ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية لمصر إلى 46.736 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي    مصرف «أبو ظبي الإسلامي- مصر ADIB-Egypt» يفتتح الفرع ال71 بمدينتي    سفير السويد: نسعى لإقامة شراكات دائمة وموسعة مع مصر في مجال الرعاية الصحية    رئيس الوزراء العراقي وحكومته يتبرعون براتب شهر لإغاثة لبنان وغزة    بيلينجهام يقود قائمة إنجلترا لمباراتي اليونان وفنلندا في دوري الأمم    مهرجان الإسكندرية السينمائي يحتفي بتاريخ الفنان لطفي لبيب    مرصد الأزهر لمكافحة التطرف :هناك قفزة غير مسبوقة في شراء المهدئات داخل إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي.    وزارة الطوارئ الروسية تعيد من بيروت 60 مواطنا روسيا    وفد أمريكي يزور محافظة دمياط لبحث دعم التنمية المستدامة    تأهل علي فرج وهانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة قطر للإسكواش    حبس سائقين سرقا شركة خاصة في المعادى    نتيجة تسرب غاز.. مصرع سيدة إثر حريق منزلها بالمنوفية    رئيس وزراء ولاية بافاريا يزور الخط الأول بالقطار الكهربائي السريع    السيسي ورئيس دولة الإمارات يصلان مقر حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية    عبدالغفار: «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 100 مليون خدمة مجانية خلال 63 يومًا    رسميًا.. انتهاء أزمة ملعب قمة سيدات الزمالك والأهلي    الرئيس السيسي يستقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمطار القاهرة    «القاهرة الإخبارية»: بريطانيا تستعد لإجلاء رعاياها في لبنان برا وبحرا    تعديلات قطارات السكك الحديدية 2024.. على خطوط الوجه البحرى    الهيئة تلزم صناديق التأمين الحكومية بالحصول على موافقتها عند نشر أية بيانات إحصائية    العرض العالمي الأول لفيلم المخرجة أماني جعفر "تهليلة" بمهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    كيف تحجز تذاكر حفل ريهام عبدالحكيم بمهرجان الموسيقى العربية؟    باحث: الدولة تريد تحقيق التوزان الاجتماعي بتطبيق الدعم النقدي    مونديال الأندية.. ورود وأشواك| 32 بطلاً فى «أم المعارك».. وإنجاز تاريخى ينتظر الأهلى    جاكلين عازر تزف بشرى سارة لأهالي البحيرة    «تقلبات جوية».. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس غداً ودرجات الحرارة المتوقعة    وزارة التعليم: التقييمات الأسبوعية والواجبات المنزلية للطلاب مستمرة    الخطيب يُكلّف محمد رمضان بإخماد "ثورة" علي معلول في الأهلي    يوفنتوس يعلن إصابة بريمير بقطع في الرباط الصليبي    بيراميدز يخوض معسكر الإعداد فى تركيا    تعرف على إيرادت فيلم "إكس مراتي" بعد 10 أسابيع من عرضه    منها «الصبر».. 3 صفات تكشف طبيعة شخصية برج الثور    وزيرا الرياضة والثقافة يشهدان انطلاق فعاليات مهرجان الفنون الشعبية بالإسماعيلية    لطفي لبيب: تكريمي في مهرجان الإسكندرية السينمائي تتويج لمسيرتي الفنية    محافظ الغربية يبحث سبل التعاون للاستفادة من الأصول المملوكة للرى    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    باحث شرعي: يوضح 4 أمور تحصن الإنسان من الشيطان والعين السحر    أوكرانيا تهاجم قاعدة جوية روسية في فارونيش بالطائرات المسيرة    «أوقاف مطروح»: توزع 2 طن لحوم و900 شنطة مواد الغذائية على الأسر الأولى بالرعاية    التضامن تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    فروع "خريجي الأزهر" بالمحافظات تشارك بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    لطفي لبيب يكشف عن سبب رفضه إجراء جلسات علاج طبيعي    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الحرص والبخل    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    ضاحي خلفان يثير جدلًا بتعليقه على اغتيال حسن نصرالله.. هل شمت بمقتله؟    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى بكرى يكتب:ماذا وراء تصاعد الأزمة بين الجيش والإخوان؟
نشر في الوطن يوم 18 - 04 - 2013

لا يمكن فهم حقيقة الموقف الأمريكى من جماعة الإخوان المسلمين إلا بالرجوع إلى التاريخ ومعرفة حقائق ما جرى بين الطرفين، وتحديداً منذ عام 2003 وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية وما بعدها.
