تكرر الكشف عن فضائح السياسة الأمريكية وكيف تكذب وتُلفق التهم وتختلق الشياطين كستار للقيام بممارسات هى أبعد ما يكون عما تتشدق به من مبادئ وقيم. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد شنت حملة دعائية محمومة، سخرت خلالها كل السبل والوسائل لإيهام الرأى العام الدولى، بأن نظام الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، يمتلك أسلحة دمار شامل، تكفى، كما روجت وروج حلفاؤها، لتدمير الكرة الأرضية فى ظرف أربعين دقيقة!! شوف الدقة!! وبعدما دمرت العراق وجردته من جيشه، بدعوى «إقرار ديمقراطيتها على أرض الرافدين»، بدأت الأهداف والمخططات تتكشف، بالتوازى مع تكشف الأكاذيب الأمريكية، وعرفنا الآن أن العراق، كان استهلالا لما بشرتنا به واشنطن، أى الشرق الأوسط الكبير!!!.. وبعد صياغة الدستور العراقى فى واشنطن، كتبت مقالا أنبه فيه إلى خطورة هذا الدستور، الذى قسم الشعب العراقى إلى سُنة وشيعة وأكراد.. بدعوى «المحاصصة» فى توزيع الثروة.. من جهة أخرى جرّت أمريكا أنظمة وشعوب العديد من الدول العربية وذات الأغلبية المسلمة إلى خوض حربها فى أفغانستان، ضد الاتحاد السوفيتى السابق، القوة العظمى التى كانت تنافسها، التى كانت تساعدنا عسكريا بالمناسبة، وأطلقت على المقاتلين الوصف الساحر، أى «المجاهدين»!! وفور تحقيق الهدف، ارتفع نشيج أمريكا وعلا نحيبها جراء «الإرهاب» الذى ينفذه ويروع به العالم، «مجاهدو» الأمس.. والأمثلة على أن سلوك الولاياتالمتحدة يناقض ما تتشدق به من مبادئ لا حصر لها، ومن أكثرها دوياً على الساحة الدولية الآن، فضيحة تجسس واشنطن على أقرب حلفائها الأوروبيين وربما أكثرهم إخلاصا فى العلاقات معها.. وأكيد أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند وبقية قادة دول الاتحاد الأوروبى، قد أصيبوا بصدمة، تتفاوت حدتها، من رئيس لآخر، غير أن هؤلاء القادة قد وضعتهم فضيحة التجسس فى مأزق حقيقى مع شعوبهم، وحتى لو تم توقيع اتفاقية مع واشنطن، تتعهد بمقتضاها بعدم التنصت، وهى كلمة مهذبة للتجسس، فقد اهتزت وربما إلى الأبد صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية فى عيون المواطن الأوروبى البسيط، الذى صدق يوما أن أمريكا، مثال التضحية من أجل المبادئ وحرية الشعوب، وإذ به يسمع الآن أن دولته كانت خاضعة للتجسس الأمريكى حماية «للمصالح الأمريكية!!». كما سمع أيضاً أن هذه الدولة، وبمنتهى الديمقراطية!!، تعطى لنفسها الحق فى انتهاك خصوصية الدول ومواطنيها، بينما تؤكد على الدفاع عن حرمة خصوصية الأمريكان، فى مسلك بالغ العنصرية، يكاد يصرخ عاليا: أمريكا فوق الجميع!!.. غير أن أهم ما استوقفنى اليوم بصدد تكشف هذه الفضيحة، هو ما يتصنعه الأمريكان، من بيت أبيض إلى كونجرس إلى وسائل إعلام، من «حيرة؟» حول ما حدث فى مصر، وهل هو ثورة أم انقلاب.. هل يقبل عقل، مهما تواضعت قدراته، أن أمريكا، التى ترصد «دبة النملة» لدى أصدقائها، الذين فهموا على الأرجح أنها لا صديق لها، لم تتأكد أن مصر شهدت ثورة ضد حلفاء المشروع الأمريكى الشرير؟ هل يصدق أحد أن الكاميرات الأمريكية، وحدها قد أُصيبت بالعمى الحيثى، فلم ترصد، تحت سماء مفتوحة وشمس ساطعة، أن المصريين خرجوا فى أكبر حشد عرفه تاريخ البشرية، رافضين سرقة ثورتهم فى يناير وتمزيق أرض الوطن، استكمالا لما بدأته فى العراق الشقيق ثم فى دول عربية أخرى، عادت لتنتفض بدورها، درءا لخطر داهم يدبره صاحب «السلام عليكم!!» فى جامعة القاهرة؟ لا شك أن الدولة التى تتجسس على موبايلات ميركل وأولاند، تعلم أن ثورة ضد مشروعها قد قامت فى مصر، وأن تباكيها ودموع التماسيح التى تذرفها على «الديمقراطية وشرعية الصندوق والرئيس، المدنى، المنتخب»، ليست سوى تعبير عن حسرتها لضياع أملها بتمزيق مصر، فهى كما اعترفت بعد الفضيحة الأخيرة، لا تهتم إلا بمصالحها ومصالحها فقط، وما دون ذلك كذب وخداع، أعتقد أنه لم يعد ينطلى على أحد.. والحذر واجب مع كل الدول، ولكنه أكثر وجوبا مع هذه الدولة بالذات، التى قد تلبس قناعا جديدا، فى حربها ضد الحلم المصرى خاصة والعربى بوجه عام.