يقف الرجل الستيني العمر في وسط ميدان التحرير، يرتدي الجلباب الأسود الفلاحي ويربط الشال الفلسطيني كالعمامة على رأسه، لحيته البيضاء الكثيفة، ووجهه المصري الأصيل المليء بتجاعيد الزمن وهموم الملايين غيره، ومن خلفه ضباب الغاز المسيل للدموع وعصي الأمن المركزي تطارد شباب نزلوا من أجل حقهم في حرية وكرامة وعيش كريم في بلادهم، يعبر عن حالهم بلافتة بين يديه "اللي فات ظلم واللي جاي ظلمات"، إنه محمد عطيان، الملقب ب"أبو الثوار"، العجوز المرابط في ميدان التحرير في كل أزمة تحدث، متحديًا البرد والمطر وقنابل الغاز والمولوتوف والرصاص الحي والخرطوش. زحف "عطيان" من قريته الصغيرة بأحد مراكز محافظة كفر الشيخ إلى ميدان التحرير مع أول صدام بين الثوار والشرطة في شارع محمد محمود عام 2011، وذلك بعد أن شارك في أحداث ال18 يوم الأولى من ثورة 25 يناير بميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية، تاركًا وراء ظهره زراعة قطعة أرض يملكها هو وأبناؤه الثلاثة، ليستقر في الميدان، مشاركًا في كل المليونيات التي دعت إليها القوى الثورية في عهد المجلس العسكري ومن بعده محمد مرسي وجماعة الإخوان. لاقى العجوز الثائر الكثير من الويلات من أجل الحرية، فألقي القبض عليه بميدان التحرير في عهد الإخوان، وتحديدًا في مارس 2013، خلال محاولة قوات الأمن فض الاعتصام في الميدان قبل يومين بتهمتي "مقاومة السلطات" و"إتلاف وتخريب الممتلكات العامة والخاصة"، كما تعرض لأكثر من محاولة قتل، قال عنها في بعض الأحاديث الصحفية إنها وصلت ل"15 محاولة"، أشهرها هجوم البلطجية على ميدان التحرير في 31 مارس 2013، وتلقى خلالها طعنة نافذة بآلة حادة، وتم نقله على إثرها إلى مستشفى قصر العيني القديم في حالة خطرة، بعدها عاد من جديد للميدان ليواصل رحلته مع أبنائه. ويبدو أن الرجل الذي وثق بخط يده لافتات تصف كل المليونيات والأحداث التي حدثت منذ عهد المجلس العسكري وحتى حكم الإخوان، كتب عليه أن يكون أول ضحايا السلطة بعد 30 يونيو، عندما قبض عليه بالأمس، حاملًا لافتة بعربات السيدات بمترو الأنفاق، ووجهت له تهمة التظاهر بدون إخطار بعد إقرار قانون التظاهر الجديد، الذي أصبح حديث الرأي العام هذه الأيام.