ورد لفظ الحدود فى القرآن الكريم أربع عشرة مرة فى أربعة مواطن. الموطن الأول: بيان ما يحل للمسلم فى ليلة الصيام من الرفث والطعام والشراب وعدم المباشرة حال الاعتكاف فى المساجد فقال تعالى: «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا» (البقرة 187). الموطن الثانى: بيان أحكام العلاقة الزوجية من طلاق ورجعة وخُلع وظِهار تسع مرات؛ ست منها فى الخلع والمراجعةْ (البقرة 230:229). ومرة فى بيان كفارة الظهار فقال تعالى: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ » (المجادلة:4). ومرتان فى حق المطلقة فقال تعالى: «لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» (الطلاق:1). الموطن الثالث: بيان حكم المواريث (النساء:13). الموطن الرابع: بيان قدر أوامر الله ونواهيه، ثلاث مرات فى قوله تعالى: «ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين» (النساء:14)، وقوله تعالى: «الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم» (التوبة:97)، وقوله تعالى: «الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين» (التوبة:112). ومع أن لفظ الحدود لم يرد فى القرآن الكريم نهائياً فى مناسبة عقوبة محددة لجريمة معينة إلا أن الشائع عند الناس عند إطلاق لفظ الحدود أن ينصرف الذهن إلى تلك العقوبات المقدرة فى الشريعة الإسلامية مثل قطع يد السارق وجلد القاذف والزانى أو رجمه وقتل قاطع الطريق أو صلبه أو قطع يده ورجله من خلاف أو نفيه من الأرض. والعجيب أن هذه العقوبات وردت فى كتاب الله دون أن تُسمَّى حدوداً، وإنما وردت كتكاليف شرعية مثل التكاليف بالصلاة والصيام والحج وغيرها من العبادات حتى يفهم الناس مقصد الشرع من تلك العقوبات فى كونها تطهيرات نفسية وليست جزاءات وضعية تعزيرية.ولعل شيوع استعمال لفظ الحدود فى تلك العقوبات المقدرة يرجع إلى وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه الشيخان عن عائشة فى قصة المرأة المخزومية التى سرقت واعترفت بفعلها لتطهر نفسها، فجاء أهلها يستشفعون بأسامة بن زيد، الذى قال له النبى -صلى الله عليه وسلم-: «أتشفع فى حد من حدود الله؟». ثم قام فقال: «أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». من هنا كانت تسمية تلك العقوبات المقررة فى الكتاب والسنة بالحدود الشرعية ولا بأس من هذا الاصطلاح الذى يقتصر عليها، وإنما البأس من التعدى على حدود الله باسم حدود الله. أو بتعبير آخر تشويه حدود الله وتحويلها إلى عقوبات تعزيرية بدلاً من كونها عبادات دينية تطهيرية مزايدة فى تطبيق الحدود على غير مراد الله إما جهلاً بالفقه وإما جهالة على الفقه لغرض رخيص وهو كسب أصوات المسلمين الأبرياء والعبث بعواطفهم الإيمانية على ما سنكشفه فى اللقاء التالى بإذن الله تعالى