ولدت طفلاً طبيعيًا، وكنت شقيا جدًا وأنا صغير، خافت أمي عليَّ من اللعب في الشارع، وأخذتني من يدي لقصر ثقافة سيدي جابر بالإسكندرية، وكان عمري يومها 7 سنوات"، هكذا يبدأ كريم النجار حديثه في سرد قصة حياته. لم يكن يدرك كريم النجار الذي ولد بمحافظة الأسكندرية عام1967، أنه يساق قدرًا لحب الرسم، حيث يقول:"هناك قابلت رسامًا اسمه سيد عبد الله، أخذني الفضول للتعرف عليه، وهو من اكتشف موهبتي . جلست معه سنوات، وتعلمت منه الكثير بمجرد رؤيته وهو يرسم". يضيف:"كُرمت كثيرًا وأنا صغير، وشاركت لوحاتي في العديد من المسابقات على مستوى الجمهورية، وشاركت في معارض دولية مع وزارة الثقافة"، لكن دوام الحال من المحال، فجأة سافر أستاذي، وتركت قصر الثقافة، وأكملت دراستي الثانوية، ودخلت الجامعة". ويبدأ النجار، سرد مأساته، فيقول:"أصابني مرض نادر غير معروف، وأصابني بشلل في أطراف جسمي، أثرعلى قدراتي الحركية"، ليصبح هذا الشاب قعيدًا على كرسي متحرك، فكر سريعًا في أن "التجارة" قد تناسب وضعه الصحي الجديد يجمع بها مالا أملاً في علاج مرضه النادر ، يقول:"كونت شركة، وعملت أموالا ونجحت بمجال التجارة، لكن بعد 13 سنة خسرت كل الأموال، وتدهورت صحتي، وتركت الأسكندرية مع قريب لي إلى مدينة برج العرب كي أبدأ من جديد". بين عشية وضُحاها، وجد خريج كلية التجارة من جامعة الأسكندرية 1989، أنه خسر "الصحة" و"المال"، لكن إيمانه بالقدر النابع من قوله تعالى.."إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"، وكلمات توفيق الحكيم "أملي أكبر من جهدي، وجهدي أكبر من موهبتي، وموهبتي أسيرة طبعي، ومازلت أقاوم"، والتي دومًا مايلجأ إليهما في أي محنة، كانتا الدافع له للاستمرار والمقاومة. كانت نهاية العالم بالنسبة ل"كريم"، وهو يترك عروس البحر المتوسط في ظلمات الليل متوجهًا إلى مدينة برج العرب، يقول:"كنت أنظرعلى الأسكندرية من فوق كبري محرم بيك وهي تختفي، كان الأمر بالنسبة لي نهاية العالم"، كان حينها يردد وهو يبكي والسيارة مكملة سيرها، قوله تعالى:"ربي أنزلني منزلاً مباركًا وأنت خير المنزلين". نزل "كريم" بصحبة "قريبه" ببرج العرب، لكن هذا "القريب" لم يصمد أمام الغربة الموحشة، وقرر الرحيل تاركًا "كريم" وحيدًا، يضيف:"واجهت وحدة شديدة، ومستقبلاً غامضًا، قررت إعادة اكتشاف نفسي فنيًا، والتعبيرعن نفسي وعالمي الخاص بالرسم، وبدأت أرسم كل شيء في حياتي". يتابع:"بالرسم وحده شعرت أنني إنسان طبيعي. رجعت للرسم كي أعيش حياة خاصة حُرمت منها كإنسان .. الرسم يعطيني مساحة حركة بدون مساعدة الآخرين، هذه رسمتى لم يساعدني فيها أحد، ولم يشاركني فيها أحد .اخترت التكوين والألوان والخامات كي أكون موجودًا، حين أقابل الجهلاء، أقول: تستطيعون المشي لكن بغير قلب ولا عقل لكن مهما صنعتم لاترسمون". بعد 3 سنوات استطاعت "الحاجة عائشة" أن تكسر وحدة هذا الشاب المنعزل، والذي اكتفى بصداقة اللوحات وأقلام التلوين، يقول:"الحاجة عيشة سمعت من أحد الناس عن وجودي في المدينة، فتبرعت بزيارتي رغم عدم معرفتها بي، وأصبحت لي أم وأنا لها ابن، ولولا هذه السيدة لكنت في عزلة تامة، هما ستات أجدع من الرجالة". يضيف النجار:"منذ أربع سنوات دخلت الانترنت، وبدأت أتعرف على عالم آخر أكسر به حاجز الملل، وبدأت أعرض رسوماتي على الفيس بوك، واشتركت في معظم الجروبات التي تخص المعاقين"، لذا يشكل موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بالنسبة لكريم "معرضه الإلكتروني الدائم"، يعرض من خلاله أحدث اللوحات التي تهتم بالمعاقين وحقوقهم وأحلامهم يقول:"مازال المجتمع يعاقب المعاق على إعاقته، لازال أمامنا الكثير كي يعيش المعاق حياته كإنسان له كل الحقوق". يرسم كريم بأطراف أصابعه رغم صعوبة حركة اليدين، وتستهويه "اللوحات الزيتية، والمائية، والفحم، والباستيل"، لكنه يحب اللوحات الزتية أكثر"عشان صعبة"، ومن خلال الرسم استطاع أن يرصد واقع مايقرب من 12 مليون معاق في مصر، يقول:"واقعنا زي واقع كل المصرين، لكن واقعنا أشد ظلمًا"، لذا فهو يطالب دومًا بأن يتغير حال المعاقين بعد الثورة، ويكون لنا مجلس أعلى يمثلنا، ونأخد حقنا في حياة كريمة، ونتحمل المسئولية في بناء مصر الجديدة". بعد سنوات من هذا العالم الالكتروني، قرر أن ينزل برسوماته إلى أرض الواقع، يقول:"أقمت معرضًا اسمه (ثورة معاق .. إرادة الحياة)، لعرض واقع المعاقين بعد الثورة، ويضم 31 لوحة زيتية طرح عدد منها في مزاد يعود عائده للمعاقين الأيتام بالجمعيات الخيرية، ونجح المعرض على مستوى مصر والعالم العربي، واستطعت أن أقدم رسالة: كيف تصنع شيئًا جميلاً من الظروف الصعبة". في مصر مابعد الثورة، يتمنى أن يشارك كريم- الذى حصل على لقب سفير التحدي - في لجنة وضع الدستور للتعبير عن مطالب المعاقين "الذي يبلغ عددهم 12 مليونًا"، يريد حق المعاق (سكن - شغل - صحة - مواصلات - معاش - تعليم - تأهيل - تثقيف المجتمع)". يحلم كريم بأن يكون له أسرة وشريكة حياة، وأن ينتشر أكثر على المستوى الدولي، حلم الانتشار تحقق على الانترنت، ويبقى أن يحدث هذا الانتشار على أرض الواقع". ولمصر يحلم ب"مبدعين في مجال السياسة والعلم والإدارة"، ويجد تشابهًا كبيرًا بين حياته وقصة الثورة .. الثورة بدأت وستستمر، وهى إلى الآن لم تحقق أهدافها وتحارب، لكن الوضع الطبيعى لها الاستمرار". يختم النجار حديثه قائلا:""تمر حياتى كشريط سينما، لم أكن أتوقع أن أعيش بهذه الطريقة، وأن أمر بحياة صعبة، ولم كن أدرك حجم القوة والإرداة والطاقة الكامنة بداخلي لولا الإعاقة".