قبل أن يمد الشباب أيديهم ليتناولوا شربة ماء أو كسرة خبز ليشقوا بها صيامهم -ومنهم القبطى الذى انتظر ليفطر مع إخوانه من المسلمين فى رفح - امتدت يد الغدر والخيانة لتغتال أحلام هؤلاء الشباب وأهاليهم، لتنسكب المياه وتختلط بالدماء لتروى تراب أرض سيناء الغالية، التى طالما ارتوت بدماء شهداء دفعوا عمرهم من أجل أن يعود هذا التراب إلى حضن الوطن الأم، وقد عاد. إلا أن العدو آنذاك كان معروفاً ومكشوفاً لنا، وكلنا مجتمعون على حربه، أما هؤلاء الأبناء من الشهداء فلا ندرى من الذى اغتال غدهم ومستقبلهم: هل هو عدو أم صديق؟ منا أم منهم؟ عن اتفاق ومؤامرة أم عن تقصير وتخاذل؟.. كلها أسئلة جالت بخاطرى وأنا أتابع جنازة الشهداء ودموعى تنساب على خدى، لهفى عليكم يا خير شباب مصر، فالناس تطلب الثأر وأنا منهم ولكن ممن؟ أليس هؤلاء الزهور من الشباب هم «العسكر» والشرطة الذين خرج عليهم البلطجية المأجورون -وليس الثوار الذين قدموا أمثالهم من الشهداء- لكى يعتدوا عليهم ويضربوهم ويسبوهم بأقذع الألفاظ فى محاولة لكسرهم وضياع هيبتهم، من أجل أن يفسحوا الطريق لفصيل واحد لا يفكر إلا فى مصلحته، ووضع على رأس الدولة رئيساً يمنح لنفسه الأوسمة والنياشين، ويفتح المعابر ليتنقل خلالها الخونة والمجرمون والسجناء الذين أخرجهم من السجون بأسلحتهم بعد العفو عنهم، دون اعتبار لما يمثله ذلك من خطر هذه التيارات على أمن البلاد وأمانها، ويفتح البلاد لدخول الفصائل الفلسطينية المختلفة وعلى رأسها حماس دون تأشيرة لينتشر الإرهاب مرة أخرى كالأخطبوط، وتعود الفتن الطائفية لكى تطل برأسها، وتفقد مصر السيطرة على سيناء، من أجل هدف معين يعيه أو لا يعيه، وهو تقسيم مصر صاحبة الشعب والجيش الوحيد الذى يمكن أن يقف ضد أطماع إسرائيل؟ كل هذا ليس مهماً.. المهم هو التمكين. والحقيقة أننى لا أريد أن أسترسل أكثر فى تحليلات سياسية ربما كشفت الأيام الآتية عن أسرارها، ولكنى قرأت أن الجثث المحترقة من المعتدين المجرمين قد انتقلت إلى مصلحة الطب الشرعى لإجراء اختبار «دى إن إيه DNA» لمحاولة التعرف عليهم، وقد سألنى البعض عن إمكانية حدوث ذلك علمياً، فرأيت أن أوضح بعض الحقائق العلمية؛ فتحليل الحامض النووى «دى إن إيه DNA» يكشف البصمة الجينية للإنسان أى هويته وبطاقته الجينية المميزة له، وقد استخدم كثيرا فى الآونة الأخيرة فى أغراض الطب الشرعى للتعرف على جثث الغرقى والمحروقين بعد تشوه معالمهم من خلال مقارنته بعينات أقارب لهم من الدرجة الأولى أو الثانية، ومقارنتها بالحامض النووى للشخص المشتبه به، وكذلك من أجل التأكد من حقيقة شخصية معينة مثلما حدث بعد القبض على صدام حسين الذى كان لديه عشرات البدلاء الذين يشبهونه تماما فى الشكل، وكذلك فى إثبات البنوة أو نفيها. إذن فتحليل جثة المتوفى -دون وجود أى فكرة عن احتمالية من يكون هذا القتيل المشتبه فيه، من أجل مقارنة تحليله بأحد أقاربه، أو فى حالة وجود بنك معلومات جينية (مصلحة الأحوال الجينية) للمشتبه فيهم من الإرهابيين والمجرمين يحتوى على بروفايل جينى يمكن الرجوع إليه فى مثل هذه الحالات - يمكن أن يوصلنا إلى شخصية القتيل. ويمكن إجراء التحليل من خلال أخذ عينة من الدم، أو من خلال مسحة من أى خلية من خلايا الجسم مثل الغشاء المخاطى المبطن لتجويف الفم والمواجه للخد Buccal Swab، أو من خلايا العظام السليمة أو الشعر أو غيرها، ومن خلال عقد مقارنة فى عدة مواقع يعتقد أنها من الأماكن الذهبية على الحامض النووى (7-14 موقعاً) للبحث عن هوية الشخص، نستطيع مقارنة هذه المواقع عند كل من الأب والابن، حيث تتطابق 50% هذه الحزم الضوئية مع الأب البيولوجى، ويتطابق النصف الآخر مع الأم، وبالتالى يمكن نفى الأبوة بنسبة 100% فى حالة عدم التطابق، أو إثبات الأبوة فى حالة التطابق بنسبة تصل إلى 99٫9%، ويكون التطابق مع العم أو الخال بنسبة 25%، ويستغرق إجراء هذا الفحص من أسبوع إلى أسبوعين وأحيانا أقل من ذلك، ولا يشترط لإجرائه سن أو عمر محدد منذ لحظة الولادة.