نشر مجلس الوزراء تقريراً عن أداء الحكومة، جاء فى مقدمته أن الحكومة قد اتخذت قرارات «حرصت من خلالها على تحقيق أهداف ثورتى 25 يناير و30 يونيو من العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية»! ومن عجب أن الحكومة التى تشكلت نتيجة لثورة 30 يونيو لا تعلم ما هى أهداف تلك الثورة التى عبّر عنها باقتدار الفريق أول «السيسى» فى كلمته يوم 3 يوليو، قائلاً: «ولقد استشعرت القوات المسلحة -انطلاقاً من رؤيتها الثاقبة- أن الشعب الذى يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته.. وتلك هى الرسالة التى تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها، وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسى آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة». ولقد تحددت أهداف الثورة التى جاءت بالحكومة الببلاوية فى خارطة المستقبل التى نسبت إلى نفسها -أى الحكومة وبدون وجه حق- أنها «قد نجحت بشكل كبير فى التعامل مع الأوضاع الأمنية التى أعقبت ثورة 30 يونيو، حيث تم فض اعتصامى رابعة والنهضة بالطرق القانونية، ومع التزام الشرطة أقصى درجات ضبط النفس والمعايير الدولية، كما نجحت فى القضاء على بؤر الإرهاب والإجرام فى دلجا وناهيا وكرداسة، وتكثيف الحملات الأمنية لإعادة الأمن والانضباط للشارع المصرى»! وفى هذا الادعاء الحكومى إهدار للحقيقة ونسبة إنجاز الشرطة وضحاياها إلى حكومة لا يزال من أعضائها الأساسيين من يعلن رفضه ومعارضته لفض اعتصامى «رابعة» و«النهضة» مثل د. زياد بهاء الدين، ولا تزال الحكومة ترفض إصدار قرار أو الالتجاء إلى القضاء بطلب اعتبار جماعة الإخوان المسلمين «منظمة إرهابية»! والغريب أن الحكومة الببلاوية قد تجرأت على إنجاز وزارة الداخلية وهيئة الشرطة ونسبته لنفسها، لكنها لم تتجرأ بالحديث عن إنجازات القوات المسلحة فى الحرب على الإرهاب فى سيناء ولم تستطِع أن تنسبه لإنجازاتها، من ثم لم تذكر كلمة «سيناء» فى تقرير «الإنجازات» الببلاوى! فى نفس الوقت تجاهلت الحكومة فى تقرير «إنجازاتها» المهام التى كانت مكلفة بها فى خارطة المستقبل والتى كانت أولى باهتمامها وفق خارطة المستقبل، والتى كانت تتعلق ب«وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن»، و«اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكاً فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة» و«تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات». تلك المهام لم تجد أى اهتمام من «حكومة الثورة». فكلنا يعلم أن الحكومة قد تاجرت بهذه الأهداف المأمولة ولم تتخذ سوى إجراءات شكلية مثل تعيين اثنين من الشباب فى منصب مساعد وزير، وإنشاء وزارة للعدالة الانتقالية لم يتم تفعيلها حتى اليوم، وبنفس الوتيرة الهلامية يدور الحديث الحكومى عن ميثاق الشرف الإعلامى! ومن الغريب أن الحكومة الببلاوية قد نسبت إلى نفسها إنجازاً يعود فى الأساس إلى صلابة موقف الشعب المصرى ووقفة القوات المسلحة إلى جواره، الأمر الذى دفع الدول العربية الشقيقة إلى المسارعة -دون طلب من الحكومة ودون فضل منها- إلى المبادرة بتقديم عون اقتصادى مقدّر بلغ حتى الآن ما يزيد على 13 مليار دولار، بخلاف المساعدات العينية كالمستشفيات العسكرية والالتزام ببناء آلاف المدارس وإمداد مصر بالوقود، ناهيك عن الدعم السياسى ومساندة الموقف المصرى ضد مؤامرات الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى الذى كان له أبلغ الأثر فى تحول المواقف الغربية من الثورة وامتناعها عن اعتبارها «انقلاباً عسكرياً». وتضمن تقرير «الإنجازات» الحكومية تفاخر الحكومة بأنها «أطلقت برنامج حماية المسار الديمقراطى» الذى يتضمن أموراً لا علاقة للحكومة بها مثل ادعائها العمل على استكمال خارطة الطريق بما يضمن مشاركة كل القوى السياسية -وهنا مربط الفرس والهدف غير المعلن لذلك البرنامج الذى يهدف إلى تحقيق المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين وهى المصالحة المرفوضة من الشعب الرافض لإرهاب «الجماعة» وحلفائها. إن الأهداف الحقيقية لذلك البرنامج -وإن تسترت خلف عبارات رنانة وإن كانت خالية من المضمون- تتضح من أنه يسعى إلى «إتاحة العمل السياسى والمشاركة فى التنافس الديمقراطى لكل من لم تتلوث يداه بالدماء وطالما كان ملتزماً بنبذ العنف أو التحريض عليه»! وتبلغ الجرأة فى الافتئات على الحقيقة بادعاء الحكومة أنها تعمل على «تطبيق برنامج قومى للعدالة الانتقالية من خلال لجان قومية مستقلة يكون غرضها إعادة التوافق والوحدة والوئام للمجتمع المصرى عن طريق آليات المكاشفة والمحاسبة والمصالحة وعن طريق متابعة أعمال لجان تقصى الحقائق عن مختلف الجرائم المصاحبة للثورة أو التالية عليها، وإصدار قانون العدالة الانتقالية لتطبيق ذلك»!!! وتبدو المفارقة والافتراء على الحقيقة من الكشف مؤخراً عن طريق مساعد وزير العدالة الانتقالية المستشار محمود فوزى أن الحكومة الببلاوية لن تصدر قانون العدالة الانتقالية كونها -وكأنه اكتشف ذلك لأول مرة- حكومة غير منتخبة، ولم يصدر تكذيب لذلك التصريح فيما أعلم. إن الحكومة الببلاوية تبيع الوهم للشعب الذى كان يتمناها «حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية» كما جاء وصفها فى كلمة الفريق أول «السيسى» عند تقديمه خارطة المستقبل!!!