لم تكن المفاجأة فيما قاله الفريق سامى عنان فى الجزء الأول -والأخير مؤقتاً- من مذكراته عن أسرار ثورة 25 يناير، ولكن المفاجأة الحقيقية أنه قاله. لا أريد أن أطرح ألغازاً، فما فعله «الفريق» هو اللغز نفسه!! فقبل أن يبادر ويسارع الفريق بتسريب ونشر ما قيل إنه مذكرات وكشف أسرار، باغتنا الفريق بقيامه بجولة فى محافظة مرسى مطروح، التقى بالناس هناك، استمع إليهم وطرح عليهم أفكاره، وواكب هذه الجولة تسريبات عن أن «الفريق» أعلن عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة، وليته لم يؤكد أو ينفِ، ولكنه وبعد أن وجد رد فعل عنيفاً رافضاً لترشحه، سارع بالنفى أنه لم يعلن ذلك، وإن لم ينفِ نيته أو رغبته فى الترشح، ولم يقل أيضاً بأى صفة أو هدف ذهب للقاء الجماهير فى مرسى مطروح؟! لماذا بعد تلك الجولة، قرر الفريق أن يكشف بعض أسرار 25 يناير؟.. هل من حق أى ضابط سابق فى القوات المسلحة أن يكشف أسراراً تمس أمن مصر دون الرجوع إلى جهاز المخابرات الحربية والحصول على موافقته؟ ما تأكدت منه أنه لم يفعل، بل علمت أن المؤسسة العسكرية تنفى كثيراً مما جاء على لسانه، وقد تنشر بعض اجتماعات المجلس العسكرى فى تلك الفترة حتى تكشف عدم صدق ما قاله الفريق، والذى يبدو أنه تعرض لتعنيف شديد جعله يتراجع ويتوقف عن تسريب باقى حلقات ما سماه بمذكراته! عندما يتحدث رئيس أركان القوات المسلحة عن مرحلة كان يتولى فيها المسئولية، فهذا يعنى أننا أمام وثائق رسمية قبل أن يمر عليها ثلاث سنوات، ونحن فى بلد يخاف نشر وثائقه التى مر عليها عشرات السنين، رغم أننا طالبنا كثيراً بكشف وثائق حربى 67 و73 ولم يحدث ذلك حتى الآن، فلماذا اندفع الفريق وفعل ذلك فى هذا الوقت شديد الحساسية وخاصة لقواتنا المسلحة؟! دعونا نتأمل ما جاء فى أوراق الفريق عنان التى نشرها، لعل ذلك يساعدنا فى فهم سر سعيه لنشرها فى هذا التوقيت الحرج: الفريق يغازل أنصار 30 يونيو بالتشكيك فى أن 25 يناير كانت مؤامرة فيها أطراف خارجية وداخلية، ويشير إلى أن الطرف المستفيد من استمرار الاعتصامات هو من نفذ موقعة الجمل، قاصداً جماعة الإخوان المسلمين، غافلاً أو متغافلاً أن لو هذا كان صحيحاً وكان يعلمه فإنه يجب مساءلته لعدم كشفه هذا، وقد كان فى موقع المسئولية، بل وشارك فى وضع خارطة الطريق التى ذهبت بنا إلى ما نحن فيه الآن! لم يفت الفريق أيضاً محاولة مغازلة أنصار ثورة 25 يناير بالتلميح والتصريح بأنه ومذ كان فى زيارته للولايات المتحدةالأمريكية وهو يؤكد للأمريكان وللمشير بل والرئيس الأسبق -مبارك- أن القوات المسلحة لن تطلق رصاصة واحدة على المواطنين، بل إنه عقد اجتماعاً مع قيادات القوات المسلحة وطلب من المشير طنطاوى عدم الحضور، ليقسم معهم على المصحف بأنهم سينحازون إلى الشعب.. وحتى تكتمل صورة الزعيم القائد يكشف لنا عنان أنه صاحب فكرة الانقلاب الناعم وطرحها على المشير، فطلب منه عدم إخبار أحد بما يقترحه ويفكر فيه!! هل يمكن أن نفهم من ذلك أن الجيش اتخذ قراره وانقلب على مبارك؟.. هل كانت ثورة 25 انقلاباً؟!! إنها صورة رسمها «عنان» لنفسه وأراد الآن تسويقها للشعب الطيب الذى يعانى، صورة الزعيم، حامى الشباب، كاشف الإخوان والشباب الخائن، مخطط وقائد الانقلاب الناعم! «عنان» رأى الالتفاف الشعبى حول الفريق السيسى وقواتنا المسلحة، وأراد أن ينتهز فرصة إعلان السيسى أنه لن يرشح نفسه، مع عدم وجود أسماء لامعة للترشح، فقرر أن يقفز فوق الجميع، وفوق الانضباط العسكرى، وفوق مصالح مصر، منحازاً فقط إلى شخص الفريق عنان، ولم يلتفت أنه بما فعل قفز إلى أسفل!!