كانت البداية خلال فترة سجن د. سعد الدين إبراهيم فى مزرعة طرة، حيث التقى هناك بعدد من قيادات الإخوان التى كانت قد صدرت ضدها أحكام بالسجن، ومن بين هؤلاء خيرت الشاطر ود. محمود عزت وحسن مالك وآخرون.
توثقت العلاقة بين الطرفين، وكانت الوفود الأمريكية والغربية لا تتوقف عن زيارة سعد الدين إبراهيم فى سجن مزرعة طرة فى هذا الوقت.
بدأت القصة بمداعبة من خيرت الشاطر لسعد الدين إبراهيم أثناء أداء صلاة الجمعة عندما قال له إن الأمريكيين والغربيين يتعاملون بسياسة مزدوجة، يزورونك ويرفضون زيارتنا داخل السجن!
سأل سعد الدين إبراهيم: وهل تريد من الوفود الغربية زيارتكم؟
قال الشاطر: نعم، نريدهم أن يطلعوا على أحوالنا كما يفعلون معك. نحن نريد أن نحاورهم.
قال سعد الدين إبراهيم: سأنقل هذه الرغبة على الفور وسأرد عليكم بالتأكيد.
وفى زيارة لاحقة نقل سعد الدين إبراهيم رغبة الإخوان إلى السفير الكندى فى مصر، وقال له إن الإخوان المسلمين داخل السجن لهم عتب كبير على الدبلوماسيين الغربيين لأنكم ترفضون زيارتهم وترفضون مجرد التعامل معهم.
قال السفير الكندى: نحن نقوم بزيارتك فى السجن بضغط من الرأى العام على حكوماتنا.
قال سعد الدين إبراهيم: إذن ماذا أقول لهم؟!
رد عليه السفير الكندى بالقول: اسأل الإخوان: «ما هو الموقف الذى اتخذوه دفاعاً عن الحريات وحقوق الإنسان حتى نستطيع أن نجد مبرراً للوقوف معهم؟!».
أبلغ سعد الدين إبراهيم المهندس خيرت الشاطر بمضمون الرسالة التى استمع إليها من السفير الكندى فى القاهرة، إلا أن خيرت الشاطر رد عليه قائلاً: نحن لدينا مواقف عديدة دفاعاً عن حقوق الإنسان وعن الحريات، وإذا كان أصدقاؤك لا يقرأون العربية فهذه ليست مسئوليتنا!
أبدى سعد الدين إبراهيم دهشته من إجابة خيرت الشاطر، إلا أنه ظل يبذل جهوده مع سفراء الغرب حتى أقنع الوفود التى كانت تزوره منهم بضرورة الحصول على إذن من الجهات المسئولة لزيارة الإخوان والحوار معهم داخل السجن.
وبالفعل كان السفراء الغربيون يجتمعون مرة كل شهر للحوار والتباحث حول القضايا المطروحة، وقد طلبوا من الجهات الرسمية الموافقة على زيارتهم لجماعة الإخوان، إلا أن وزارة الداخلية اعترضت بشدة على هذه الزيارة، مما تسبب فى تأجيل الأمر برمّته.
فى هذا الوقت من عام 2003 تم الإفراج عن د. سعد الدين إبراهيم، وخلال وداعه لرموز الإخوان المسلمين داخل السجن، قالوا له: الشىء الذى لم تستطع فعله داخل السجن نتمنى أن تفعله خارج السجن، ونحن سنطلب من إخواننا الاتصال بهم.
