سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» ترصد رحلة الأسعار من سوق العبور إلى يد المواطن غياب رقابة الدولة عن الأسواق يمكن تاجر التجزئة من أن يكون المتحكم الرئيسى فى أسعار السلع المختلفة
يطلقون عليه «بورصة الخضار والفاكهة والأسماك»، وتارة أخرى يقولون عنه إنه بوابة مرور الخضر والفاكهة الرئيسية إلى الأسواق الشعبية الصغيرة، وفى النهاية كلها أسماء وأوصاف يحملها «سوق العبور» الذى تقترب مساحته من 300 فدان، وفق بيانات بوابته الإلكترونية. «الوطن» رصدت رحلة الأسعار بداية من سوق العبور ووصولاً إلى يد المستهلك، فى محاولة لمعرفة أسباب ارتفاع الأسعار بشكل جنونى فى الفترة الأخيرة التى أثقلت كاهل ملايين الأسر المصرية. داخل سوق العبور فى الجزء المخصص للخضر تصطف سيارات النصف نقل، بعضها محمل عن آخره بكل الأصناف، بينما يحمّل مئات العمال أقفاص الخضر على السيارات الفارغة، وعلى الرغم من أن العمل هناك يسير على قدم وساق فى بيع بعض الأصناف، فإن التجار يشتكون من ضعف الإقبال على أصناف أخرى. أمام عربة مملوءة عن آخرها بأقفاص الطماطم، وقف إيهاب عبدالرحيم، أحد تجار العبور، يروى معاناة كل من الفلاحين والتجار مع محصول الطماطم هذا العام، وكيف كانت تباع العام الماضى فى مزادات السوق، وكيف أن انقطاع عدد كبير من تجار جنوب وشمال سيناء عن المجىء إلى السوق لشراء المحصول، جعل بيع الكميات الموجود أمراً شديد الصعوبة. يقول «عبدالرحيم»: «سعر قفص الطماطم يتراوح بين 5 و11 جنيهاً، ووزنه 20 كيلو تقريباً، وهذا يعنى أن سعر الكيلو يتراوح بين 30 و60 قرشاً هنا فى العبور، ولكن التاجر حين يشترى منا يضيف تكلفة النقل، فضلاً عن أنه يضع مصاريف الكهرباء والضرائب والعمالة فى حسبانه عند تسعيره لأى صنف من الخضر أو الفاكهة لبيعه للمواطن، (عشان كده تاجر التجزئة لازم يُشنُق وهو بيبيع) حتى يتمكن من تحقيق مكسب». أزمة من نوع آخر يواجهها التجار مع محصول البطاطس هذا العام، وكما يقول «عبدالرحيم» فإنه لا توجد محاصيل بطاطس فى هذا التوقيت من العام إلا التى جرى تخزينها، وبسبب نقص ثلاجات التخزين فإن المعروض الآن قليل جداً، ما رفع سعر البطاطس بشكل جنونى، فسعر الكيلو يتراوح هنا بين 3.75 و4.75 جنيه، ويصل فى بعض الأسواق فى القاهرة إلى 8 جنيهات. «الثوم» كان من الممكن أن يلاقى نفس مصير «البطاطس».. بتلك الكلمات بدأ حنفى محمد، أحد التجار، حديثه، قائلاً: «السياحة أثرت بشكل كبير على بيع بعض المزروعات ومنها الثوم، فكان الطلب عليه كبيراً، وكان من المتوقع أن يزيد سعره بشكل جنونى هذا العام، ولكن قلة الطلب أدت إلى انخفاض سعره، حتى إن بعض التجار كانوا قد استوردوا ثوماً من الصين ثمن الكرتونة 80 جنيهاً، واضطروا بسبب الأزمة إلى بيعها ب40 جنيهاً»، يضيف «حنفى»: «منذ بضعة أسابيع كان سعره 140 قرشاً، أما الآن فسعر الكيلو لا يتجاوز 60 قرشاً هنا». يونس على، أحد سائقى سيارات النصف نقل، يقول: «المواطن وهو بياكل الخضار والفاكهة مابيبقاش عارف هى مكلفة الفلاح كام ومكلفة التاجر كام، فعلى سبيل المثال يتكلف الفلاح ثمن الأسمدة والتقاوى والرى ويوميات العمال لجنى المحصول وغيره، وبعد أن يجنى المحصول من أرضه يتحمل تكلفة تعبئته فى الأقفاص وثمن نقله إلى العبور، وتكلفة النقلة الواحدة من 200 إلى 300 جنيه، حسب بعد المكان عن السوق». أمام سيارات معبأة بأقفاص «الكوسة» وقف المعلم هانى على يراقب العمال أثناء إنزال الحمولة إلى مكانه المخصص له