الصراع السياسى بين العسكر والإخوان والفلول وشباب الثورة انعكس بالسلب على جنازة شهداء مصر، فالقوى السياسية لم تتجاوز انقسامها وصراعها المريض احتراماً للشهداء ومن أجل مصر، بل للأسف تحول فضاء الجنازة لتصفية حسابات وإعلان مواقف سياسية ضد الرئيس مرسى الذى خاف من المشاركة، أما رئيس الوزراء وأبوالفتوح وعدد من شباب الثورة فقد تعرضوا لإيذاء نفسى ومادى يجب رفضه وإدانته. كل القوى السياسية حاولت توظيف الحادث الإرهابى لصالحها سياسياً ودعائياً، فالعسكر حاولوا التنصل من المسئولية عن الحادث والتقصير وسوء الأداء باتهام حماس والفلسطينيين وإلقاء المسئولية على قرارات الرئيس مرسى بفتح المعابر. والإخوان بدورهم ألقوا المسئولية على إسرائيل، وانشغال الجيش بالعمل السياسى، والرئيس مرسى قام بزيارة دعائية خاطفة لا معنى لها إلى رفح، ثم استغل الوضع للتخلص من رؤساء المخابرات والحرس الجمهورى والشرطة العسكرية، والأهم تخلص جزئياً من الإعلان الدستورى المكمل الذى يقيد سلطاته على الجيش. أما الفلول فقد ألقوا مسئولية ما حدث على الرئيس والإخوان وحماس، وشنوا حرباً دعائية لشيطنة الفلسطينيين. واتفقت القوى المدنية مع الفلول فى فشل الرئاسة فى تعاملها مع الملف الفلسطينى، كما اتفقت مع الإخوان فى ضرورة ابتعاد الجيش عن السياسة لكنها طالبت بإجراء تحقيق مستقل فيما حدث. لكن الاستغلال الأهم فى مأساة حادث رفح كان غياب الرئيس محمد مرسى، فالمعارضون له من كافة الاتجاهات انتقدوا موقفه الذى تراجع فيه فى الدقائق الأخيرة عن المشاركة فى جنازة الشهداء، وقارنوا بين شجاعته فى التحرير وخوفه من السير فى الجنازة، وبعض الظرفاء قالوا إن الإخوان كانوا فى التحرير، وبالتالى كان الرئيس بين أهله وعشيرته، أما فى الجنازة فالإخوان لم يحشدوا. أما الأكثر ظرفاً فقد كان تبرير الرئاسة لغياب مرسى. أيضاً الإعلام المصرى المتورط فى الصراع السياسى وظف الحدث واستخدمه بشكل دعائى على حساب الدقة والمهنية، فقد نشرت عشرات الأخبار والقصص غير الصحيحة عن الحادث والمتورطين فيه، لكننا لم نشاهد أو نقرأ التفاصيل والأرقام الدقيقة سوى من الإعلام الإسرائيلى!! وعوضاً عن نقص المعلومات والصور أغرقنا إعلامنا فى بحور من الكلام المعاد والمكرر عن ضرورة تنمية سيناء، وتعديل معاهدة السلام. وهو مجرد كلام وضجيج إعلامى سمعته وقرأته بعد كل حادث إرهابى يقع فى سيناء، وتذكروا أن آخر مرة سمعنا كلاماً مشابهاً كان يوم الاعتداء الإسرائيلى على نقطة لحرس الحدود فى العام الماضى. ويبقى الجانب الإسرائيلى الرابح الوحيد لأنه وظف الحادث وربما دبره لتحقيق مصالح سياسية واستراتيجية ودعائية هائلة، وأنا لا أميل لاستخدام سيناريو المؤامرة لكنى لا أرفض التسليم بوجوده كعنوان بديل للتخطيط الاستراتيجى الذى تقوم به الدول للحفاظ على أمنها القومى وحماية مصالحها، فى هذا السياق أفترض أن أجهزة الأمن الإسرائيلية نجحت فى اختراق الجماعات الجهادية الإرهابية فى سيناء وغزة، وبالتالى فقد كانت على علم بمكان وموعد العملية الإرهابية ضد جنودنا، وراقب الإسرائيليون ما يجرى وربما شجعوا على حدوثه، وفى الوقت نفسه كانوا على أهبة الاستعداد لمواجهة هجوم الإرهابيين على مواقع إسرائيلية حدودية. أى أن الإسرائيليين كانوا فى انتظارهم مما يفسر سرعة وسهولة القضاء على الإرهابيين. ولاشك أن الحكومة الإسرائيلية استثمرت هذا النجاح فى توتير العلاقة بين حماس والقاهرة، وغلق الأنفاق ووضع قيود على المعبر، علاوة على تحسين صورة الجيش الإسرائيلى أمام الرأى العام الداخلى والخارجى والإشادة بجاهزيته للرد على أى هجوم ضد قواته، مقارنة بأداء الجانب المصرى، لذلك لم يكن غريباً أن يناشد باراك أوباما الحكومة المصرية بالاستيقاظ!!