سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«السنعوسى»: العرب بينهم «حقد وكراهية وضغينة رهيبة» الروائى الكويتى الفائز ب«البوكر» ل«الوطن»: مجتمعنا غير قارئ لأنه تعود على تمزيق كتبه فى نهاية العام الدراسى
الثلاثاء الماضى أعلن الدكتور جلال أمين، رئيس لجنة التحكيم فى جائزة «البوكر»، عن فوز الروائى الكويتى الشاب «سعود السنعوسى»، بالجائزة، عن روايته «ساق البامبو»، التى تحكى قصة الشاب عيسى المنحدر من أب كويتى وأم فلبينية، التى أتت للعمل فى الكويت خادمة تاركة دراستها وعائلتها، لتضمن حياة كريمة بعد أن ضاقت بها السبل. وهناك فى منزل العائلة تعرفت إلى راشد، الابن المدلل للعائلة، الذى يقرر الزواج بها، وعندما تحمل تتخلى عنها الأسرة، فتعود من حيث أتت، وهناك يكابد الطفل ذو الشهرين الفقر وصعوبة الحياة، ثم يعود إلى بلاد أبيه بعد 18 عاماً من الرحيل.. ومن هنا تبدأ الرواية، حيث يرصد فيها السنعوسى نظرة الآخر للمجتمع الكويتى، من خلال نموذج بطل الرواية عيسى الطاروف، الذى يرى المجتمع من الخارج، ويقول فى بداية الرواية: «لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها، نقتطع جزءاً من ساقها، نغرسه، بلا جذور، فى أى أرض، لا تلبث الساق طويلا حتى تنبت لها جذور جديدة، تنمو من جديد، فى أرض جديدة، بلا ماضٍ، بلا ذاكرة، لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته؛ كاوايان فى الفلبين، خيزران فى الكويت، أو بامبو فى أماكن أخرى». ومن هنا أجرت «الوطن» الحوار مع «السنعوسى» صاحب ال31 عاماً، بعد فوزه ب«البوكر»، حيث يفتح ملفات الأدب والإبداع بعد ثورات الربيع العربى، وآفات المجتمعات، والعلاقات العربية العربية، وتجربته الشخصية فى الكتابة، فإلى نص الحوار.. * الكتابة فعل مشترك بين أشخاص عديدين، ولكل منهم أسبابه، فما دوافعك الشخصية للكتابة؟ - هو أمر ذاتى وخاص جداً، فأنا أعالج نفسى بالكتابة، ربما يبدو الأمر مبالغاً فيه عندما أقول إننى أتداوى بالكتابة، وأتعرف على نفسى بصورة أقرب حين أكتب. * كيف ينطبق ذلك على «ساق البامبو»؟ - فى رواية ساق البامبو، الراوى هو عيسى الطاروف، وهو نصف كويتى نصف فلبينى، عاد إلى الكويت بعد 18 عاماً، كنت أرى نفسى محل انتقادات البطل الذى ينظر لمجتمعى من الخارج، كنت أرى نفسى ومجتمعى فى عينى الآخر، حيث إننى أحاول أن أتغير، وبالنسبة لى ككاتب أنا أعيد التجربة على المتلقى، أنا تألمت حين رأيت الصورة التى يرانا عليها الآخر، لذلك أنا أوجع القارئ وأنبهه إلى أن هناك صورة سيئة عن مجتمعنا، ربما يحاول أن يتغير. * متى بدأت الكتابة؟ - بدأت الكتابة الجادة فى سن ال24 أو ال25 عبر المجلات الشبابية فى الكويت، ثم انتقلت إلى كتابة المقالات الإبداعية فى بعض الصحف والمجلات، أهمها جريدة «القبس»، حيث كنت أشرع فى كتابة روايتى الأولى «سجين المرايا»، وفى هذا الوقت كونت اسمى فى الكويت ككاتب شاب. * ألم تكن هناك إرهاصات للكتابة فى مرحلة الطفولة أو المراهقة؟ - بالطبع، فأول نص شخصى كتبته فى حياتى كان فى سن ال9 سنوات، أثناء الاحتلال العراقى عام 1990، كنت أعيش فى بيت العائلة، حيث الحياة وسط الجد والجدة والأبناء والأحفاد، والبيت يحمل الكثير من العواطف، وكنت ألمس تلك الحميمية التى تجمعنا، وأثناء الاحتلال تغيرت الوجوه، وأصبح هناك نوع من الخوف والحزن والترقب، كنت أراقب بكاء النساء.. هذا كله ترك أثراً عميقاً فى ذاتى، لذا فإننى كتبت قصيدة وطنية، وهى نص ركيك وساذج لكنه صادق بالنسبة لهذا العمر، وأى موقف كان يمر فى حياتى كنت أسجله، اليوم حصل كذا وكذا، خصوصاً المواقف العاطفية مثل وفاة شخص ما أو زيارة شخص عزيز أو المناسبات التى لا أود نسيانها، وما زلت أفعل ذلك إلى اليوم، فأى حدث مهم أقوم بتدوينه، فالسبب الرئيسى فى الكتابة هو بيت العائلة. * هل لفت هذا أنظار المحيطين بك إلى أن بينهم مشروع كاتب؟ - لم يتوقعوا وجود مشروع كاتب، كان أهلى يخشون علىّ من مضيعة الوقت، لأن مجتمعنا ليس مجتمعاً قارئاً كما تعرف، والثقافة آخر أولوياتهم. * أصغر روائى وأول كويتى ينال البوكر، هل توقعت الحصول على الجائزة؟ - كنت أتمنى لكنى لم أتوقع، وعند الإعلان عن القائمة الطويلة كان فيها أسماء كبيرة، واعتبرت وصولى إلى القائمة الطويلة إنجازاً احتفلنا به فى الكويت، ونسيت تماماً القائمة القصيرة، لأن هناك أسماء لها ثقل، ولأننا أسماء شابة لم تكن متوقعة، ثم فوجئت بجدية اللجنة، وأن الجائزة لا تعتمد على تاريخ الروائى. * هل قرأت الروايات الخمس التى وجدت مع روايتك فى القائمة القصيرة؟ - قرأت كل الأعمال ما عدا رواية واحدة لم تتوافر فى الكويت، هى «سعادة السيد الوزير». * وما انطباعك عنها؟ - رأيت جدية وجدة فى الطرح، الموضوعات كانت جديدة، وشخصياً تأثرت برواية «يا مريم» للكاتب العراقى سنان أنطون، و«القندس» للكاتب السعودى محمد حسن علوان، ولمستنى التفاصيل والشخصيات، وفى رواية «مولانا» للمصرى إبراهيم عيسى جاءت الفكرة جديدة، فأنا لم أقرأ فى هذا الموضوع من قبل، وهو كواليس رجال الفضائيات، حيث كشفه إبراهيم عيسى لأنه مجاله. * كيف ولدت فكرة «ساق البامبو»؟ - الفكرة جاءت فى وقت متأخر، وما قبل الفكرة كان لدىّ هاجس وهو نظرة الآخر لنا، دعنى أتكلم عن الكويت أو الخليج، حيث نظرة الآخر لنا سلبية، وبحكم عملى، حيث أعمل فى وظيفة يعمل بها عرب وأجانب، كان هناك احتكاك مباشر بين المصرى والهندى والفلبينى، هناك نظرة سلبية نمطية عنا كمجتمع، وتساءلت «أيّنا نحن.. هل ما نرى أنفسنا عليه، أو ما يرانا عليه الآخر؟»، وجدت أيضاً أن هناك أموراً مجتمعية لا نشعر بها، نحن منغلقون على أنفسنا، فلا نشعر بأى خطأ فى سلوكنا، كما أننا لم نطلع على ثقافة وتنوع الآخرين حتى نحكم على أنفسنا وهل ما نفعله صحيح أو خاطئ، ومن خلال الفرصة الذهبية لتواصلى مع الآخرين عرفت مكانى الحقيقى، فأنا أفضل من البعض ولكن الكثير أفضل منى، لدىّ الصواب ولدىّ الكثير من الأخطاء القاتلة، ومن هنا أحببت أن أكتب شيئاً عن الأخطاء التى نمارسها باللاوعى. * كيف طرحت الفكرة؟ - لم أكن أريد أن أتحدث كمواطن خليجى، أردت أن يكون المتحدث هو الآخر، الذى له عين الراصد من خارج المجتمع، نحن نعانى من انغلاق شديد، بعكس كويت الستينات والسبعينات، لم يعد هناك آخر، ولم نعد نسمع صوت الآخر ولكن نسمع أصواتنا فقط، وحده عيسى الطاروف -بطل الرواية- بما يملكه من خصائص يستطيع أن يكشفنى. * كيف استطعت الكتابة عن الفلبين بمعتقداتها وموروثاتها وتفاصيلها الحياتية واليومية المختلفة؟ - من خلال التعايش؛ فكثير من المبدعين يقرأون المراجع التاريخية حتى يكتبوا، أنا لست هكذا، أنا يجب أن أحس بهم وأشتم روائحهم بنفسى، وأتذوق أطعمتهم وأمشى فى شوارعهم، لذلك سافرت إلى الفلبين، وكانت تجربة غنية حينما قضيت فترة فى أكواخها، وعدت إلى الكويت ب«خزين» ثقافى، وتقمصت الشخصية، حتى إننى ملأت المكان الذى أكتب فيه بسيقان البامبو والخمر الآسيوى، وكنت أشاهد القنوات والأغانى الفلبينية، رغم جهلى باللغة، وكنت فى الصباح أقرأ الصحف الفلبينية المترجمة، ألغيت سعود السنعوسى، وكنت عيسى الطاروف. * كم قضيت فى الفلبين؟ - سافرت مرتين، وفى كلاهما مكثت لمدة أسبوعين. * فى نظرك، كيف يمكن أن يكون المجتمع قاسياً؟ - فى انغلاقه على ذاته، وفى أنه لا يرى غيره، وكل ما عداه مجرد «شىء»، فالخدم فى بيوتنا وإن لم نقسُ عليهم، يحتاجون منا المزيد من التفهم، وإن تحدثت عن الفلبين مثلا، فما الذى كنا نعرفه عن هذا البلد سوى أنهم يعملون فى «ستاربكس» و«ماكدونالدز»، أول ما يذكر الفلبين نتذكر النادل والخادمة فى البيت، لا حميمية ولا ارتباط رغم أنهم يعيشون معنا فى نفس البيت، ولا يوجد مساحة إنسانية، فقسوة المجتمع تأتى من انغلاقه. * كيف تراهم إذن؟ - هم جزء من تكوين المجتمع، وحين نتحدث عن مليون ونصف وافد فلبينى، تعرف أنهم من نسيج المجتمع ويشكلون صورة له، هناك قسوة ناتجة عن عدم الانفتاح عليهم، فإذا تعرفنا على الأسباب التى دفعتهم للإتيان لبلادنا؛ الفقر والاستبداد والرغبة فى علاج قريب، فلا بد أن تعامل هذا الإنسان بشكل مختلف، وهذا دورى، أن أوجع القارئ حتى يبحث عن العلاج، وذلك محبة له ولوطنى، ولصورته فى أعين الآخرين، فالرواية لا تقدم الحلول، هى تطرح الأسئلة الموجعة. * هل تعانى المجتمعات العربية من آفات أخرى تساوى آفة الانغلاق فى الخطورة؟ - لدينا أمية، لا فى القراءة والكتابة ولكن أمية ثقافية، من الآفات التى أشاهدها الآن فى أمتنا العربية أن هناك كنزاً تكنولوجياً من محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعى لا نستغله بالشكل الأمثل، بل نستخدمه لتأجيج الكراهية، وما يؤلمنى فينا نحن كعرب تسخيرنا للتكنولوجيا فى تفرقتنا وإبعادنا أكثر وأكثر، ونحن نستطيع استغلالها للنهوض. * كيف ترى علاقات العرب ببعضهم؟ - كلانا لا نعرف شيئاً عن الآخر، سئمنا الأغنيات المعتادة، فنحن نشأنا على تلك الصورة العربية منذ الصغر، ففى تحية المدرسة فى الصباح نقول: «تحيا الكويت.. عاش الأمير.. تحيا الأمة العربية»، إنها كلمات فارغة، جرحنا حناجرنا ونحن نهتف صغاراً، وأنا لا أرى تلك الأمة إلا فى الصراعات الداخلية، ولا أقصد صراعات الأنظمة ولكن أقصد الشعوب، هناك حقد وكراهية وضغينة رهيبة، أنا أحزن عندما أرى مشهداً لعادل إمام على «يوتيوب» وأشاهد مذبحة فى التعليقات بين السعودى والمصرى والقطرى والكويتى، رغم أن الفيديو لا صلة له بما يتحدثون، هو شىء مؤلم، هذه هى مشكلة المشكلات فى المجتمعات العربية. * كيف تتحرر المجتمعات العربية من آفات كراهية الآخر والعنصرية وعدم الانفتاح؟ - حين يكون للمثقف والمبدع والفنان دور، أنا مؤمن بأنه لا أحد بإمكانه أن يصلح إلا الفنون والآداب، مشكلتنا الكبرى ككويتيين هى الغزو العراقى، ذلك الشرخ العظيم الذى حصل بيننا وبين «الشعب» العراقى، هناك قطيعة وكراهية، ورغم كل هذه الأمور حين يغنى كاظم الساهر فى دبى الكويتيون يذهبون ليستمعوا إليه، وحين يغنى عبدالله الرويشد فالمدرجات تغص بالعراقيين، فهل يقوى رجال السياسة على ما يفعله المبدع؟ * كيف ترى ثورات الربيع العربى؟ - أنا أتحفظ على التسمية، فالربيع لم يأتِ بعد، المشكلة أيضاً فى الشعوب ليس الأنظمة فقط، هناك مشكلة كبيرة فى الأنظمة الاستبدادية لكن عقول الشعوب تبقى كما هى، كما أننى أرى أن الأنظمة التى ينتقدها أهلها وصلت إلى الحكم بصناديق الاقتراع، أيضاً الشعوب هى التى أوصلتها، ولكن هذا درس يجب أن نستفيد منه فى اختياراتنا فى السنوات المقبلة. * كيف ينظر الكويتيون إلى ما يحدث فى مصر؟ - هناك ترقب، أنت تعرف تأثير الجالية المصرية فى الكويت، وهم فى مقر أعمالنا ونحن منفتحون عليهم، وهناك هم كبير وشاغل، والوضع فى مصر لا يعنيها وحدها وهذا على مر التاريخ، لأن ما يحدث فى مصر هو بداية لما يحدث فى بقية الدول العربية، وإذا استقرت مصر سوف تستقر الدول الأخرى، وهناك تخوف من تيار الإخوان، لكنى أريد لمصر أن تستقر وتستريح بالإخوان أو غيرهم، بما يريده الشعب المصرى. * إذن الشارع الكويتى غير راضٍ عن تيار الإخوان المسلمين؟ - بأمانة وبصراحة نعم، تيار الإخوان موجود من زمن فى الكويت، وكان الانتماء للإخوان أمر مقبول، لكن ما حدث فى مصر انعكس بشكل مباشر وسلبى وفظيع على الإخوان فى الكويت، أصبح هناك نوع من الخوف والجفاء تجاه الإخوان، ليست الصورة الآن كما تربينا عليها، كنا نعرف عن الإخوان اشتغالهم بالأمور الدينية والدعوية والاجتماعية، وفجأة حصل نوع من الصحوة، واعتبار أن الأمر خطير، وأنه قد يمتد للكويت، وأقسم بأن تيار الإخوان فى الكويت تضرر كثيراً بعدما حدث فى مصر. * قلت لى إن المجتمع العربى مجتمع غير قارئ، لماذا؟ - بسبب مدارسنا، فنحن لم ننشأ على أن نمسك بالكتاب، وعلاقتنا به سيئة، فأول ما نفعله بعد انتهاء العام الدراسى أننا نجتمع فى ساحة قريبة ونمزق ونحرق كتبنا، نحن نكره الكتاب، وهذا جاء من كون الدراسة شىء واجب القيام به على مضض. * هل يخشى الحكام العرب من المبدعين؟ - بشكل أو بآخر نعم. * وكيف ترى مستقبل حرية الإبداع فى العالم العربى؟ - لو سألتنى هذا السؤال مع بداية الثورات، كنت سوف أقول لك إن الحريات قادمة ومساحة الإبداع سوف تغير المشهد العربى، أما الآن بعد ما يحدث يبدو أننا فى شىء غريب، عوّلنا كثيرا على هذه الثورات، لكن الصورة ضبابية، ولا أرى صورة محددة لمستقبل الإبداع. * ختاماً، ما مشاريعك الأدبية المقبلة؟ - هناك أكثر من فكرة، شرعت فى كتابة أكثر من شىء ولكنى توقفت، أنا أعرف نفسى، إن لم أشعر بالوجع فلا أكتب، وقد أعجب بالفكرة ولا أتحمس لها، وما يحمسنى هو الألم.