لن تنكشف الحقائق عن حقيقة ما جرى من خطف لجنودنا فى سيناء ثم الإفراج عنهم دون مفاوضات أو مساومات -هكذا أعلن رئيس الجمهورية- وكذلك دون إراقة نقطة دم واحدة أو تحريرهم بعملية عسكرية.. لن تنكشف هذه الألغاز إلا بعد رحيل النظام الحالى. ولا أرى سبباً منطقياً يستسيغه العقل لإخفاء أسماء الخاطفين وميولهم، ذلك أن اللواء هانى عبداللطيف، مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة، كان قد أعلن فى مساء الثلاثاء الماضى أن من قاموا بتنفيذ هذه العملية معروفون لأجهزة الأمن بالاسم، وأنه جارٍ ملاحقتهم، ولو كان السيد اللواء يعلم أنه سيتم إخلاء سبيل جنودنا المختطفين فى فجر الأربعاء أعتقد أنه لم يكن ليعلن ذلك ليحرج النظام الحاكم الذى لم يعلن هذه الأسماء، كذلك فإن الحفاظ على الأمن القومى لا علاقة له فيما أظن بالإعلان عن أسماء هذه العصابة، فليس للعملية كما أُعلن أبعاد دولية أو سياسية، وإنما هو عمل إجرامى قامت به عصابة من المتطرفين المصريين داخل مصر، فما هى خطورة الإعلان وبوضوح عن منفذى العملية وكيفية إخلاء سبيل المخطوفين هكذا ودون مقابل ودون استخدام للقوة؟ إلا لو كان الإعلان عن أسماء المجرمين سيسبب حرجاً للإخوان المسلمين ولرئاسة الجمهورية حيث سيكشف وقتها عن علاقة ما تربط بين الخاطفين وبين القائمين على الحكم الآن، خاصة أن رئيس الجمهورية قد صرح بحرصه على سلامة الخاطفين والمخطوفين، فضلاً عن أنه لم تصدر إدانة واحدة لهذا العمل الإجرامى من كل فصائل من يطلق عليهم الإسلام السياسى. وأوائل هذا الأسبوع صرح الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، لصحيفة «الحياة» اللندنية بأنه يتهم محمد دحلان القيادى السابق فى حركة فتح بزرع عناصر فى سيناء لزعزعة الأمن فيها بتمويل من دولة خليجية (يقصد دولة الإمارات العربية)، مشيراً إلى احتمال تورط دحلان فى حادث اختطاف الجنود، وأضاف أنه يجب فتح ملفات تحركات عناصر حركة فتح الذين طُردوا من قطاع غزة عقب سيطرة حماس على القطاع. وقد التقط الإعلامى البارز محمود الوروارى هذه التصريحات واستضاف فى حلقته فى برنامج «الحدث المصرى» على قناة العربية محمد دحلان للرد على هذه الاتهامات، وقد أوضح الإعلامى الوروارى أنه وقبل الحلقة حاولوا الاتصال بالدكتور عصام العريان لمواجهة دحلان لكنه لم يرد، فأرسلوا له أربع رسائل على هاتفه المحمول ولكنه أيضاً لم يرد. وفى الحلقة فتح محمد دحلان النار على الإخوان المسلمين وعلى العريان شخصياً، فقال إن كل قضية الجنود أصبحت مكشوفة ومفضوحة، وإن الإخوان المسلمين قد خانهم التعبير والتقدير وخانتهم عبقريتهم فى قدرتهم على نصب الدسائس فوقعوا فى هذا الشرك.. ومعنى الكلام بوضوح أن الإخوان المسلمين هم من دبروا ونفذوا هذه العملية لإحراج الجيش المصرى وإضعاف موقفه. وأضاف أن الحقيقة ساطعة ابتداء من اقتحام الحدود المصرية على يد حماس ودخول قوات حماس إلى منطقة العريش ورفع أعلام حماس على المؤسسات المصرية وكان ذلك قبل الثورة، ثم قتل الجنود المصريين فى رفح والعريش فى شهر رمضان مع إغلاق كل هذه الملفات حتى الآن عند الإخوان المسلمين، ثم أن يُخطف جنود مصريون ويذهب إليهم شيوخ سلفيون وبعض جماعات الإخوان المسلمين المعروفة أسماؤهم لدينا ويفاوضوا هؤلاء الخاطفين