إذن فهذه هى جبهة الإنقاذ. هذه هى الشخصيات التى راحت تزايد على الجميع وهى تؤكد أنها لن تشارك فى الانتخابات البرلمانية إلا بشروط. هؤلاء هم نفس الشباب الذين قالوا إن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية عار وخيانة لأنها تعطى الشرعية لنظام خرج عن الشرعية بإعلان دستورى مكمل. هؤلاء هم الناس الجاهزون دائماً للانقضاض على كل من يميل إلى الوسطية أو اتخاذ آراء واتجاهات إصلاحية أو الدعوة إلى اصطفاف وطنى حقيقى، وعدم ترك الساحة للإخوان. كل هؤلاء الآن بدأنا نسمع عنهم، وعن أنهم سيشاركون فى الانتخابات البرلمانية القادمة، وأنهم حذفوا كلمة المقاطعة من قاموسهم، كما جاء على لسان د.محمد أبوالغار قيادى الجبهة فى تصريحات صحفية له. لا فرق عندى بين جبهة الإنقاذ والإخوان المسلمين فكلاهما يتراجع عن وعوده، وكلاهما غير جدير بقيادة مصر فى هذه اللحظة التاريخية، وإذا كانت معظم مقالاتنا تأخذ الإخوان (غسيل ومكواة)، فإن الإنصاف أن ينال من جبهة الإنقاذ من الحب جانب، حتى لو قال أحدهم إن هناك نفيا سيصدر لهذه التصريحات، أو أن النفى صدر بالفعل، فالمؤكد أن التصريح صدر، وأن هناك تيارا كبيرا داخل جبهة الإنقاذ نفسها كان يرى أن هذه هى اللحظة المناسبة للدخول فى مواجهة مع الإخوان عبر الصناديق، واختبار ما يؤمنون به من أن شعبية الإخوان قد تراجعت، وهو ما يجعلنا نقول لهم: يا سلاااااام.. ما كان من الأول. المشهد كان عبثياً وكوميدياً وهم يتزاحمون على الميكروفون وكل منهم يريد أن يتحدث أو يريد صدارة المشهد، ثم كان مدهشاً وهم يحاولون إعادة هيكلة الجبهة الداعية لإنقاذ مصر، ثم كان مثيراً وهم غير قادرين على اتخاذ قرار المشاركة التى رفضها كثيرون ليس كما أشيع لأنها تعطى شرعية لنظام فقد شرعيته، وإنما -ببساطة- لأنهم كانوا غير مستعدين وقتها لخوض الانتخابات، لا أكثر ولا أقل. والمعلومة التى لا يستطيع أحد إنكارها، أن كل الأحزاب والجبهات والتيارات المشاركة فى جبهة الإنقاذ تعانى أصلاً من مشاكل داخلية وصراعات وخناقات، فكيف سينقذون مصر إذا لم يكونوا يستطيعون إنقاذ أنفسهم؟ وكيف تستمر الجبهة إلى الآن وفيها من يرفض وجود (الفلول)، وفيها أحزاب الشقلباظ السياسى، وفيها أحزاب باحثة عن دور، وفيها من يريد أن يخرج فى الفضائيات، وفيها المخلصون الذين لا يجدون أحداً يسمعهم، أو لا يجدون مكاناً فى قيادة المشهد وصدارته بسبب زحمة العواجيز؟ حتى الخطاب التعبوى الحاشد المعارض الداعى للنزول إلى الشارع، وتنظيم مليونيات، والدعوة إلى اعتصامات، بدأ فى الخفوت والتراجع داخل الجبهة ليحل محله تصريحات بالمشاركة فى الانتخابات، وتغير للغة الخطاب والمواجهة داخل أعلى أصوات جبهة الإنقاذ مثل التيار الشعبى وحزب الدستور، ليبدو للجميع أنهم يتراجعون، أو يعدلون من مواقفهم. سيرى البعض ذلك جيداً، ومفيداً، وإثباتاً لأن الجبهة تريد أن تراجع أخطاءها، لكن الأكثر سيرونه تراجعاً، وأن الجبهة غير أمينة على إنقاذ مصر لأنها يجب أن تنقذ نفسها أولاً من كل ما أصابها من عفن السياسة، وضمور الثورة جبهة الإنقاذ تحتاج لجبهة إنقاذ.