يقف أمام الميكرفون، ومن خلفه لافتة تشير إلى إنجازاته فى 12 عاماً، هى إجمالى سنوات عمره، مسلم سعيد «الداعية الصغير» الذى صعد المنابر فى سن خمس سنوات، واستضافته قنوات عدة كالناس والخليجية والرحمة، فضلاً عن عشرات المساجد والجوامع فى مختلف الأحياء والمحافظات، بل والبلدان العربية. لوحة لوجهه وقد محيت بها العينان، يعلقها خلفه أينما خطب ليعرف الناس من هو، يروى الكثير من القصص لمستمعيه: «إخوتى لقد حدث معى اليوم موقف أدهشنى، كنا فى مرعى غنم، وقفت لإلقاء كلمة، وإذا بأخ معنا يصيح لأبى: انظر يا شيخ، فالتفت أنا ومن معى وإذا بقطيع من الغنم يصطفون خلف الجمع يستمعون كلامى، حاول الراعى إبعادهم وإذا بهم يعودون يصطفون كما كانوا مرة أخرى». الطفل الصغيرة مسلم يدعم معتصمى رابعة العدوية، ويرى أن ما حدث ل«عبدالله بدر» يشبه ما سبق أن حدث للأنبياء، سبق له توجيه رسالة تقول «صبراً يا فضيلة الدكتور عبدالله بدر.. صبراً يا شيخنا فقد قطعت رأس نبى الله يحيى من أجل زانية»، فضلاً عن آراء أخرى مثيرة للجدل. أضحى مصطلح «الداعية الصغير» مشروعاً تجتهد لأجله جهات عدة فى مصر سواء عبر الوسائل الإلكترونية، أو عبر العديد من روضات الأطفال التى رفعت شعار إعداد «دعاة صغار». «الداعية الصغير» برنامج طوره بعض المتطوعون على شبكة الإنترنت يتيحه موقع «تطبيقات إسلامية» لتلقين الأطفال مبادئ الدين وأسسه بطريقة سهلة وذاتية، البعض لا يهتدى بسهولة إلى مثل تلك البرامج. فى المقطم وعبر إعلان يظهر طفلة ترتدى حجاباً أسود، وأطفال ذكور يقرأون القرآن أعلنت إحدى المدارس الخاصة عن تضمين مناهج الروضة الخاصة بها ما أسمته: «تربية إسلامية وأخلاقية سليمة، وتدريب الطلبة على بناء المجتمع ورفعة الدين الإسلامى»، أما فى منطقة أرض اللواء، فقد أعلنت إحدى روضات الأطفال التى تعمل بالمنطقة منذ عامين، عما أسمته «المشروع الضخم.. الداعية الصغير» الذى تستقبل من خلاله الحضانة الأطفال من سن 5 إلى 11 عاماً وتتعهد إلى أولياء أمورهم بتحويل طفلهم إلى: «داعية إسلامى، خطيب مسجد، مؤذن صغير» وذلك عبر منهج من العلوم الشرعية «المبسطة». «هدى»، مالكة الحضانة، وإحدى القائمات على التدريس بها، خريجة كلية العلوم، عملت كأخصائية تحاليل، تستعين فى تدريس مناهج العلوم الشرعية بمجموعة من الفتيات حديثات التخرج من تخصصات عامة: «أنا مدربة أخوات تلقين نور البيان وتجويد، والمهم أنهن خريجات تعليم عالٍ، أى نعم مش تربية بس متقنات لنطق القرآن وأحكام التجويد». تعمل الحضانة منذ عامين، ولها خمسة فروع بشبرا الخيمة ومناطق أخرى، تؤكد مالكتها أنهم يهتمون بما أسموه: «معالجة السلوك، وتتبع أساليب تربوية». يبدأ اليوم بأذكار الصباح، ثم يتلقى الأطفال بعضاً من دروس العقيدة، ثم يصلون الظهر، غير متاح للأطفال المسيحيين بارتياد الحضانة لعدم مناسبة المحتوى لهم، فقط أطفال المسلمون، أما الحفظ فيكون ب«الترديد». 50 جنيهاً فى الشهر، أربعة أيام فى الأسبوع، أمر مغرٍ لكثير من العائلات، مع ذلك تراجع الإقبال فى شهر رمضان، لكن «هدى» تستعد لاستقبال أعداد ضخمة عقب الشهر الكريم، حيث تصف الاستجابة للمشروع ب«الرائعة». لا يبدو أن الصورة مشرقة فى رأى الدكتور أحمد محمود كريمة: «هذا مشروع خطر جداً»، يعلق أستاذ الفقه والشريعة بجامعة الأزهر، مؤكداً أن هذه المناهج يجب أن تخضع للأزهر الشريف، وأن تتم مراجعة المقررات الدراسية وتوجهاتها ومدى ملاءمتها لأعمار المتلقين: «سن الطفولة والصبا ليست سناً ملائمة لتكوين داعية، وهذه الكميات من العلوم الشرعية ليس وقتها هذا العمر الصغير، خمس سنوات، المهم فى هذه المرحلة تحفيظ القرآن الكريم». يحذر «كريمة» من أن تكون تلك المواقع مفارخ لمزيد من أعضاء الجماعات الدينية كالإخوان وغيرها: «الإخوان عملوا من خلال جمعيات معلمى القرآن الكريم طويلاً، فى الظاهر تحفيظ القرآن، والباطن جذب رجال ونساء للانضمام للجماعة، وقد نجحوا فى ذلك، لذا أنادى وزارة التضامن الاجتماعى، وكافة الجهات المسئولة أن تقوم فوراً بمراجعة أعمال الجماعات الثقافية أو الجمعيات ذات الصبغة الدينية الشيعة منها والسنة وغيرها، فكلها قنابل موقوتة ظاهرها الخير وباطنها حيلة ماكرة لاصطياد الأطفال وتلقينهم تعاليم البنا».