«متفطريش صائم» هكذا عنون طلاب من كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية حملة تدعو النساء إلى عدم إثارة الفتنة وإيقاع الصائمين فى فخ المعصية بما يتسبب فى إفطارهم، والفتنة المقصودة تأتى نتيجة اللبس المثير أو غير الشرعى، من وجهة نظرهم. الحدث يبدو بسيطاً ومتوافقاً مع صعود لحركات الإسلام السياسى، وصعود شعبى لمشايخ السلفية ممن تشغلهم مسألة (الهدى الظاهر) من لبس ولحية على حساب تحديات أخرى كالاستبداد وتوريث الحكم وحق الشعب فى حكم نفسه، واحترام حقوقه الإنسانية والسياسية. لكن الأمر أكبر من مجرد تشدد تيار دينى محافظ يريد فرض رؤيته إلى المجتمع. *********** فى صورته المبدئية يدل الحدث على أننا ما زلنا أسرى ثقافة ترى فى المرأة كائناً أقل قيمة، ومنبتاً للشرور، وسبباً للخطيئة والشقاء، وهى سمة للمجتمعات المتخلفة على مر العصور، يقول علماء الأنثربولوجى إن أصل هذه السمة (النظرة الدونية إلى المرأة) يرجع إلى فترات الحيض والنفاس التى تمر بها الأنثى، وحاجتها للتطهر فترات أكثر من الرجل، فتقول مارى دوجلاس مثلاً إن الحيض يوحى بالموت والدنس والخوف، ويشير الدكتور حسنى إبراهيم فى دراسة مهمة اسمها الجسد الأنثوى بين المعتقد الشعبى والمعتقد الدينى: رؤية أنثروبولوجية، يشير إلى أن قبائل الفورى Fore فى غينيا الجديدة يتم عزل النساء فى فترة الحيض فى أكواخ صغيرة خاصة، وتتولى نسوة أخريات إحضار الطعام لهن؛ وذلك اعتقاداً منهم أن زيارة المرأة الحائض لحدائقهم سوف تجلب الآفات للمحاصيل، شىء من هذا ثار فى مصر وقت إثارة موضوع تولى المرأة القضاء، قال كثيرون كيف تحكم امرأة وهى حائض؟ «متفطريش صائم» هى حملة احتقار للمرأة بشكل عام وللجسد خصوصاً، فالرجل أيضاً يملك جسداً باستطاعته أن يفتن المرأة، لكن المرأة فى ظل هذه الثقافة لابد أن تتحمل المسئولية وحدها. كثير من الكتابات رصدت المشكلة، فيلاحظ مصطفى حجازى إن هناك اختزالاً للمرأة إلى حدود جسدها، واختزالاً لهذا الجسد إلى بعده الجنسى: المرأة مجرد جنس أو أداة له وعاء للمتعة. هذا الاختزال يؤدى إلى تضخم البعد الجنسى لدى المرأة بشكل مفرط وعلى حساب بقية أبعاد حياتها، بتركيز كل قيمتها فى هذا البعد من حياتها، كما يفجر كل مخاوفها الوجودية حول حلول كارثة ما تعصف بوجودها، فهاجس المرأة قبل الزواج، يتحول إلى قلق حول غشاء البكارة وسلامته، وإلى قلق حول قدرات الجسد على حيازة وإعجاب الرجل بضمان الزواج». وها نحن نكتشف بعداً آخر لجسد المرأة وهو مسئوليته عن إفطار الصائمين فى نهار رمضان. ************ «متفطريش صائم» حملة اعتداء على حرية البشر فى الملبس ومؤشر على أزمة تعليمية كبرى لطلاب كليات علمية باتت بعيدة عن قراءة الأدب والفلسفة واحترام حق الآخر.. هى عودة مبدئية لسيناريو السبعينات، وقت حصول الجماعة الإسلامية على أغلبية الاتحادات الطلابية فى الكليات العملية، ثم انطلاق موجات الاستتابة بالجنازير ضد المتبرجات والمختلطين بالجنس الآخر.. الموجة التى انطلقت فى الإسكندرية إلى جامعات مصر كلها، فأنتجت إرهاباً ودماً.. وفى نهاية المطاف أخرجت (الطبيب) ياسر برهامى و(المهندس) عبدالمنعم الشحات.