وبالفعل اتصلت بعض رموز الجماعة بالدكتور سعد الدين إبراهيم لترتيب حوار لهم مع السفراء الأمريكيين والغربيين بالقاهرة، فقام د. سعد بدوره بالاتصال بهذه الجهات، ونجح فى إقناعها ببدء حوار عاجل وسريع مع جماعة الإخوان.
اختار د. سعد الدين إبراهيم مقر النادى السويسرى بمنطقة إمبابة، وهو نادٍ تاريخى قديم، وبالفعل عُقد أول اجتماع بين جماعة الإخوان وعدد من السفراء ومندوبى السفارات الأمريكية فى يناير 2003، وحضر الاجتماع فى هذا الوقت من الإخوان د. عصام العريان، كما حضر كل من محمود عزت وخيرت الشاطر اللذان كانا قد أُفرج عنهما بعد ذلك.
وفى هذا الاجتماع دار الحوار حول 4 قضايا رئيسية هى:
- موقف الإخوان من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.
- موقفهم من غير المسلمين، والموقف من أصحاب المذاهب الدينية المختلفة.
- الموقف من الإبداع والمرأة.
- تأييد الموقف الغربى من إيران.
كان الإخوان يعطون إجابات فيها بعض التحفظ فى العلن، إلا أنهم كانوا يوافقون على جميع المطالب سراً. كان كل ما يهمهم فقط الحصول على موافقة الغرب على دعمهم وعدم الاعتراض على وصولهم للسلطة.
لقد تم عقد جلسات للحوار على مدى ثلاثة أسابيع متتالية بالنادى السويسرى، ثم سافر سعد الدين إبراهيم بعدها إلى الخارج للعلاج، إلا أن الحوار تواصل بين ممثلى السفارات الغربية وبين الإخوان.
فى البداية رفضت السفارة الأمريكية المشاركة فى الحوار، خاصة مع تصاعد الحرب ضد ما سمى «الإرهاب» بعد أحداث سبتمبر عام 2001، إلا أنه بعد فترة من الوقت فُتح باب الحوار واسعاً بين الطرفين، واتخذ أشكالاً متعددة كان أبرزها الحوار بين أعضاء الكونجرس ونواب الإخوان فى البرلمان، وتحديداً منذ عام 2005. لقد وجدت أمريكا فى الإخوان ضالتها، فمن خلالهم يمكن النفاذ إلى العالم العربى والإسلامى، لإعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد.
كانت البداية الحقيقية قد تجسدت فى المشروع الذى طرحه برنارد لويس، المستشرق البريطانى الأصل اليهودى الديانة الأمريكى الجنسية، الذى يُعد المنظر الحقيقى لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية فى المنطقة.
كان برنارد لويس معروفاً بعدائه الشديد للعرب والمسلمين، وكان أول من تحدث عن صدام الحضارات فى مقال له بعنوان «جذور الغضب الإسلامى» عام 1990.
من المقولات الشهيرة ل«برنارد لويس» وصفه للعرب والمسلمين بأنهم قوم فاسدون مفسدون لا يمكن تحضيرهم، وأنهم إذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوّض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية.
ويرى لويس أنه فى حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربتين البريطانية والفرنسية فى استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التى اقترفتها الدولتان، وأنه من الضرورى إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعى لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، وقال: يجب أن يكون شعار أمريكا فى ذلك: إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم من أن تكون مهمتنا المعلنة هى تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية. وقال: خلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع من أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية -دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها.
فى هذا الوقت، وفى ظل إدارة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، قدم برنارد لويس خطة لتقسيم الشرق الأوسط، وقد اعتمد الكونجرس الأمريكى هذه الخطة فى عام 1983.
وتقترح هذه الخطة تقسيم مصر إلى أربع دويلات طائفية وجغرافية هى:
- دولة مسيحية تمتد من جنوب بنى سويف حتى جنوب أسيوط، وتتسع غرباً لتضم الفيوم ثم تمتد فى خط صحراوى عبر وادى النطرون الذى يربط هذه المنطقة بالإسكندرية، وتتسع مرة أخرى لتضم أيضاً جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح، على أن تكون الإسكندرية عاصمة لهذه الدويلة.
