دعت قوى سياسية وحزبية (لم تُحدد) إلى عقد مؤتمر حول سد النهضة الذى بدأت إثيوبيا فى بنائه وتأثيره على حصة النيل، وقامت هذه الأحزاب بتوجيه الدعوة إلى الرئيس محمد مرسى لحضور هذا المؤتمر، ونظراً لخطورة موضوع المؤتمر فقد قرر الرئيس تلبية الدعوة وحضور المؤتمر. ومن البديهيات أن يكون لأى مؤتمر جدول أعمال ومناقشات من الخبراء تنتهى بتوصيات أو قرارات حول موضوع المؤتمر، ومن البديهيات أيضاً أن يُدعى إليه المتخصصون والخبراء للإدلاء بآرائهم حتى يخرج بنتائج يمكن الأخذ بها فى حل المشكلة التى من أجلها عُقد المؤتمر. وما شهدته مصر مساء الاثنين من هذا الأسبوع لم يكن إلا مؤتمراً انتخابياً للرئيس قبل 30 يونيو المقبل للإيهام بوجود شعبية زائفة لنظام الإخوان المسلمين وللرئيس مرسى.. والدلائل على ذلك ما يأتى: 1) لم يعرف المصريون من هم الداعون إلى المؤتمر، ومن وجه إليهم الدعوة من الأحزاب والقوى السياسية «المصرية»، ومن الذى استجاب ومن الذى رفض. 2) مع توجيه الدعوة لم يُعلِن الداعون إليها عن أى جدول أعمال للمؤتمر، أو عن الأوراق والأبحاث التى ستناقش، أو عن المتحدثين من الخبراء الذين سيدلون بآرائهم لحل المشكلة محل البحث. 3) الإعلان عن أن الرئيس قد استجاب لدعوة هذه الأحزاب إلى حضور المؤتمر، بالرغم من أن الرئيس سبق له مناقشة هذا الأمر فى اجتماع الشيخ حسنى فى قصر الاتحادية وكذلك مع مجلس الوزراء بعد ذلك، فلا يكون حضور الرئيس هذا المؤتمر بعد ذلك إلا لبحث أو دراسة أُمور جديدة لم يسبق له مناقشتها. 4) شاهدنا أن الأحزاب ذات التوجه اليمينى المتطرف هى فقط التى حضرت المؤتمر، وبالتأكيد هى فقط من وُجهت إليهم الدعوة. 5) المؤتمرات الجادة للمناقشات المثمرة لا تذهب إليها ومن خارجها ومن داخلها حشود جماهيرية هى بالتأكيد غير معنية وغير قادرة على الإدلاء بآرائها أو طرح حلول لمسألة متخصصة يدور حولها المؤتمر، ومع ذلك وجدنا حشوداً بالمئات خارج قاعة المؤتمرات احتشدت من الرابعة عصراً وهى تحمل صور الرئيس وتهتف بحياته. 6) لوحظ أن الحاضرين فى المؤتمر -جميعهم وبلا استثناء- هم من المناصرين والمؤيدين لنظام حكم الإخوان وللرئيس الإخوانى، بما فى ذلك من سبق الحكم عليهم فى قضايا إرهاب وقتل وترويع المصريين. 7) إذا كان المؤتمر حقاً قد انعقد لمناقشة أزمة مائية تمر بها مصر، فما تفسير الهتافات التى قوبل بها الرئيس من أعضاء المؤتمر؛ «بنحبك يا مرسى»، ورفع صوره أمام الشاشات.. فما علاقة الحب بالمشكلة؟ 8) هذا الاستقبال الحار ل«حيرم السياسة المصرية»، وصاحب التعبير هو الأستاذ إبراهيم عيسى، ونعنى به الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء، والتصفيق المستمر له والهتافات، ألا تعنى رسالة للمصريين أن موتوا بغيظكم؟ فها هو من تقولون عليه فاشل ومن هرب من مناقشات أعضاء مجلس الشورى لذات موضوع المؤتمر -مياه النيل- ها هو يُستقبل استقبال الفاتحين المنتصرين وكأنه فتح عكا، وهو الذى لم نرَ منه إلا الفشل؟ 9) ثم إنه لم ينطق بحرف واحد فى المؤتمر المخصص لمشكلة المياه بالرغم من أنه كان مديراً لمكتب وزير الرى ثم وزيراً للرى فى حكومتين ثم رئيساً للوزراء، فإن لم يتحدث فى هذا المؤتمر -إن كان المؤتمر جاداً بالفعل- فأين يتحدث؟ 10) لم نرَ فى أى مؤتمرات لبحث المشكلات أو الأزمات إنشاداً أو هتافات أو تصفيقاً لبديهيات، فحين قال الرئيس «وفى السماء رزقكم وما توعدون» دوت القاعة بالتصفيق، وحين قال إن مصر هبة النيل وإن النيل هبة من الله دوت القاعة مرة أخرى بالتصفيق، وكأن الحاضرين قد اكتشفوا هذه المعجزات من خطاب الرئيس. 11) ركز الرئيس فى خطابه على ضرورة أن ننسى خلافاتنا ودعا إلى مصالحة شاملة للتوحد أمام هذا الخطر، فى محاولة لإبراء الذمة ولتفريغ الدعوة إلى مظاهرات 30 يونيو من حماسها وزخمها من ناحية، ولإعطاء شرعية لاستخدام العنف من قبل أنصاره ومؤيديه الذين تم حشدهم فى المؤتمر ضد متظاهرى 30/6 من ناحية أخرى، وبعبارة أخرى فإن الرئيس يقول هأنا أمد لكم يدى لنتوحد فلمَ الخروج علىَّ؟ فإن رفضتم فهاهم من يناصروننى أمامكم. ونخلص مما سبق إلى أن هذا الجمع فى صورة مؤتمر لم يكن مقصوداً منه أبداً مناقشة مشكلة السد الإثيوبى أو حصص مصر من مياه النيل، وإنما هو مؤتمر وحشد لإيهام البسطاء بحجم مؤيدى الرئيس ورئيس حكومته، وممن؟ من الذين جهروا باستخدام السلاح ضد الشعب فى حالة إقصاء أو خلع الرئيس مرسى من الحكم ولو بالطرق السلمية، فالرئيس يستخدم الإرهاب كعصا لإخافة الجماهير ويستخدم الجزرة بدعوته إلى الاصطفاف وإلا، والاصطفاف الذى يريده الرئيس وجماعته بالطبع هو اصطفاف السمع والطاعة الذى تعودوا عليه والذى لم ولن يقبله الشعب المصرى. والملاحظة الأخيرة أن جماعة الإخوان ومن يناصرونهم قد أعيتهم الحيل للحيلولة دون خروج مظاهرات 30 يونيو، فتارة يخرج الإرهابيون لتحذير الشعب من الخروج وأن الخروج يعنى المذابح وأنهار الدم، وتارة أخرى يحذرون من أن الخروج على الحاكم هو ضد الدين، وتارة ثالثة بالدعوة إلى الحشد المؤيد من يوم 25 يونيو واحتلال الميادين ومحيط قصر الاتحادية، وأخيراً بافتعال مؤتمر يطرح فيه الرئيس المصالحة، مع بقاء الأوضاع كما هى طبعاً. وفى هذا المؤتمر يستعرض اليمين المتطرف ما توهم أنه قوة، ولا نملك إلا أن نقول لهم: «استعراضكم فشنك، وإن النهاية قريبة على يد شباب مسالم، وشعب حر لن يقبل استمرار مهازلكم ولن تُخيفه تهديداتكم، ولو كنتم صادقين لما تحملتم العذاب والاضطهاد والاعتقال والمحاكمات العسكرية ومصادرة أموالكم وكنتم لمبارك وحكمه صاغرين، فعلى من تستأسدون اليوم.. على الشعب، على الثوار، أم على جيش مصر العظيم؟