يرتبط مفهوم «الدينيوية»، أى الخلط بين الدين والدنيا فى حياة المصريين، بنظرتهم الشكلية إلى الدين. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الدين ما وقر فى القلب وصدقه العمل». ويستريح المصريون لفكرة الإيمان «القلبى» أكثر من الإيمان «العملى». وما أكثر ما يجيبك أى مواطن بالقول المصرى الشهير: «قلبى عامر بالإيمان» إذا جئت تسأله عن بعض سلوكياته من المنظور الدينى. فزعم الإيمان ب«القلب» أرخص ولا يحتاج تكلفة أو مؤنة الإيمان الذى ينعكس فى «العمل». وليس أدل على ذلك من استغراق أغلب المصريين فى «العبادات»، وعدم اكتراثهم ب«المعاملات». المواطن اعتاد على أن «يدوس بنزين على الآخر» فى مدار «العبادات»، لكنه للأسف يتناولها بطريقة شكلية. وربما تكون قد لاحظت هؤلاء المهرولين إلى أداء صلاة التراويح فى رمضان بالمساجد الشهيرة، فى الوقت الذى يتأخرون فيه عن صلاة العشاء، رغم أن الأولى «سنّة» والثانية «فرض»! ولا يتأبى المصرى عن التلفظ بأبشع وأقذع الألفاظ، بينما يكون خارجاً لتوه من الصلاة. ما أكثر ما يسبح المصرى ويحمد ويبسمل، ما أكثر ما يرسل الرسائل على «الموبايل» و«الفيس بوك» داعياً غيره إلى التسبيح والصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم. ولعلك تلاحظ أن أكثر عبارة دينية تتردد على لسان المصريين هى عبارة «إن شاء الله» التى يلجأ إليها المصرى إذا أراد التفلت من أمر مطلوب منه أن يفعله، وهو لا يريد! فالمصرى يميل إلى التمسك بأهداب العبادات ويتفلت أشد التفلت من إعمال الدين فى المعاملات؛ لأن التدين عند البعض مظهر أكثر من كونه جوهرا من جواهر الحياة. ولعل إطلالة على بعض الأمثلة الشعبية المصرية تمنحنا المزيد من المؤشرات على الطريقة التى يتعاطى بها العقل الشعبى المصرى مع قضية الدين بصورة أكثر تجسيداً. تأمّل المثل الشعبى الذى يقول: «العبد فى التفكير والرب فى التدبير»، إن هذا المثل يعكس كيف يجمع المصرى ما بين الدنيا والدين عند النظر إلى الحياة؛ فهو يعلم أن للدنيا قوانينها، وأنه إذا تمكن منها سيسيطر عليها بتدبير الله خالق هذه القوانين. ولا يميل المصريون إلى تبنى تصورات غيبية عن الله، سبحانه وتعالى، بل يؤمنون بأن العقل البشرى هو سبيل الوصول إلى الله، وفى هذا المقام يقول المثل الشعبى: «ربنا عرفوه بالعقل». ويفهم المصرى جيداً أن الدين أحياناً ما يكون وسيلة للتجارة على أهل الدنيا وأداة لخداعهم والاحتيال عليهم؛ لذلك تجده يتحفظ كثيراً على الاستماع إلى «غلاظ الأيمان» التى يمكن أن ينطق بها لسان اللص السارق. يقول المثل الشعبى فى هذا المقام: «قالوا للحرامى احلف قال جالك الفرج». هكذا يراهن المصرى على العقل فى الحكم على المواقف والأشخاص أكثر مما يرتكن إلى ما يردده الآخرون من كلام كبير لا يستطيع أن يصرفه من بنك الحياة؛ لأن «ربنا عرفوه بالعقل»!