أرضية احمرت من الدماء، وأكفان متراصة تستر أجساد لا يظهر منها إلا الأقدام.. صرخات الأمهات، وأناشيد ودعاء، أقدام متسارعة، وأطباء يهرولون إلى أجساد لا يعرفون من منهم على قيد الحياة ومن فارقها، كان ذلك حال مستشفى "بن سينا" حين اتجه أهالي ضحايا الاشتباكات بين قوات الأمن و"الإخون" بالدقي يبحثون عن ذويهم وسط الجثامين الملقاة على الأرض داخل غرفة استقبال الطوارئ. على أبواب المستشفى تتقدم بخطى ثقيلة سيدة خمسينية، تتوشح بالسواد، ترفع صوتها بالصراخ "رامي يا عريس روحت فين وسبتني يارامي.. فوتي أمري لله وحسبي الله نعم الوكيل، حرام عليهم الشباب ليه كده فوت إمري إلى الله".. تتقدم سيارة الإسعاف تقترب وتفرغ ما بداخلها من جثامين، بعضها يصدر حركة متألما، والبعض قد صمت للأبد. بعد تجاوز البوابة وإلى وسط ساحة طوارئ المستشفى، التي تعج بالأقدام المتسارعة، يقف أحدهم، تنهمر الدموع من أعينه أمام كاميرات الصحفيين ويقول "كان راجع من شغله ملوش دعوة بحد كان راجع البيت ومكنش مشاركة في مظاهرات ولا غيرها"، وآخر يقترب من رأس أحد الجثامين كما لو كان يود إعادته لحياة قد فارقها منذ قليل، ويقف آخر يلتقط له الصورة الأخيرة، وسط آخرين يرفعون رؤوس الراحلين يربطونها من أسفل الذقون إلى أعلى الرأس، فيما يقف شاب يظهر عليه التماسك يبدو طبيبا، يمسك بالقلم ويتسأل عن الضحية قائلا "اسمه إيه؟"، ويكتب الاسم تلو الآخر على الأكفان المتجاورة. وسط كل ذلك ينساب صوت أحدهم يرتل الدعاء: "اللهم إنا مغلوبون فانتصر، اللهم أرنا فيهم عذاب الآخرة".. وفي أحد الأركان مشاجرة بين شخصين، أحدهم يبكي ويصرخ من فرط الحزن، والثاني يحاول تهدئته لكن دون جدوى، تتصارع الأيادي، فالأول يريد أن يرفع الكفن عن أحد الضحايا، والثاني يحاول منعه من ذلك وهو يقول: "مات شهيد". في جانب المستشفى، يقف شاب كث اللحية، يمسك بيديه متعلقات ضحية، وباليد الآخر تليفونا يخبر من يهاتفه بسقوط الضحية، ويحاول تهدئته ليخبره بمكانه بالمستشفى، وبجواره تسكن أحد الجثامين بدون كفن يسترها، ولكن يحاول أحد القادمين مسرعا بتغطية وجهه باكيا، وممسكا حافظة أحد الضحايا المجهولة يبحث داخلها عن دليل لأهله. ومن أسفل أحد أبواب الغرف، يتسلل شريط من الدماء إلى وسط المستشفى، فيما يقف آخر يبدو متماسكا يحاول أن يثنى آخر عن الصراخ: "ياااااااارب يا ولاد الكلب"، وبجواره سيده تلطم الخدود، وآخر يضرب رأسه في الحائط من فرط الهلع من منظر أخيه الذي كشف عنه الكفن، فوجده قتيلا أسلم روحه لبارئها.