تمكنت من نفوس بعض المصريين عقدة يمكن وصفها ب«عقدة 25 يناير». وتظهر هذه العقدة بصورة واضحة لدى فئتين، تشمل أولاهما أبناء «الفصيلة الكنبية» من المصريين الذين لم يشاركوا فى ثورة 25 يناير، ولم يخرجوا إلى الشوارع والميادين هاتفين بمطالبها خلال الأيام الثمانية عشر التى شهدت فعالياتها، وتضم الفئة الثانية أبناء «فصيلة الموتورين» الذين أضيروا من قيام الثورة، إما بسبب صلتهم المباشرة بالنظام الأسبق (نظام مبارك)، وإما بسبب استمرائهم لحالة الفساد التى سادت فيه وانتفاعهم بها، وإما بسبب الغضب من صعود جماعة الإخوان إلى الحكم بعد الثورة. ولو أنك جلست مع أى مصرى ينتمى إلى واحدة من هاتين الفصيلتين فأول جملة سوف تسمعها منه: «ما حدث يوم 25 يناير لم يكن ثورة.. الثورة الحقيقية كانت يوم 30 يونيو»! وتعبر «الفصيلة الكنبية» عن المصريين الذين أحسوا بعد ثورة 25 يناير ب«عار» عدم النزول والمشاركة فيها، الأمر الذى أوجد بداخلهم نوعاً من الحنق على من نزل وشارك، بل وعلى الحدث برمته ونجاحه فى الإطاحة ب«المخلوع». وعندما تمت الدعوة إلى الاحتشاد يوم 30 يونيو كان هؤلاء هم أول من نزل إلى الشوارع وحملوا الأعلام والكروت الحمراء والزمامير، وأخذوا يهللون فى الشوارع هاتفين بسقوط حكم الإخوان، حتى يثبتوا أمام الجميع المشاركة فى الثورة، وبعد انتهاء فعاليات الأيام الثلاثة التى انتهت بتدخل الجيش استجابة لمطالب الملايين التى نزلت، بدأ هؤلاء يقللون من شأن ثورة يناير -التى لم يشاركوا فيها- ويحتفون بيوم 30 يونيو، ويعتبرونه اليوم الذى يعبر عن ثورة المصريين الحقيقية. والمنطق يقول -وكذلك تشهد الأحداث- إن من نزلوا فى «25 يناير» كانوا يحملون أكفانهم فى أيديهم، ويقفون فى مواجهة شرطة «العادلى» القمعية التى كانت مستعدة لفعل أى شىء من أجل حماية نظام «مبارك» وحرمه وأنجاله، وقوى سياسية -مثل جماعة الإخوان- تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، ولا تريد حسم موقفها، وتعمل بمنطق «عين على مبارك وعين على المتظاهرين»، وقيادات عسكرية كانت تدين بالولاء الكامل لقائدها الأعلى، ولا يعلم أحد هل ستنحاز إليه أم إلى الشعب الذى نزل هاتفاً بسقوط نظام حكمه، وجيش من البلطجية يديره الحزب الوطنى الحاكم وينتظر إشارة من زبانيته لكى يبدأ فى العمل. كانت تلك هى معالم المشهد فى 25 يناير 2011، وهى تختلف تماماً عن المشهد فى 30 يونيو؛ فالمظاهرات التى دعت إليها حركة تمرد جاءت فى سياق مختلف تماماً؛ إذ أعطى الجيش أماناً للناس وأكدت قياداته أنها سوف تؤمن المتظاهرين، وأعطت «الداخلية» موثقاً بعدم الاعتداء عليهم، وسبحت طائرات الجيش فى السماء وأخذت تلقى الأعلام على المتظاهرين، ووزع ضباط وجنود الشرطة المياه المعدنية والعصائر عليهم. باختصار كان هناك فارق كبير بين ثورة 25 يناير بكل إرهاقها، ويوم 30 يونيو الذى يمكن وصفه ب«عزومة على ثورة»!