ثم يُفرج عن المخطوفين ويختفى الخاطفون. وأضاف دحلان أنه وحتى هذه اللحظة ما زالت اتصالات الإخوان مع هذه الجماعات المتطرفة التى تريد أن تُحرج الجيش المصرى وتورطه فى رمال سيناء. وتحدى دحلان الإخوان المسلمين أن يُعلنوا عمن الذى نفذ هذه العمليات وعن أسمائهم، لأن الإعلان عن ذلك سيفضح علاقتهم بهؤلاء المتطرفين، وأن المقصود هو إحراج الجيش المصرى وتدمير هيبته. وقال أخيراً إن الأجهزة الأمنية فى مصر تعرف من الذى اختطف ومن الذى قتل، وتعرف من الذى هرب ومن الذى فاوض، وتعرف من دخل الأنفاق ومن خرج منها. هذا ما حدث بين دحلان والعريان، وبتحليل ذلك نخلص إلى ما يأتى: (1) إن اتهام العريان لدحلان بزرع عناصر فى سيناء لزعزعة الأمن فيها وباحتمال تورط دحلان فى حادث اختطاف الجنود -إن كان صحيحاً- وهو اتهام خطير جداً، خاصة أنه قد ربطه بمساعدة دولة الإمارات لدحلان على هذا التخريب الذى يهدد الأمن القومى المصرى؛ يعنى -الاتهام- أن جميع أجهزتنا الأمنية إما نائمة أو فاشلة أو متواطئة، ويعنى أيضاً أن العريان يمتلك من المعلومات ما لا تمتلكه هذه الأجهزة، وكان الأولى به وهو الحريص على أمن البلد أن يبلغ ما لديه من معلومات إلى هذه الأجهزة أو يفضى بها لرئيس الجمهورية مباشرة حتى يتخذ ما يلزم، أما أن يصرح بها إلى جريدة تصدر فى لندن فهذا أمر غير منطقى، فإذا ما أضفنا إلى ذلك تهرب العريان من المواجهة مع دحلان، اتضح لنا أن وراء التصريحات هدف خفى ربما يكون لإبعاد الشبهة عن التنظيمات الجهادية التى تعيث فى أرض سيناء إرهاباً والتى ترتبط عقائدياً بحكام مصر الآن. (2) إن هذه الاتهامات لو صحت فإن معنى ذلك أن أرض سيناء خارج السيطرة المصرية تماماً، فحماس والجهاديون والموساد وعناصر تابعة لدحلان بتمويل من الإمارات والعصابات المسلحة؛ كل هؤلاء -وما خفى كان أعظم- يعبثون بأمن مصر والسلطة المركزية فى القاهرة غافلة، من المسئول إذن؟ ومن صاحب القرار؟ ومن القائد الأعلى للقوات المسلحة؟ (3) إن تحدى دحلان للإخوان وللعريان أن يعلنوا أسماء الخاطفين لا يجب أن يمر دون رد، وقد أعلن مساعد وزير الداخلية عن معرفة أجهزة الأمن بالخاطفين وبالاسم، فعدم الرد يعنى صحة ادعاء دحلان بأن الإخوان هم من دبروا لحادث الاختطاف، وهم من أوعزوا للخاطفين بإخلاء سبيل الجنود. (4) إن استمرار الغموض حول هذه العملية ومن قبلها عملية اغتيال جنودنا فى رمضان ومن قبلها اختطاف ثلاثة من ضباط الشرطة ومعهم أمين شرطة - يُرجح ما يشاع عن تورط حماس فى هذه العمليات، وما حماس إلا فرع الإخوان المسلمين فى غزة. (5) يجب على الأجهزة الأمنية، ونعنى بها المخابرات الحربية والمخابرات العامة والأمن الوطنى، أن تخرج بالحقائق على الشعب إن كان اتهام العريان صحيحاً أو كان اتهام دحلان هو الصحيح، لأن هذه أجهزة الدولة المصرية وفى خدمة الشعب المصرى وليست -ولن تكون إن شاء الله- أجهزة للحاكم أو لفصيله أياً كان هذا الحاكم. إن إجلاء الحقائق عن كل هذه الأحداث ليس به أى مساس بالأمن القومى المصرى، لأنها جرائم منظمة تقوم بها جهات إرهابية وعصابات مسلحة ترفع السلاح فى مواجهة الدولة المصرية وتحبط الشعب المصرى الذى بات يشعر بأنه غريب فى وطنه، وكما قال شوقى: وغداً يعلَمُ الحقيقةَ قومى ليسَ شىءٌ على الشعوبِ بسِرِّ