بعد أن وافقت الحكومة على تطبيق التسعيرة الجبرية على الخضراوات والفاكهة، بسبب حالة الغلاء التى اجتاحت الأسواق خلال الأسابيع الماضية، خرج علينا المسئولون يتحدثون عن تطبيق ما أطلقوا عليه «الأسعار الاسترشادية»!.. إذا تساءلت متعجباً: هى «جبرية» ولّا «استرشادية»؟ فإليك الإجابة من وزير التموين محمد أبوشادى، الذى قال فى تصريح له: «الحكومة وضعت أسعارا استرشادية وملزمة للخضر والفاكهة للتجار لمدة أسبوع». وأضاف: «فى حالة شكوى المواطنين من عدم التزام التجار بهذه الأسعار سيتم تطبيق التسعيرة الجبرية فوراً»! لست أدرى هل حديث الوزير عن الأسعار «الاسترشادية الملزمة» خطأ فى التعبير من جانبه أم «غلطة» وقعت فيها وسائل الإعلام التى تداولت تصريحه! فلست أدرى كيف تكون الأسعار التى تحددها الحكومة ملزمة للتاجر، فى الوقت الذى تصفها فيه ب«الاسترشادية»! واقع الحال يؤكد أن الحكومة تستوعب أن آليات السوق فى مصر انفلتت تماماً، وقد صدر قرار التسعيرة الجبرية منذ البداية مشروطاً بالتطبيق لفترة محددة، وهذا الشرط وضعه الدكتور حازم الببلاوى نفسه عندما عرض عليه وزير التموين الأمر فى الاجتماع الوزارى. ماذا يعنى ذلك؟ إنه يعنى ببساطة أن الحكومة ليست جادة فى الأمر، ولا تريد أن تقوم بدور ملموس فى تخفيف عبء غلاء الأسعار على المواطن الذى أصبح يصرخ متضجراً مما يحدث، ولعل أكبر دليل على ذلك أنه بعد ساعات من موافقة مجلس الوزراء على الحديث عن تطبيق التسعيرة الجبرية، خرج علينا المسئولون بوزارة التموين باسم «دلع» لها هو «التسعيرة الاسترشادية»، لا لشىء إلا لكى «ترشق» الزبون مع البائع و«تنفد» هى.. وأقول لك كيف.. لقد اشترت الحكومة خاطر التجار والغرف التجارية التى بدأت تتحفظ على موضوع التسعيرة الجبرية، فتراجعت عن حكاية «جبرية» وتفتق ذهن المسئولين عن موضوع «استرشادية». فهى أسعار معلنة من جانب وزارة التموين لكى يسترشد بها «الزبون» فى مواجهة التاجر أو البائع، فيقول له إن سعر «الطماطم» اليوم «كذا».. أنا استمعت إليه فى نشرة الأخبار أو قرأته فى الصحيفة، فإذا لم يلتزم التاجر، فعلى الأقل يكون المواطن قد فتح باباً ل«الفصال» وتقليل السعر، وأهو كله ب«فايدة» والكل يتراضى، التاجر والزبون والحكومة أيضاً التى لن ينسى لها أحد أنها تدخلت من أجل «فرملة» عجلة الأسعار بطريقة «ملعوبة» جداً! ولن يحتاج الأمر أكثر من أيام حتى ينسى الموضوع «برمته»، ويرجع «أبوك عند أخوك». إنها نظرية ألمعية لمواجهة المشكلات بمنطق «اعمل عبيط»، بمعنى لو طلب منك أحد شيئاً أعطه أى شىء آخر لا لزوم له عندك، و«استعبط» عليه، وتصرف وكأنك أعطيته ما يريد، إنها وصفة عبقرية لا تخطئ تعتمد عليها الحكومة فى التعامل مع مطالب المصريين المتصلة بتحسين أحوالهم المعيشية، كذلك فعلت حكومة «الببلاوى» يوم خرجت علينا بقرار زيادة مرتبات الموظفين الذين يحصلون على أقل من 1200 جنيه إلى هذا المبلغ وقالت لنا إن ذلك هو «قانون الحد الأدنى للأجور»، وهى الآن تخرج علينا بحكاية «الدلوعة استرشادية»!