- دولة تقع تحت النفوذ اليهودى، وتمتد من سيناء إلى شرق الدلتا لتحقيق حلم إسرائيل من النيل إلى الفرات.
- دولة للنوبة عاصمتها أسوان، وتربط الجزء الجنوبى الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان لتلتحم مع دولة البربر التى سوف تمتد من جنوب المغرب وحتى البحر الأحمر.
- دولة مصر الإسلامية، وعاصمتها القاهرة، وتضم الأجزاء المتبقية من مصر، ويراد لها أن تكون تحت النفوذ الإسرائيلى، إذ إنها تدخل فى نطاق «إسرائيل الكبرى» كما رسمها المشروع الصهيونى.
لم تكن الخطة مقصورة على مصر، بل استهدفت العديد من البلدان العربية والإسلامية، ومن بينها العراق وسوريا ولبنان والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية واليمن ودول الخليج ودول الشمال الأفريقى.
بعدها بفترة من الوقت عادت الفكرة بوجه جديد يتفق مع مشروع برنارد لويس، ولكن هذه المرة من خلال طرح ما سُمى«صراع الحضارات» الذى بدأ بمجموعة مقالات نشرها المفكر الأمريكى الشهير صمويل هنتنجتون فى أواخر صيف 1993 فى مجلة الفورين بوليسى تحت عنوان «صدام الحضارات»، والتى تنبأ فيها بأن يكون الصراع خلال القرن الجديد هو صدام بين الحضارات وليس صراعاً اقتصادياً أو أيديولوجياً.
لقد حدد هنتنجتون فى نظريته تلك سبع حضارات أساسية توقع أن يلتهب الصراع بينها، وأنه فى خضم هذا الصدام لا بد من زوال البعض وخضوع البعض الآخر لهيمنة الأقوى.
وتوقع هنتنجتون فى النهاية أن الحضارات المتوقع لها الاستمرار هى ثلاثة حضارات أساسية، هى الغربية والإسلامية والكونفوشيوسية، حضارة الصين، لما تحمله من إمكانات ومقومات للبقاء. وقد حذر المفكر الأمريكى الغرب من تحالف الحضارة الإسلامية مع نظيرتها الكونفوشيوسية فى مواجهة الحضارة الغربية!
وفى كتابه الصادر بعنوان «صدام الحضارات وإعادة صياغة أنظمة العالم» تحدث هنتنجتون عن أن الغرب، وبعد أن أطاح بآخر أعدائه، الشيوعية، كان لا بد له من عدو جديد تتوحد به صفوفه بحكم حتمية الصدام فى بناء الحضارة الإنسانية الغالبة، والمؤهل الأول لهذا الدور هو العالم الإسلامى، والأكثر استعصاء على الاحتواء من أى حضارة أخرى على وجه الأرض.
وكان من رأى هنتنجتون أن الدين يشكل رمز القيم الاجتماعية ويمثل القوة المركزية التى تحافظ على بقاء الناس مبادرين ونشيطين، وأن الدم والمعتقدات هما الأساس الذى عبره يحدد الناس هويتهم، ومن أجل هذه الأشياء سوف يقاتلون ويموتون.
لقد اكتسبت هذه النظرية شهرة واسعة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وكانت جاهزة لتفسير وتبرير وتجسيد المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامى، حيث شنّت الآلة الإعلامية الغربية أكبر حملة استهدفت الحضارة الإسلامية محاولة تشويهها ووصفها ب«الإرهاب»، وترتب على ذلك إعلان الحرب ضد أفغانستان والعراق فى وقت لاحق.
وفى عام 2003، عندما أطلق وزير الخارجية الأمريكى الأسبق كولن باول مبادرته الشهيرة عن الديمقراطية والتنمية، كان ذلك إيذاناً بالبدء فى تنفيذ الخطة الجديدة التى تقضى بتفجير المجتمعات من الداخل لإعادة صياغة النظام العالمى من جديد، خاصة أن الحروب تحمّل البلدان تكاليف باهظة لن يستطيع الغرب أو الولايات المتحدة تحمّل تبعاتها المستقبلية.
