الحمد لله تعالى، عرفت وأنا خارج مصر أننى فزت بجائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية، حصلت من قبل على جوائز عديدة من خارج مصر سواء فى العلوم الإنسانية أو فى الإبداع الأدبى؛ لكن هذه الجائزة لها عندى تقدير معنوى يسمو على كل سابقاتها أياً كانت قيمتها المادية، وذلك لأنها أول جائزة «كبرى» يمنحها لى بلدى، الذى يرتفع عما سواه فى نفسى وقلبى وعقلى وضميرى، ولأنها جاءت عقب ثورة عظيمة، صنعها الشعب المصرى العريق بعقله الجمعى وسواعد أبنائه الفتية وحناجرهم الهادرة، ولذا فأنا مدين بهذه الجائزة لدماء الشهداء، الذين جعلوا مثلى من معارضى النظام السابق بوسعهم أن يفوزوا بجائزة كان من الصعب عليهم أن ينالوها من قبل لأسباب لا علاقة لها بالعلم والفكر والإبداع. قبل أن يأتينى الخبر على هاتفى من الصديق العزيز الأستاذ أحمد النجار الباحث الاقتصادى القدير، كنت قد طالعت على موقع اليوم السابع خروج الروائى الكبير محمد ناجى من التصويت خالى الوفاض للمرة الثانية على التوالى، ولأنى أعرف قامته وقيمته وعمق وأصالة ما أبدعه فى رواياته السبع وديوانه الأخير الساحر «تسابيح النسيان» فقد حزنت لأن اللجنة لم تمنحه الجائزة، وتملكنى وجوم وأسى، وقلت لنفسى: إلى متى يظل هذا الأديب القدير مهملاً فى بلده؟ أغلقت الكمبيوتر وهاتفى كذلك، وفتحت التليفزيون أتابع الأخبار التى تأتى، ثم أغلقته هو الآخر ورحت أقرأ فى كتاب إدوارد جوليانو الساحر «المرايا: أشبه بتاريخ للعالم» وأخذتنى حكاياته التى تسجل مسيرة الإنسانية فى قالب قصصى بديع، وقبيل توجهى لإلقاء محاضرة عن الحوار السياسى وثقافة الديمقراطية، فتحت الهاتف فجاءتنى رسالة النجار. من رقم آخر غير المسجل عندى، لكن الإمضاء تحت التهنئة كان باسمه، فتحت الكمبيوتر على المواقع الإخبارية فى قسمها الثقافى، فلم أجد شيئا، ثم وجدت تعليقا على عبارة سياسية كتبتها على «الفيس بوك» يهنئنى بالجائزة، وبعدها ظهر الخبر فى اليوم السابع. ذهبت إلى المحاضرة، وهنأنى الحضور الذين كان قد وصل إليهم الخبر وهاتفنى مصريون مقيمون بالبحرين وباركوا لى، وحين عدت فى المساء كان التصويت على جوائز الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية قد اكتمل، بحثت عن اسم أستاذى الكبير والقدير الدكتور أحمد يوسف أحمد فلم أجده، فأصابتنى دهشة ممزوجة بغضب، وكما وقع مع ناجى سألت نفسى مجددا: إلى متى يظل هذا الأستاذ والباحث القدير مهملاً فى بلده؟ واستحضرت فصاحته وإحاطته بالحقل المعرفى الذى يبحث ويدرس فيه وهو «النظم السياسية العربية» وإنسانيته الناصعة وما قدمه لكل من قصده فى صمت وتجرد، وانتابنى حزن جديد. نعم نتائج التصويت فى مجملها أفضل مما كانت عليه قبل الثورة، لكن الهيئة التى تراجع وتحدد وتقرر من يفوز بالجوائز لا تزال بحاجة ماسة إلى إعادة تشكيل بقدر الحاجة إلى النظر فى المعايير التى على أساسها تمنح الجوائز فى بلادنا.