فى السوق، يقول «على»: «يأتى الفلاح إلى السوق ويعطينا المحصول لنبيعه له، ونأخذ على كل 100 جنيه يحصل عليها فى البيعة 5 جنيهات، وهذا أمر متعارف عليه هنا»، أما عن سعر الكوسة فيقول: «الأسعار هنا تتراوح بين 4.5 و5 جنيهات، وفق جودتها، ولكن سعرها عند تاجر التجزئة يزيد على ذلك بالطبع، لأنه يحسب ثمن التكاليف التى سيتحملها بعد حصوله على البضاعة من هنا، لذا فإن سعرها عند بعض تجار التجزئة يتراوح بين 8 و10 جنيهات». على دكة صغيرة كان يجلس المعلم «أبوعصام»، ذو الخمسين عاماً، وأمامه عشرات من أجولة البصل، يقول: «البصل اليومين دول شاحح شوية وده اللى رفع سعره، وده لأنه موجود بكثافة من شهر أبريل ليونيو، وبعد ذلك يجمع التجار المحصول من الفلاحين ويخزنونه لعرضه حين تنتهى الكميات الموجودة». يضيف «أبوعصام»: «ممكن يكون التاجر واخده من الفلاح بجنيه الكيلو، لكن لأنه بيتحمل تكلفة تخزينه طول الفترة دى بقى سعره دلوقتى من 2.50 إلى 2.75». عيد على، أحد التجار، يقول: «صحيح أن اختلاف مواسم الزراعة يؤدى إلى عدم ثبات الأسعار، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن عدم وجود رقابة على تجار التجزئة يؤدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل أو بآخر، فعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى الباذنجان الأسود فسعره هنا جنيه للكيلو، ويباع فى الأسواق بأسعار تتراوح من جنيه ونصف الجنيه إلى جنيهين، وفى بعض الأحيان يقل سعر الصنف ويظل البائع يبيعه بنفس السعر حتى يحقق لنفسه أكبر قدر ممكن من المكاسب، لذا نستطيع أن نقولها صراحة إن عدم وجود رقابة على تجار التجزئة فى الأسواق الشعبية المختلفة يؤدى إلى أن يكون هذا التاجر هو المتحكم الرئيسى فى الأسعار، لكن الأمر هنا فى سوق العبور لا يتعدى كونه بورصة عرض وطلب، فإذا زاد العرض قل سعر السلعة والعكس صحيح». الحال فى سوق العبور يختلف كثيراً عنه فى سوق الناصرية بمنطقة عابدين.. بائعون يفترشون الأرض، وآخرون يضعون بضاعتهم أمامهم على طاولات خشبية متهالكة. أيادى المواطنين تتسابق على الخضر، البعض يتجه نحو الطازجة، وآخرون يذهبون إلى تلك «المشنات» التى تحوى الخضار «البايت» لأنه أقل سعراً. التجار هنا يرفضون أى اتهامات لهم بأنهم وراء ارتفاع الأسعار، ويرجعون الأمر إلى قلة المزروع هذا العام، وارتفاع أسعار الأسمدة التى جعلت الفلاحين يزرعون كميات أقل. يقول سيد لمعى، أحد البائعين: «أى سلعة فى الدنيا عرض وطلب. والمشكلة إن فيه مواسم للمزروعات، يعنى الصنف اللى موجود فى الشتاء بيبقى قليل فى الصيف. ده غير إن الفلاح بيشوف هو كسب فى المحصول ولّا لأ، وعلى أساس كده يزرع نفس النوع تانى ولّا يغيره بمحصول تانى يكسب منه أكتر». يضيف: «على سبيل المثال، البصل لأنه قليل فى الوقت ده بنبيعه هنا بأسعار بين 3 و4 جنيه للكيلو، والبطاطس هى كمان قليلة، فسعرها يتراوح بين 4.25 و5 جنيه حسب جودة الحبة. أما الطماطم فهى على عكس العام السابق موجودة بوفرة شديدة، وهذا جعل سعرها يتراوح بين 75 و125 قرشاً، أما (البتنجان الأسود) فوصل سعره إلى جنيهين ونصف». محمد سمكة، أحد البائعين، يقول: «المشكلة إن مفيش رقابة على الأسعار من أول ما المزروعات بتطلع من الأرض لحد ما بتوصل الأسواق ونبيعها للمواطنين. يعنى أكيد فيه أصحاب زرع بيرفعوا الأسعار، وفيه تجار جملة وتجزئة بيعملوا نفس الشىء، يبقى الحل فى الرقابة، عشان ماحدش يقدر يتحكم فى الأسعار وييجى على الناس الغلابة».