سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» تعيش ليلة «المليونية»: «إخوان» و«حازمون» و«6 أبريل» ضد «الدستورى المكمل» المعتصمون يواجهون ارتفاع الحرارة ب«بخاخات المياه» والمظلات وأغطية الرأس.. والألتراس يبدى غضبه من الاحتفالات قبل استعادة حقوق الشهداء
لم تمنعهم حرارة الجو وأشعة الشمس فوق رؤوسهم من مواصلة اعتصامهم المفتوح الذى بدأوه أمس الأول فى ميدان التحرير، وكلما زادت حرارة الجو، علت الهتافات المطالبة برحيل المجلس العسكرى ورفض الإعلان الدستورى المكمل وحل مجلس الشعب، وتأجيل نتيجة انتخابات الرئاسة، لتعود هتافات 25 يناير مرة أخرى إلى الميدان بعد غيابها عنه سنة ونصف السنة، ليهتز الميدان بكلمة «ارحل»، و«ارفع رأسك فوق.. انت مصرى». «الوطن» قضت يوما مع معتصمى «التحرير» ورصدت استعدادهم لمليونية «عودة الشرعية» التى كان مقررا فيها أن يؤدى الدكتور محمد مرسى قسم رئيس الجمهورية فى «الميدان» بدلاً من مجلس الشعب المنحل، حسب كلام أنصاره، ليأتى تأجيل إعلان نتيجة الانتخابات من قبل اللجنة العليا ضربة قاصمة للإخوان، فقابلوه بالحشد والنزول للميادين مطالبين بسرعة إعلان مرشحهم رئيساً وفقاً لمحاضر الفرز التى حصلوا عليها، ورفعوها على موقع مرشحهم الإلكترونى، بل وطبعوا كتيباً بها لتوزيعها على الإعلاميين كوثيقة تثبت تفوقه على خصمه. الحياة فى الميدان تبدأ فى السادسة صباحاً، بعد أخذ المعتصمين قسطاً من النوم بعد صلاة الفجر فى مسجد عمر مكرم، ليتناولوا إفطارهم المكون عادة من خبز الفينو وقطع الجبن النستو وربما قطعة من الحلو، يتبعه تنظيف وإعادة ترتيب الخيام ثم التجمع أمام المنصة لتبدأ الهتافات المنددة بالإعلان الدستورى وحل «البرلمان»، مختلطة بالهتافات التى تؤكد فوز «مرسى» برئاسة الجمهورية. عقارب الساعة تشير إلى 12 ظهراً، تشتد حرارة الجو ومعها تعلو هتافات المعتصمين، ما بين إخوان وسلفيين تابعين لحركة «حازمون»، يعيدون هتافات 25 يناير، بعد أن أضافوا لها أخرى بالمطالب الجديدة: «ارحل ارحل يا مشير»، «ثوار بالملايين على التحرير راجعين»، «يسقط يسقط حكم العسكر.. مصر دولة مش معسكر»، «لو فيها فساد حىَّ على الجهاد»، «يا مشير يا مشير أوعى تفكر فى التزوير.. هنجيب رقبتك فى التحرير»، «الشعب يريد تطهير القضاء». يصمت المعتصمون قليلاً فى هدنة بسبب شدة حرارة الطقس، ويلجأ بعضهم إلى الجرائد لمتابعة آخر تطورات الأحداث، ثم يلفها على شكل قرطاس ويضعها على رأسه، ويستخدم البعض الآخر مظلات عليها صورة الدكتور محمد مرسى، ويفضل آخرون شراء غطاء للرأس من الميدان، فيما تطوع أحد المعتصمين بشراء بخاخات مياه، ليرشها باستمرار على المعتصمين لتخفيف شدة الحرارة. يواصل المعتصمون هتافهم ولكن هذه المرة هتافات مؤيدة لرئيسهم «مرسى» مرددين: «يلا يا مصرى قولها قوية مرسى رئيس الجمهورية»، «مرسى.. مرسى.. الله أكبر»، «يوم الجمعة العصر هنودى مرسى القصر»، «الليلة الليلة مرسى رئيسنا الليلة»، وقاطَع أحد المعتصمين الهتافات محاولا التأكيد على مطالب الاعتصام