مع بدء أعمال «لجنة الخمسين» يوم الأحد الماضى والتى حُدد موعد انتهائها من وضع مسودة الدستور «المعدل» بعد ستين يوماً، بما يعنى اقتراب الفترة الانتقالية الحالية من نهايتها، تتضح بجلاء مجموعة تحديات تواجه الحكومة إذا لم يتم التعامل معها بكل الحزم سوف تهدد قدرة الحكومة على التطبيق الكامل لخارطة المستقبل وتشكيل المؤسسات الدستورية واستكمال مراحل التحول الديمقراطى المنشود. وأبرز تلك التحديات وأكثرها خطراً أهمية نجاح الحكومة فى إدارة المواجهة السياسية والقانونية فضلاً عن المواجهة والردع الأمنى مع الجماعات الإرهابية وفى مقدمتها جماعة الإخوان، التى ما تزال تروّع المواطنين بعمليات إرهابية كان أشدها محاولة اغتيال وزير الداخلية يوم 5 سبتمبر، وتكرار محاولات اقتحام أقسام الشرطة وزرع قنابل ومتفجرات فى أماكن متفرقة مثل خطوط السكك الحديدية، ومحاولات العدوان على السفن العابرة فى المجرى الملاحى لقناة السويس! وثمة عوامل تزيد من حدة ذلك التحدى؛ أولها عدم التطبيق الكامل لمقتضيات حالة الطوارئ بعدم منع التظاهرات والمسيرات والسماح لجماعة الإخوان ومؤيديها بخرق حظر التجوال وتحدى القوات المسلحة والشرطة. وثمة عامل ثان يزيد من قدرة جماعة الإرهاب على التحدى والتمادى فى ممارسة العنف وممارسة الإرهاب هو التباطؤ غير المبرر من جانب الحكومة فى إصدار «قانون الإرهاب» مع العلم بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية راعية جماعة الإخوان والمدافعة عن الرئيس المعزول كانت سبّاقة فى إصدار قانون «باتريوت» لمواجهة الإرهاب فى داخل أمريكا وفى العالم كله بعد أيام من اقتحام برجى التجارة العالمية فى نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001 والذى أجاز للحكومة الأمريكية الحد إلى درجة بعيدة من القيود المفروضة قانوناً على أجهزة الاستخبارات فى كل الولاياتالمتحدة، وأتاح لوزير المالية قدرة أشمل فى رقابة وتنظيم المعاملات المالية لاكتشاف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية بمن فيها الأفراد والمنظمات من الأجانب، ومنح الأجهزة القانونية وأجهزة الهجرة سلطات واسعة فى احتجاز وطرد الأشخاص المشكوك فى علاقاتهم بأنشطة إرهابية. ومما يزيد فى خطورة تحدى إدارة الحكومة لملف التعامل مع جماعات الإرهاب تباطؤها غير المفهوم فى إصدار «قانون العدالة الانتقالية»، فى نفس الوقت الذى نشهد فيه قدراً واضحاً من التضارب فى مواقفها بشأن الحديث عن «المصالحة الوطنية»، فمن ناحية تلجأ الحكومة إلى استحداث وزارة جديدة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ثم تعمد إلى تعطيل تلك الوزارة، وتقوم الحكومة بطرح مبادرة خارج سياق الحكومة مع الاستمرار فى تجاهل الوزارة وعدم استكمال الدور المحدد «للجنة العليا للمصالحة الوطنية» التى لم تعقد سوى اجتماع واحد منذ تشكيلها، ومنذ أيام قليلة صدر قرار من رئيس الوزراء بتشكيل لجنة لتسيير برنامج حماية المسار الديمقراطى الذى يتضمن «المبادرة الحكومية للمصالحة وعدم الإقصاء» من دون أن يكون وزير «العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية» عضواً فى تلك اللجنة! ويزيد من خطورة ذلك التحدى اقتراب موعد بداية العام الدراسى الجديد فى الجامعات والمعاهد العليا والمدارس، وتلك هى اللحظة التى تنتظرها جماعات الإرهاب لإثارة الفوضى وتنفيذ مخططها المعلن لإفشال الدراسة فى الجامعات باستخدام أعضائها وخلاياها النائمة بين أعضاء هيئات التدريس ونواديهم وبين الطلاب. إن الأمر جد خطير، وإن لم يتم التعامل مع هذا التحدى بكل الجدية والحسم وباستخدام منطق «الهجوم خير وسائل الدفاع» فلا يعلم إلا الله النتائج التى سوف تنجم عن ضعف تعامل الحكومة مع ذلك الملف. والمطلوب من الحكومة أن تنطلق فى تنفيذ برنامج سياسى ثقافى توعوى شامل يشمل جميع الوزارات والأجهزة المحلية لمواجهة دعاوى تزييف الحقائق عن ثورة 30 يونيو ومحاولة استخدام أساليب الإنكار لما يقوم به الإرهابيون من اعتداءات ليل نهار على المواطنين السلميين وعلى مرافق الدولة، ودحض أساليب إثارة المشاعر الدينية لدى العامة والبسطاء لترويج الأكاذيب عن انقضاض الثورة على الشرعية. مطلوب تعاون وزارات الشباب والرياضة والأوقاف والتعليم العالى والتربية والتعليم والثقافة فى جهد وطنى متناغم يخاطب الشباب والمواطنين بحقائق الأمور ويكشف عن الرزايا والكوارث التى سببها حكم الإخوان المتستر برداء الدين! إن طلبة الجامعات والمعاهد العليا والمترددين على مراكز الشباب والمساجد ودور العبادة فى حاجة إلى توعية وطنية مخلصة من المثقفين والنخب السياسية والأحزاب الوطنية والإعلاميين والنشطاء فى حقول العمل المجتمعى وكل المؤمنين بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وهذا هو وقت العمل من أجل مصر وحمايتها من الإرهاب وثقافته المدمرة. وعلى سبيل التحديد، فإن الحكومة مطالبة بالتطبيق الفورى لما ينص عليه قانون الطوارئ من منع المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والاجتماعات غير المرخص بها منعاً باتاً حتى المؤيدة منها لثورة الشعب. كما يجب على الحكومة منع الخطباء غير المجازين من الأزهر الشريف من اعتلاء منابر المساجد والزوايا وغيرها من أماكن إقامة صلاة الجمعة وإخضاعها كلها لإشراف وزارة الأوقاف وأخذ المخالفين بالشدة والمساءلة القانونية. وأخيراً، فإن الشعب كله مسئول عن حماية ثورته والوقوف صفاً واحداً خلف القوات المسلحة والشرطة، وعلى المصريين جميعاً تنفيذ قواعد «الحماية المدنية» التى يجب على الحكومة تنظيم توعية عاجلة بأساسياتها من خلال وسائل الإعلام وفى الجامعات والمدارس وكل التجمعات البشرية التى ستكون أهدافاً لقوى الشر والإرهاب. حمى الله مصر.