لم أشاهد رئيساً يتملق شعبه وينافقه كما شهدت مرسى فى خطاباته الرسمية وحواراته الصحفية التى خلت من أى رسائل إنتاجية حقيقية أو خطط اقتصادية ورؤى سياسية، واكتظت بالمداهنات والمجاملات كما لو أنك تتابع فرحاً شعبياً وقف فيه «المعلم» لتنقيط العروسين بعد وصلة مدح ومجاملات. الشعب المصرى عند مرسى هو الرجاء والأمل، والفلاحون عنده هم زهرة الوطن، وعمال مصر هم أياديه المنتجة، والمرأة المصرية هى الأم والأخت والابنة والزوجة، وسيناء بهضابها وسهولها ووديانها، والصعيد هم رجال مصر الأشداء، والجيش هم نسور الوطن، والشرطة هم حماته. مرسى فى كل لقاءاته لا يتوقف عن تملق الناس لأنه لا يملك ما يقدمه سوى التضرع لهم ومغازلة مشاعرهم، ومحاولة التقرب منهم والتودد لهم، علّهم يرضون، أو على الأقل يقبلونه ويتقبلون حالهم. عشرة أشهر لم يقدم مرسى فى أى خطاب أو حوار رؤية سياسية، ولم يتحدث عن خطة محددة، ولم يشر إلى صياغات لمفاهيم تقوم عليها الدولة لبناء المستقبل، بقدر ما حرص على المنافقة والمداهنة والمجاملة فى محاولة للتقرب والتودد إلى الشعب. لست مندهشاً لأن د. مرسى لا يملك ما يؤهله للحكم أو يساعده على أن يقود بلداً بحجم مصر، وسياساته وإصراره على الإقصاء والإبعاد لكل ما هو ليس إخوانياً زاد من مشكلاته فى إدارة شئون بلد بحجم مصر، وفى ظروف خاصة كتلك التى تمر بها وتحتاج إلى تعاون وتكاتف وتفاهم عميق بين كل الأطراف. مرسى لجأ إلى النفاق ليسد ثغرات عديدة تسببت فيها جماعته وأهله وعشيرته، فضلاً عن المشكلات المترتبة على سياساته، وليحاول من خلالها تقديم نفسه فى صورة «ابن البلد» القادر على التفاهم مع الناس والتجاوب معهم. والتملق جزء من سياسة العاجز الفاشل، فالسياسى المستخدم لعبارات التملق والمداهنة يسعى من خلالها لاستدراج تعاطف الناس وجذب قلوبهم بعد فشله فى غزو عقولهم وعدم قدرته على إقناعهم بقدراته السياسية كحاكم لهم. بل إن مرسى أحياناً من استغراقه فى المداهنة والتملق ينسى ما يقوله، فهو هنا يشكر رجال التوك توك ورجال المخابرات العامة، وهناك يعرف من يقول إيه وازاى وليه وفين وماذا، كما أنه يعرف الصباعين اللى بيلعبوا فى مصر، ثم يعود ليشكر رجال مصر المخلصين الأوفياء، ولا تعرف من يشكر ومن يهجو.. مرسى أول رئيس فى مصر يقيم علاقاته مع شعبه على أساس النفاق والمداهنة والمجاملة وليس على أساس سياسات وأفكار وخطط وإنجازات، وهى علاقة غير مسبوقة فى تاريخ مصر.. سيدى الرئيس، التملق لا يحكم شعباً والمتملق لا يبقى طويلاً..