العدالة روح من رياح الجنة، أينما حلت وحيثما ظلت، حل معها العدل والأمن والسلام لكل الناس، عدا الذين لا يريدون عدالة ولا يأملون فى سلام ولا يحبون أن تسمو روح الله، وهؤلاء عُدّوا من غير البشر، وقد قدوا من صميم الحجر. وعن مبدأ العدل والعدالة أنها قالت: أنا لم أولد فى أى زمن، لكنى وُجدت عندما وُجد العالم. فالعالم بذلك قام على العدل واستوى على العدالة. والأصل أن يُوجّه الإنسان قلبه الذى امتلأ بالعدالة نحو صميم الكون الذى انطوى على العدالة الكونية. ومن اتصال العدالة الأرضية بالعدالة الكونية، تنضبط العدالة فى الإنسان وفى كل مكان. يحتوى الجدال الفارغ والحديث على الظاهر والأيديولوجيا (العقيدة الجامدة) السطحية، على رغبة عند أصحابها للحديث الخاوى من أى معنى والتضليل المتصل برغبة الغلبة، ومن ثم فإنه يفارق العدالة وينأى عن الحق والحقيقة، ويستبدل بالعدالة الإلهية والحقيقة الكونية، عدالة مصطنعة وحقاً زائفاً، يتخذ من تكرار القول وإلحاح الحديث سمتاً يقارب الصواب ويدانى الحق، وهو بعيد عنهما، ناءٍ فى مكان آخر. إن الأيديولوجيا (العقيدة الضامرة الخاوية) سكنت أفئدة أصحابها فحادت بهم عن العدل والصواب، وجعلتهم يتصورون أنهم على الحق -من فرط تكرار الحديث وتأكيد القول- وظنت غيرهم، ممن يتشخصون بالعدالة ويتجسدون بالحق، فى ضلال مبين وظلام دامس. وهذا هو أظهر نتائج الأيديولوجيا وأوضح مظهر لها. لقد كانت العدالة تحكم المجتمع القديم حتى أزاحها البدو والعربان، فبهتت واتخذت شكلاً آخر، ومن يومها ساءت حال البشرية وسادت دعاوى التفرقة والعنصرية. فالعدالة تقر فى القلب وتحيا فى الضمير. وبها يحكم الباطن الظاهر ويعلو الجوانى على البرانى. لكن مع استمرار اغتراب العدالة الكونية والحق المستقيم، صارت الغلبة إلى دعاوى الحديث المطلق وبيان التصوير الضال. فهتلر -على سبيل المثال- ظل يكلم ويتكلم عن حق الشعب الألمانى وعن اغتراب العرق غير الآرى وعن المسألة اليهودية، حتى اقتنع شعبه ومريدوه بصحة ما يقول، وساعدت فى ذلك نجاحاته فى الحروب الخاطئة والإبادات العامة. وإن هى إلا دورة للتاريخ، حتى انكشفت الأيديولوجيا النازية، وخوت كل ألهبة الأيديولوجيا، وخرج عنها بل وكفر بها من كانوا يؤمنون بها. وظهرت حقيقة النازية، وأنها أيديولوجيا ومجرد شعارات ومحض دعايات، ما أن يمر عليها الزمن حتى يكنسها تماماً، ويزيل كل ما كان لها من أثر. والأمر كذلك بالنسبة للماركسية، لقد كونت بخطابها المتكرر عالماً خاصاً بها، يرى كل من يسكنه أن العالم غير عالمه يعيش فى خطأ شائع، وخلاصه فى أن يعتنق الماركسية ويطبق أحكامها. ولما سقطت الماركسية من داخلها بدت سوءاتها وظهرت كآبتها، وهرب زعماؤها إلى العوالم الأخرى. إن العدالة هى روح الله التى لا بد من أن تكون وتسمو حتى يتحقق الحق ويتسيد العدل، على أن يرتبط الحق الفردى بالحق الكونى وأن يتصل العدل الفردى بالعدل الكونى، فتسود ويتحقق مبدأ العدل الكونى والحق الإلهى، ويعيش الفرد فى نعيم، ويكون الجميع فى سلام. ويلاحظ حالاً (حالياً) أن الإسلام السياسى بدأ يتخذ أسلوب الأيديولوجيا، أى الشعار الفارغ والإيمان الخاوى من أى روح. ونظراً لأن ذلك يتصل بالدين فقد تأدى الأمر إلى اضطراب بالغ وخلط شديد بين الشعار والمقال، بين الحقيقة والخيال. وفى كثرة الكلام الذى يتأدى عن الحديث المتصل بالإسلام السياسى صار كلاماً وأوهاماً بعيدة عن الحق نائية عن السلام، تنزع فى أقوالها منازع النازية والماركسية من بُعدٍ عن الواقع ونأىٍ عن الحقيقة. وهذا ما أوقع الإسلام والمسلمين فى هاوية سحيقة من الضلال، وجعل من الدين مثابة إلى الخيال. فهل من عودة إلى الحقيقة والعدالة فى الإسلام حتى لا يكون محض شعارات كاذبة ومجرد توهمات ضالة؟.