هل نحن شعب متدين؟ بالتأكيد لا، فكل الظواهر والشواهد تقول إننا لا نعرف شيئاً عن أخلاق الإسلام، بل لا نعرف شيئاً عن الذوق والأدب. فضائحنا تملأ الأفق، ونساؤنا يتعرضن لما لا تتعرض له أى نساء فى أى دولة ترونها منحلة أخلاقياً. الأممالمتحدة تقول إن 90% من نساء مصر يتعرضن للتحرش. يقول الخبر المنشور على موقع «اليوم السابع»: «نشرت هيئة المرأة بالأممالمتحدة، مقطع فيديو يرصد مشكلة التحرش الجنسى التى تعانى منها مصر، وما تتعرض له المرأة المصرية من تحرش جنسى مستمر، ورفض المجتمع لها فى حال محاولتها ردع المتحرش. ينتهى الفيديو بإحصائية مفادها أن 90% من النساء المصريات يتعرضن للتحرش الجنسى فى الأماكن العامة، استناداً إلى مجموعة من الدراسات والإحصائيات المختلفة حسبما تقول الهيئة، وقد لاقى الفيديو انتشاراً كبيراً على الشبكات الاجتماعية ووصل عدد مشاهديه خلال 3 أيام من بثه لأكثر من 33 ألف مشاهد». أى فضيحة تلك وأى بشر نحن، وكيف نصمت على تلك الجريمة؟ من قتل الحياء فى وجوه الناس؟ ومن أجهض تلك الفضيلة التى كانت جزءاً من الشخصية المصرية؟ من انتزع الذوق من على ألسنة الناس وجعلهم لا ينطقون إلا بالقاسى والمؤلم والمهين؟ ومن استبدل تلك الوجوه بأخرى عدوانية بلا خجل ومتخاصمة بلا سبب؟ من الذى صغّر المرأة واختصرها فى مصطلح (لحماية) عند المغتصبين والمتحرشين؟ كيف ارتضينا أن تهان المرأة «أماً وأختاً وزوجة» فى شوارعنا بهذه الطريقة المجرمة؟ كيف استبدلنا قناعتنا عن المرأة التى كانت أول من آمن بالرسالة المحمدية وأول من استشهد لأجلها بامرأة تُنتهك كرامتها علانية فى شوارعنا؟ كيف لم تنتفض الرجولة والكرامة وتثور فى وجه ظاهرة التحرش البغيضة والمتفشية كالوباء؟ التحرش ليس مجرد (معاكسات) من شباب مستهتر فاقد النخوة لفتيات فى مثل أعمارهم، وإنما تجاوز الأمر كل الحدود، وطال كل النساء من محجبات وسافرات إلى سائحات، ومن مترجلات إلى المنحشرات فى أوتوبيس عام، إلى اللائى يقدن سياراتهن، ومن الكبيرات إلى الصغيرات، ومن الموظفات فى مكاتبهن إلى الواقفات فى طابور عيش. الأمر جد مقلق وخطير، بغض النظر، عما تنشره المنظمات الحقوقية من أرقام وإحصاءات مخيفة، ولا تليق بنا. فنظرة عابرة إلى شوارع العاصمة تجعلنا ندرك حجم الهوة الأخلاقية التى سقط فيها الكثيرون عند تعاملهم مع المرأة، والسبب الأول وربما الأخير هو غياب القانون وعدم الردع. وليس غريباً أن تكون جريمة التحرش التى تقود إلى الاغتصاب أكبر وأخطر ما يشوه سمعة مصر، وتضر بالسياحة مباشرة، وتمسح من ذاكرة الدنيا ما يُقال عن طيبة الشعب المصرى. أصبحت هذه الظاهرة مفزعة لدرجة أن كثيرات لا ينزلن من بيوتهن إلا فى صحبة عائلاتهن، وكثيرات لا يخرجن إلا عند الضرورة القصوى، هذا إذا كنا نعلم أن 22% من الأسر المصرية تعولها نساء، ولا تقل نسبة المشاركات فى إعالة الأسر عن هذه النسبة، فهل يموت الناس لكى تتوقف تلك الظاهرة؟ وإذا كانت المراكز البحثية والمنظمات الأهلية المحلية والخارجية ترى أن هذه الظاهرة باتت مقلقة جداً، فإن على قادة الداخلية أن يتخلوا قليلاً عن عباراتهم الفوقية وإصلاح صورة الشرطة والشارع معاً، فأول ثمن أخلاقى ومعنوى يقبضه الشرطى هو انضباط الشارع، فالشارع الفوضوى يدل على وهن جهاز الشرطة. لو كان لهذا الموضوع أهمية فى رأس الداخلية لفرّغوا شرطة الآداب والسياحة والمرافق لمواجهة هذه الظاهرة المشينة، التى يصل مداها إلى أبعد الحدود، وإذا ما شنّت هذه الأجهزة حملة مكثفة لعدة أشهر، بحيث يُقدَّم من يرتكب هذه الأفعال النكراء للمحاكمة ويغرّم بشكل فورى فستختفى هذه الظاهرة، وربما يكون هذا العمل أو الحملة أهم بكثير من مطاردة عاهرة فى فندق أو اقتحام شقة مفروشة.. التحرش جريمة يفعلها العابثون والمستهينون بالقانون، وبالتالى فهى معلقة فى رقبة الشرطة أولاً وبقية أجهزة الدولة ثانياً. التحرش ظاهرة مهينة للجميع، والقضاء عليها ضرورة قبل أن يصفنا العالم ب«شعب قليل الأدب».