الرئيسية التى نزلوا من أجلها مرددا: «إعلان دستورى باطل.. مجلس عسكرى باطل.. حل البرلمان باطل»، «مهما تفصّل من قوانين مش هنسلم مش هنميل». استمرت الهتافات إلى أن حضرت إلى الميدان مسيرة قادمة من شارع محمد محمود فى الواحدة والنصف ظهراً يحمل أفرادها علم مصر وصوراً للدكتور مرسى، كان هتافها الرئيسى: «يا مصراوية عايزين نرجع زى زمان إيد واحدة فى الميدان». أمام مجمع التحرير، وعلى أحد المقاهى التى أقامها بعض الباعة، جلس عادل جمعة الأربعينى يرتدى زيا أزهريا لتناول كوب من الشاى، فأمامه يوم طويل بعد أن قرر الاعتصام داخل الميدان مطالباً برحيل المجلس العسكرى، لأنه يرى أن الأزهر لن يقوى ويعود إلى مكانته الأصيلة إلا بعد رحيل المجلس العسكرى وإسقاط حكم العسكر. ميدان التحرير بالنسبة للشيخ الأزهرى ليس الميدان الذى تعرف فيه على الشيخ عماد عفت الذى كان ينزل الميدان دوماًً بملابس مدنية، وإنما المكان الذى شهد أولى تظاهراته منذ 18 عاماً احتجاجاً على قيام مستوطن إسرائيلى بقتل 90 فلسطيناً أثناء وجودهم داخل الحرم الإبراهيمى، ليعتقل أثناءها أمام جامعة الدول العربية بتهمة الهتاف ضد دولة صديقة هى «إسرائيل». وتذكر جمعة اليوم الذى سقط فيه الشيخ عماد عفت قائلاً: «عماد عفت قُنص قصداً، بعد فتاواه المعادية للمجلس العسكرى والنظام القديم، وأشهرها فتواه بتحريم التصويت للفلول»، مؤكداً أنه لن يترك الميدان إلا بعدما يثأر لدماء شيخه الأزهرى، وأضاف: «أنا موجود حتى رحيل العسكر حتى لو ترك الإخوان الميدان، فلن أتركه حتى يرحلوا، فالدماء الأزهرية غالية ولا يمكن أن نتركها تضيع». وتابع: «إن شيخ الأزهر يستطيع أن يغير التاريخ بنزوله إلى الميدان، ووقوفه على منصة التحرير ليطالب برحيل المجلس العسكرى والذى سيستجيب له». على الجانب الآخر من مجمع التحرير، تجمع العشرات حول شاشة تليفزيونية متوسطة الحجم يتابعون ما تعرضه القنوات الفضائية من تطورات للأوضاع السياسية المصرية وخاصة ميدان التحرير، وكذلك المؤتمر الصحفى للمرشح الرئاسى الفريق أحمد شفيق، الذى أعلن فيه فوزه برئاسة الجمهورية وفقا لإعادة فرز الأصوات بواسطة حملته، وهو ما استقبله المعتصمون بالتهكم مطالبين بتحويل القناة. تامر يوسف، مدرس علوم بالمرحلة الإعدادية وعضو بحزب الحرية والعدالة، كان صاحب فكرة إحضار طبق الاستقبال الفضائى (الدش) وشاشة التلفاز إلى الميدان كى يكون متابعاً للأحداث أولا بأول ولكى تكون أيضاً وسيلة للفت الانتباه داخل الميدان، قائلاً: «الجهاز والشاشة أحضرتهما من مقر الحزب بمنطقة الزاوية الحمراء لمتابعة ما يحدث حولنا». وأكد يوسف أن كل المؤشرات والأرقام تثبت فوز مرشح الإخوان بمقعد الرئاسة، مبدياً دهشته من تأجيل نتيجة الانتخابات ليومى السبت أو الأحد. وتابع: «إن التأجيل يطرح شكوكا حول إمكانية تزوير النتيجة للمرشح المنافس»، وعلق أحد الشباب المتابعين قائلا: تتردد أخبار عن وجود مفاوضات بين «العسكرى» و«الجماعة» بالموافقة على حل البرلمان مقابل إلغاء الإعلان الدستورى.. فماذا ستفعل لو تم الاتفاق على هذا الأمر؟