمات إرهابية داخلية لمحاربة الجيش والدولة. ■ الانتقاد الثانى الذى يوجهه البعض لمشروع الدستور يدور حول المادة الانتقالية الملزمة بموافقة المجلس العسكرى على تعيين وزير الدفاع، ويصفونها ب«الوصاية العسكرية»؟ - هذه أيضاً قراءة باطلة لنص المادة، وموقف عدائى سابق تجاه المؤسسة العسكرية، فنحن دائماً ما شكونا من فردية رئيس الجمهورية، وإذا كنا نتحدث عن دولة مؤسسات فيجب أن تكون قرارات الرئيس مرجعيتها الهيئات العليا للمجالس والمؤسسات، وأنا أقرأ المادة من هذه الزاوية، وأرى أنها ترسخ للمؤسسية وتمنع استبداد أو انفراد الرئيس والعبث بمؤسسات الدولة. وإذا كان هذا الحق ممنوحاً للقضاء أفلا يكون من الأولى منحه لمؤسسة الجيش المهنية، ولاسيما أنه من الممكن أن يكون الرئيس مدنياً ولا تتوافر فيه الخبرة العسكرية؟ فأنا أرحب بالمادة، وأطالب باستمرارها، وألا تكون نصاً انتقالياً لمدة دورتين. ■ أيضاً بعض الأصوات رأت أنه كان من الأفضل أن يكون الدستور قصيراً وموجزاً كى يُسْتوعب على المستوى الشعبى، فما رأيك؟ - أعرف أن بعض أساتذتى من كبار الدستوريين من أنصار المدرسة التقليدية فى كتابة الدساتير، ويقولون إن الدستور عنوانه «العمومية والإيجاز»، ولكن نرى أن الدساتير الحديثة التى كتبتها دول شهدت ثورات وتحولات سياسية وديمقراطية، على غرار ما يحدث فى مصر، كانت كبيرة حجماً وعدداً للمواد. وقيمة هذا التطويل والإسهاب فى إضافة الضمانات على أصل الحق، وربما يرى البعض أن هذه الضمانات والآليات مكانها القانون، ولكنى أرحب بها فى الدستور، لأنه كلما كانت المرجعية مؤسسة دستورياً كانت ملزمة أكثر للمشرع، خاصة أننا فى مرحلة تحول لم تستقر فيها الأطر والضوابط والمعايير التى تطمئننا. ■ بعيداً عن قراءة الدستور، ما تقييمك لأداء حكومة الدكتور الببلاوى؟ - مع احترامنا لبعض أعضاء الحكومة الذين يؤدون دوراً مشهوداً وواضحاً، كوزراء التعليم والشباب والإسكان، وطبعاً مثل وزارتى الدفاع والشرطة اللتين تحملان دوراً كبيراً فى مواجهة الإرهاب الأسود - فإننى أتحفظ بشكلٍ عام على أداء الحكومة الذى لم يأت بما تصورنا بعد ثورتين كبيرتين، وأرى أن تصريحات بعض الوزراء كانت صادمة للرأى العام، وكانت تسبح ضد تيار ثورة 30 يونيو، وبعض مواقف الحكومة الحالية فيها تفريط فى حق الشعب المصرى، وتبدو بلا رؤية أو خطة واضحة. ■ هل تطالبين بتعديل وزارى فى الوقت الحالى، أو الانتظار حتى انتهاء المرحلة الانتقالية؟ - بكل تأكيد أتمنى أن تحدث تعديلات واسعة فى الحكومة، لأن الدولة المصرية والشعب فى حاجة إلى كل يوم يمر. ■ ما رأيك فى الدعوات المطالبة للفريق أول عبدالفتاح السيسى بالترشح للرئاسة؟ - أراها منطقية ومبررة، وغالبية المصريين يريدون الفريق السيسى رئيساً للجمهورية، لأنهم اختبروه فى لحظة فارقة من عمر هذا الوطن؛ بين أن ينحاز لرغبتهم وإرادتهم ويعرض نفسه لحبل المشنقة، وبين أن يحفظ أمنه الشخصى وألا ينحاز لهذه الإرادة الشعبية، وهو فعل الأمر الأول، فاكتسب مصداقية لدى هذا الشعب وتقديراً وحباً، لأنهم شعروا بأنه قادر على القيادة والقرار، وأن ولاءه الوحيد للشعب المصرى، وهذا ما لا يريد البعض أن يفهمه. وأنا بشكل شخصى أطالب الفريق أول عبدالفتاح السيسى بتلبية نداء الجماهير والترشح للرئاسة، لأن المرحلة الحالية فى حاجة إليه. ونعلم جميعاً أن العقل الجمعى للمصريين، إلا قليلاً، يتجه الآن ناحية رئيس من خلفية عسكرية، كاحتياج مرحلى، لأنه يشعر بخطر على أمنه القومى وبنيان الدولة المصرية، فالشعب يريد الآن رئيساً قادراً على إدارة مقومات الدولة ومواردها، وبناء مؤسساتها، وأن يكون لديه القدرة على القيادة وتحمل المسئولية ومدركاً لأبعاد الأمن القومى، وليس رئيساً «هاوى.. لسه هيتعلم فينا».