تزايد الاتجاه نحو سقوط الإعلام الأمريكى فى السنوات الأخيرة نتيجة دخول شركات أجنبية فى تمويل الشركات الإعلامية الأمريكية عن طريق الاقتراض أو الشراء أو الدمج، وبخاصة من خلال البنوك اليابانية، وأصبح معظم شركات الكابل الأمريكية تتلقى تمويلها من مصادر خارجية، كذلك شهدت وسائل الإعلام الأمريكية ظاهرة الاندماج مع شركات أجنبية. وقد بدأت هذه الظاهرة من خلال الإمبراطور الإعلامى الأسترالى الأصل «روبرت ميردوخ»، الذى نجح فى شراء مجموعة من الصحف الأمريكية، مثل «بوسطن هيرالد» و«نيويورك بوست» و«صن تايمز» و«شيكاغو أمريكان»، وأيضاً مجموعة القنوات الإذاعية «متروميديا»، فضلاً عن شرائه شركة «فوكس» للإنتاج السينمائى، كذلك استطاع الناشر البريطانى «روبرت ماكسويل» شراء شركة «ماكميلان» الأمريكية للنشر، كما تمكنت الشركة البريطانية «ساتش أند ساتش» من شراء عدد من شركات الإعلان الأمريكية الكبرى، كما استحوذت شركة «سونى» اليابانية على شركة كولومبيا للإنتاج السينمائى نظير خمسة مليارات دولار أمريكى، كما فازت شركة «ماتسوشيتا» اليابانية بصفقة شركة MCA الأمريكية نظير 6.8 مليار دولار. وبوجه عام تم شراء أو دمج 144 شركة أمريكية لأجانب، منها: 65 شركة نشر، و31 شركة إعلانات، و18 صحيفة ومجلة، و13 شركة توزيع، و5 شركات إنتاج سينمائى، و4 شركات إنتاج موسيقى، وشركتان إذاعيتان، وشركتان للكابل. وكشفت دراسة Rod Carveth عن ثلاثة أنماط لتكوين الشركات الإعلامية الأمريكية فى القرن الحالى؛ النمط الأول: بناء شركات عملاقة متعددة النشاط الإعلامى، مثل شركة «ماكسويل» البريطانية وشركة «نيوزكوربوريشن» الأسترالية، وتمتلكان أنواعاً عديدة من مؤسسات الإعلام الأمريكية، تشمل صحفاً، ومجلات، ودور نشر، وشركات توزيع، وشركات إنتاج سينمائى وتليفزيونى، وشركات التليفزيون المشفر. والنمط الثانى: عبارة عن شركات عملاقة متخصصة فى نشاط واحد، مثل مجموعة صحف «طومسون» الكندية وتمتلك 117 جريدة أمريكية، ومجموعة صحف «هولينجر» الكندية وتمتلك 61 جريدة أمريكية. وعموماً بلغ عدد الصحف الأمريكية المملوكة لأجانب 185 صحيفة من بين 1640 صحيفة أمريكية. أما النمط الثالث من الشركات فهو عبارة عن اندماج بين شركات تصنيع المكونات المادية Hard ware وشركات إنتاج المكونات الفكرية Software، مثل شركة سونى اليابانية التى اشترت شركة CBS الأمريكية للتسجيلات الموسيقية وشركة كولومبيا للإنتاج السينمائى، وشركة فيليبس الهولندية التى اشترت شركة A&M الأمريكية للتسجيلات الموسيقية. ونخلص مما سبق إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية حظيت معظم القرن العشرين بمزايا تنافسية عالية فى صناعة الإعلام والاتصالات، وبخاصة صناعة المكونات الفكرية، مثل الأفلام والبرامج التليفزيونية والتسجيلات الموسيقية، وذلك بسبب اتساع سوقها الوطنية (250 مليون نسمة)، وقدرة الشركات الأمريكية على تقديم برامج تحقق عائداً رئيسياً من السوق الوطنية وعائداً إضافياً من التسويق الخارجى. ومع ذلك هناك دلائل كثيرة تشير إلى فقدان الولاياتالمتحدة لهيمنتها المنفردة على سوق إنتاج المواد الإعلامية والترفيهية وتوزيعها، حيث انتقلت ملكية شركتين من أكبر ثلاث شركات أمريكية فى صناعة التسجيلات الموسيقية لملاك غير أمريكيين. كما تم شراء بعض أشهر استديوهات هوليوود، مثل يونيفرسال وكولومبيا وفوكس من جانب ملاك يابانيين وأستراليين وأوربيين، وقد أسهم ذلك على سبيل المثال فى حذف الأفلام الأمريكية التى كانت تهتم بالصراع بين الثقافتين الأمريكية واليابانية، أو إعادة كتابتها على نحو متوازن. معنى ذلك أن الهيمنة الأمريكية تتهاوى، ليس فقط على الصعيد الإعلامى وإنما على الصعيدين السياسى والاقتصادى، وسوف يتراجع القطب الواحد لصالح عالم متعدد الأقطاب. هل يستفيق العرب ويستعيدون دورهم الحضارى كأحد الأقطاب؟