، فردّ عليه يوسف: «سنوافق لأن هذا قرار مجلس شورى الجماعة، الذين انتخبناهم ونثق فى آرائهم، فهم لديهم رؤية، مثلما كانت لديهم رؤية فى عدم المشاركة فى أحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود لأننا كنا نراها مكيدة للثوار»، ليرد الشاب: «ولكنكم أعلنتم عن خطئكم فيما بعد»، ليبادره يوسف: «الاعتراف بالخطأ شىء مقبول ومن حقك أن تحترم رأيى كما احترم رؤيتك». وأوضح يوسف أن الإخوان نزلوا إلى الميدان وقرروا الدخول فى اعتصام مفتوح لتحقيق مطالب ثلاثة رئيسية، أولها إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الذى ينتزع صلاحيات الرئيس المنتخب، وثانيها عودة مجلس الشعب بعد حله، وثالثها منع تزوير الانتخابات، بعد ظهور مؤشرات على نية تزويرها رغم محاضر لجان الفرز التى تؤكد حسمها لصالح مرشحنا، والتى تم تحميلها على موقع المرشح الرسمى على شبكة الإنترنت. وأكد الإخوانى الشاب أن الميدان لايوجد به الإخوان فقط وإنما يوجد معهم تيارات سياسية مختلفة لها المطالب نفسها. على بعد خطوات قليلة من الشاب الإخوانى، وقف العشرات من حركة 6 أبريل خلف تمثال عمر مكرم (مقرهم الدائم فى المليونيات والاعتصامات)، قسموا أنفسهم إلى مجموعات، مجموعة قامت بعرض فيديوهات رصدت الأحداث التى مرت بالثورة خلال السنة ونصف السنة الماضية، وأخرى نصبت الخيام لاستقبال شباب كفر الزيات والغربية والمحلة الكبرى، فيما تسلق آخرون أعمدة الإنارة الموجودة بالقرب من المكان لرفع علم الحركة. الجميع منهك من السفر ومنهمك أيضاً فى ترتيب مكان الاعتصام، وهو ما بدا على وجه القادمين من المحافظات، بعضهم فسر وجوده فى الميدان بأنه لمطالبة المجلس العسكرى بالرحيل وتسليم السلطة للرئيس المنتخب وهو ما يستلزم إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لأعضاء حملة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، الذين حضروا حاملين أعلامهم «البرتقالية» المكتوب عليها «مصر القوية». «أوكا» هو الاسم المشهور به وسط أصدقائه فى الألتراس، عمره 23 سنة، وقف وسط الميدان يقلب كفيه على ما رآه، معترضا على احتفالات أنصار مرشح «الإخوان» قائلا: «أنا مش نازل احتفل ومش نازل عشان مرسى أو الإخوان.. أنا نازل أجيب حق إخواتى اللى اتقتلوا جنبى فى أحداث بورسعيد». وتذكر وهو يحاول حبس دموعه صديقه محمود غندور، الذى طُعن بآلة حادة أودت بحياته، لأنه وغيره من الألتراس هتفوا ضد المجلس العسكرى فى مباراة المقاولون، بعد استشهاد زميل لهم فى أحداث شارع محمد محمود. وأعلن «أوكا» عن ضيقه بسبب ما نشرته إحدى الجرائد عن شخص يدعى «ريعو» أعلن تأييده للفريق «شفيق»، ونسب إلى الألتراس، قائلاً: «لا يمكن أن يعطى الألتراس أصواتهم لمن شارك فى قتل إخوتهم.. وهذا الشخص منفصل عنا منذ 2007». وأضاف أن الألتراس قرر المشاركة فى كل فعاليات الثورة دفاعاً عن حق شهدائه رغم كونه كياناً غير سياسى، وتابع: «إن من ينزل الميدان يريد تحقيق مصلحة خاصة»، مشيراً بكلامه إلى «الإخوان المسلمين».