هنا كان يقف قطار «الغلابة» ليقل الطلاب والموظفين والفلاحين إلى مراكز مختلفة بمحافظة البحيرة، هنا إحدى محطات القطار الفرعية التى تمتد من مدينة إيتاى البارود على شريط السكة الحديد مروراً بمدن دمنهور وكوم حمادة وكفر الدوار حتى حدود محافظة الإسكندرية، اثنتا عشرة محطة لم يعد القطار يتوقف عندها، تلاشت معالمها وأهدرت مرافقها، وأصبحت موطناً لنمو النباتات، ولم يتبق منها سوى آثار وعلامات تدل على وجودها، وتخبر عن قطارات ذهبت ولم تعد. فى غرفته الصغيرة المتواضعة أكد سيد عبدالستار، محولجى ببرج المراقبة، أن المحطات التى توقفت عن استقبال القطارات هى «دنشال»، «أم دينار»، «دمنهور»، «الخيرى»، «صلاح سالم»، «بولاد»، «أبو حمص»، «دسونس»، «معمل الزجاج»، «كفر الدوار»، «البيضاء»، «خورشيد»، يحدها محطة أبيس بالإسكندرية، مؤكداً أنها «كانت على قد جيب الناس»، على حد قوله، «التذكرة كانت بخمسين قرشاً فقط من دمنهور إلى كفر الدوار». يضيف أن المحطات الفرعية تم إلغاء العمل بها منذ 6 سنوات، قائلاً: «كان يقف كل يوم ثلاثة قطارات برحلة الذهاب إسكندرية - دمنهور، وثلاثة قطارات برحلة العودة دمنهور - إسكندرية. الرحلات من الإسكندرية إلى دمنهور كان ميعاد أول رحلة فى الساعة الثامنة صباحاً ورقم القطار 368، والثانى كان ميعاده فى الثانية والنصف مساءً ورقمه 370، أما فى الرحلة إلى الإسكندرية من محطة دمنهور كان القطار الأول فى الساعة الخامسة والنصف من محطة دمنهور ورقمه 369، والثانى 4 عصراً ورقمه 371، والثالث فى السادسة مساء ورقمه 373. ويشير «عبدالستار» إلى أن هناك فروق أوقات عديدة بين القطارات، يمكن من خلالها إعادة هذه الرحلات لتخدم آلاف المواطنين محدودى الدخل، وتساءل قائلاً: «لماذا ألغيت رحلات المحطات الفرعية فى محافظة البحيرة، ولم يتم إلغاؤها على باقى الخط بالمحافظات الأخرى؟!». يتوقف «عبدالستار» لدقائق ليعطى إشارة للقطار القادم المكيف المتجه إلى الإسكندرية بألا يتوقف، ويعطيه ورقة مكتوباً بها: «نظراً لوجود بعض الإشارات المتعطلة وثابت على لونها الأحمر وهى رقما 215 و217، أكمل رحلتك بلا توقف». ينزل على سلالم غرفة المراقبة ويتوقف القطار ليعطيه الورقة المختومة موقعاً عليها من المراقب والمحولجى تؤكد له أن الإشارة مفتوحة وأنه يجب أن يواصل رحلته. يكمل حديثه ل«الوطن» قائلا: «الحرامية تسرق كابلات الإشارات ويتم تعطيلها وتصبح الشبكة ولوحة التحكم عاجزتين عن تحديد حالة القضبان، ولو قام أحد بسرقتها لن يظهر عندى أن هناك مشكلة، وممكن تحدث كارثة، وممكن أن استمرار عطل الإشارات يتسبب فى إرسال قطارين وراء بعضهما وتحدث كارثة». يتذكر «عبدالستار» حادث كفر الدوار الشهير الذى خرج القطار فيها عن مساره، مصطدماً بإحدى الأسواق الكبرى، قائلاً: «أول ما تحصل كارثة زى اللى حصلت فى كفر الدوار، أول واحد بيُتّهم هو العامل البسيط اللى بيشتغل بأضعف الإمكانيات». يقطع حديثه اتصال هاتفى من محطة كفر الدوار يبلغه بإشارة، يستكمل حديثه وهو ينظر إلى التليفون القديم ويقول: «دى تليفونات شغالة من سنة 70، إزاى نفضل شغالين بيها حتى الآن فى الخدمة؟! عندنا حاجات كتيرة عايزة تجديد عشان نشتغل واحنا مطمّنين إن الشغل صح ومايحصلش كوارث». بمحاذاة شريط السكة الحديد يمتد طريق القاهرةالإسكندرية الزراعى بحالته الرديئة، الأهالى لم تتوقف شكواهم للمسئولين، فيقول محمد بدر، طالب بكلية الهندسة: «إن محطة معمل الزجاج كانت تسهل على أهالى المنطقة المجاورة والقرى والعزب التنقل والذهاب إلى أعمالهم، حيث يمتد ذلك الخط للقطار من دمنهور حتى الإسكندرية، وكان يخدم ما يقرب من 60% من أهالى القرية و6 قرى أخرى محيطة بها». يكمل الشاب العشرينى: «إنه منذ توقف المحطة أصبح الأهالى يواجهون مشكلة فى المواصلات، فبعدما كان القطار ينقلهم إلى عملهم والطلبة إلى الجامعة والمدارس بتذكرة مخفضة يبلغ سعرها جنيهاً واحداً، أصبحوا يواجهون مشكلة كبيرة فى وجود وسيلة مواصلات كل صباح، سواء إلى مدينة دمنهور أم إلى الإسكندرية، مع ارتفاع ثمن المواصلات عليهم بصورة يومية». فيما يقول محمود صلاح، الذى يعمل بنادى سموحة بمحافظة الإسكندرية، إنه كان يومياً يستقل القطار القادم من دمنهور الذى يقف بمحطة معمل الزجاج فى طريقه إلى الإسكندرية، فكان يصل إلى عمله سريعاً وبأجرة بسيطة، ولكن تبدل الحال إلى صعوبة فى إيجاد وسيلة مواصلات كل صباح، نتيجة للتكدس الشديد للطلبة والعمال. ويضيف على سليمان، من قرية الحجناية التابعة لمركز دمنهور، أنه يضطر إلى أن يركب إحدى المواصلات لمسافة بعيدة، لكى يصل إلى محطة قطار دمنهور ليلحق بأحد قطارات المحافظات، قائلاً: «الحكومة أهدرت ملايين على المحطات الفرعية وأهملتها وتركتها بدون عمل، وأصبح السكان يعانون يوميا للوصول لأعمالهم، لأن الطريق الزراعى الموازى لخط السكة الحديد بحالة رديئة جداً، لذا يتسبب فى وقوع عشرات الحوادث يومياً». جانب آخر يتجسد به إهمال شديد، هو «المزلقانات» التى تعمل بشكل عشوائى بلا ضابط أو رابط، ينظمها عامل بلا سلطة على السائقين، يشكو العامل ل «الوطن» أن كل مزلقان كان يقف عليه عسكرى مرور يحدث رهبة للسائقين، لكن بعد الثورة من النادر أن يقف أحد على المزلقانات، يقول: «تأتينى إشارة بغلق المزلقان قبل مرور القطار، لا ينتظر بعض سائقى السيارات الأجرة مرور القطار، ويرفعون الجنزير الذى أغلق به المزلقان، ويمرون بالقوة الجبرية».