سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» ترصد أجواء أول عظة ل«تواضروس الثانى» بعد سقوط الإخوان وحرق الكنائس البابا: لا نحمل أى مشاعر سلبية لأحد ونواجه الكره بالحب.. العالم كله محفوظ فى يد الله لكن مصر محفوظة فى قلبه
دقات الساعة تشير إلى السادسة مساء، حان الآن موعد صلاة العشية من يوم الأربعاء، يعقبها عظة البابا الأسبوعية، التى انقطع عنها 10 أسابيع كاملة، 3 سيارات من قوات الأمن المركزى متوقفة خارج أسوار الكاتدرائية الكبيرة بالعباسية بجوار مدرعتين للجيش، الأجواء بالخارج هادئة وتشهد حضوراً ضعيفاً من قبل المصلين، على بوابة الدخول يقف فرد أمن من الكاتدرائية يطلب من الوافدين الأقباط إشهار الصليب المطبوع على أياديهم، ومن غير المسيحين إظهار بطاقة تحقيق الشخصية، بعد المرور من البوابة الإلكترونية للكشف عن المفرقعات يصبح الزائر واحداً من المكان، لا يسأله أحد عن اسمه أو ديانته، الصعود إلى الكنيسة يتم عبر عدة سلالم من أكثر من اتجاه. وقت الصلاة يتم تخصيص باب لدخول السيدات وباب آخر لدخول الرجال، قبل الولوج إلى داخل الكنيسة المرتفعة صاحبة القباب الشهيرة يستوقف فرد أمن المصلين ويفتشهم من جديد، داخل الكنيسة وقف المصلون فى خشوع وأعينهم شاخصة نحو «الشمامسة» أصحاب الأردية البيضاء، كانوا يرددون الترانيم القبطية فى تناغم وانسجام كبير، فى مواجهتهم كان يقف القساوسة والأساقفة وبينهم كان يقف البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية، ممسكاً بصليب وانجيل تارة، وبثلاث شمعات تارة أخرى، ويردد الترانيم مع الشمامسة. ثمة أطفال حضر مع والديهم للصلاة، وإلى جوارهما جلسوا ولعبوا، أعمار المصلين كانت مختلفة، وثيابهم وألوان بشرتهم كانت متباينة، وقفوا متراصين وأعينهم شاخصة إلى الأمام. بعد حوالى ساعة تنتهى الصلاة بدعاء البابا تواضروس: «الرب يحفظ حياتكم»، و«اللهم علينا بغفران خطايانا»، ويؤمن المصلون على دعائه بصوت خفيض «آمين»، حينذاك تذرف عيون بعضهم بالدموع ثم يرسمون شارة الصليب بأياديهم على صدورهم، ويجلسون من جديد، انتظاراً لعظة البابا الأسبوعية التى توقفت لمدة 10 أسابيع، منذ 26 يونيو الماضى، بسبب الظروف الأمنية التى مرت بها البلاد عقب أحداث 30 يونيو، وهى أول عظة للبابا بعد سقوط نظام الإخوان وحرق عدد كبير من الكنائس فى صعيد مصر. بعد دقيقة واحدة من انتهاء الصلاة تم إغلاق الستارة المزينة بصور المسيح والعذراء، ثم وضع بعض الشباب منضدة خشبية، ليحاضر من خلالها البابا تواضروس، وضع أمامه جهاز كمبيوتر صغيرا ونسخة من الإنجيل وتحدث عن عيد «النيروز»، رأس السنة القبطية، قائلاً: هو تقويم تنفرد به كنيستنا المصرية وبدأ عام 284، ويعتبر تقويم آبائنا الشهداء الذين سلموا لنا إيماناً حياً يعيش معنا، تحدث البابا فى عظته الأولى بعد ثورة 30 يونيو كذلك عن «التوبة من الخطية»، قائلاً إن الكل يرتكب الخطية وأول من ارتكبها أبوالبشرية. عن مصر قال البابا تواضروس إن لها خصوصية عند السيد المسيح، فرغم ولادته فى فلسطين فإنه احتمى بمصر هو وأمه السيدة مريم، فهى دار أمان وأرض الكنانة أى «المحروسة». وأضاف «تواضروس» أن العالم كله محفوظ فى يد الله لكن مصر محفوظة فى قلب الله، وعلى كل مواطن أن يفتخر بمصر، فالسيد المسيح عاش فيها وشرب من نيلها وسار فى شوارعها، وقال أيضاً إن تاريخ الكنيسة الإيمانى ضارب فى جذور التاريخ. بعد فترة قصيرة تشخص أبصار الموجودين داخل الكنيسة نحو البابا، الذى يجلس أمامهم من بعيد تارة، وإلى شاشات التليفزيون المعلقة على جدران الكنيسة الضخمة تارة أخرى، هم فى حالة صمت رهيبة فقد سكنت الطمأنينة والارتياح قلوبهم بعد فترة توقف أتعبت الجميع وحرقت فيها كنائس عديدة بصعيد مصر، جاءوا إلى المكان محملين بهموم وشكوى وخوف لكنهم الآن بين يدى البابا يخفف عنهم ويدعو لهم ويعظهم ويصبرهم بكلمات رقيقة نصح بها المسيح الأقباط، قائلاً: «المسيحى يُضطهد فيبارك، يُشتم فيصلى، ويرد على من يكرهه بالحب، كما نصلى من أجل المسيئين إلينا». وتابع البابا: «لا نحمل أى مشاعر سلبية لأى إنسان ولا نسمح للعداوة أن تطرق قلوبنا، توجد محبة قوية، نحب الكل ونشتاق لكل إنسان، فقد كان الشهداء يحبون أشخاص مضطهديهم وليس أعمالهم». ونصح «تواضروس» المصلين بأن يكون قلبهم سماوياً وليس أرضياً وأن يتوبوا من الخطايا. تقدم البابا بالشكر خلال عظته قائلاً: «نشكر كل إخوتنا فى الوطن على المشاعر الطيبة التى يساندوننا بها فى الظروف الحالية»، وتوجه بالشكر أيضاً إلى الدول التى تقف بجوار مصر حالياً، وشبه الأوضاع بمصر الآن بالمرأة التى تلد، فهى تتعرض لألم وبكاء وتوتر شديد، اختتم البابا عظته بقوله: «نثق فى كل شركاء الوطن، وحولوا كل وقت لديكم إلى أوقات صلاة». ينتهى البابا من عظته ويقف الجميع رافعين أيديهم ومتوجهين بالدعاء. يعلق أنور صابر، أحد المصلين، 59 سنة، على العظة الأولى للبابا بعد أحداث 30 يونيو قائلاً: «أحرص على الوجود فى صلاة العشية وحضور عظة البابا منذ أيام البابا شنودة، المرة دى لها طعم مختلف عشان بقالنا كتير ما حضرناش، عشان الظروف الأمنية، كنا مشتاقين للصلاة فى الكاتدرائية وحضور عظة البابا». وأرجع «صابر» ضعف عدد المصلين إلى عدم معرفتهم بعودة العظة الأسبوعية للبابا، وقال: «الأسبوع الجاى هيكون فيه ناس أكتر لأن الوضع الأمنى بدأ يتحسن». يضيف صابر: «فى الصلوات السابقة قبل ثورة 30 يونيو كانت تمتلئ الكنيسة عن آخرها مع الطابق الثانى»، مشيراً إلى أن الإجراءات الأمنية غير استثنائية وجيدة.