فى يونيو من عام 2004 كان الرئيس الأمريكى جورج بوش يدعو قادة الدول الصناعية الكبرى إلى اجتماع قمة فى جورجيا بالولايات المتحدة جرى خلاله الاتفاق على خطة الشرق الأوسط الكبير، ثم تلا هذا الاجتماع اجتماع لدول حلف النيتو وبمشاركة بعض الدول الخليجية الأخرى فى أكتوبر 2004 فى إسطنبول، حيث بدأت تحل فى المنطقة أجندات متعددة، تشمل جميع الأوضاع المجتمعية من الدين إلى السياسة، ومن طريقة العيش إلى منظومة القيم، ومن تسليح الجيوش إلى مفاهيم المقاومة والإرهاب.
فى هذا الوقت جرى الحديث عن القوة الناعمة التى يمكن عبرها ومن خلالها تفجير المجتمعات من الداخل. وكانت منظمات المجتمع المدنى هى إحدى أبرز آليات القوة الناعمة التى يمكن من خلالها نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك عبر مدها بالأموال وإضفاء الحماية الغربية عليها وتوظيف الإعلام لحساب أهدافها.
وفى يناير 2003 أصدرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقريراً يحمل عنوان «المساعدة الدولية باسم المصلحة الوطنية» قالت فيه: من الآن فصاعداً لن تحتفظ الوكالة ببرامجها لأجل التخفيف من مآسى الإنسانية، لكنها شرعت بتشجيع الإصلاحات الديمقراطية.
وبدأت الأموال تتدفق على العديد من المنظمات المصرية الناشئة فى هذا الوقت، وكانت هذه المنظمات تقوم بأدوار مشبوهة هى أقرب إلى التجسس لحساب القوى الغربية وعلى حساب المصلحة الوطنية.
وقد لعبت منظمات المجتمعات المفتوحة التى أسسها المليونير اليهودى جورج سورس والمعهد الديمقراطى الأمريكى والمعهد الجمهورى الدولى الأمريكى ومنظمة بيت الحرية الأمريكى ونوفيب ودانيدا وفورد فونديشن، وغيرها من المنظمات دوراً رئيسياً فى تمويل هذه المنظمات داخل مصر بزعم نشر ثقافة الديمقراطية.
كانت واشنطن قد نجحت فى أكثر من تجربة فى بلدان أوروبا الشرقية، وتحديداً بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وانهيار منظومة الدول الاشتراكية، الواحدة تلو الأخرى، فى تحقيق تغييرات واسعة فى هذه البلدان.
وفى صيف 2003 سافر جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، إلى جورجيا، ومن هناك راح يحذر الرئيس الجورجى إدوارد شيفر نادزه من استمرار الديكتاتورية وتزوير الانتخابات. كانت جورجيا على وشك خوض الانتخابات الرئاسية، وكانت واشنطن تسعى إلى التغيير وفق منظومتها الجديدة. لقد استطاعت فى هذا الوقت أن تجند المحامى الشاب ميخائيل ساكشفيلى، حيث جرى تدريبه فى بلجراد على كيفية إقامة ثورة مخملية كتلك التى شهدتها صربيا فى هذا الوقت.
لقد تولت مؤسسة جورج سورس الإشراف المالى والسياسى على إحداث الانقلاب السلمى ضد الرئيس شيفر نادزه عبر تأسيس حركة شبابية تحمل اسم «كفى» دفعت لها ملايين الدولارات، وهى حركة تشبه حركة أتبور الصربية التى تمكنت كوادرها بدعم أوروبى وأمريكى كبير من إسقاط الرئيس اليوغسلافى «ميلوسيفيتش» فى بلجراد عام 2000.
إنه نفس السيناريو الذى جرى تطبيقه فى أوكرانيا، ليحقق ذات النتيجة التى حققها ساكشفيلى فى جورجيا. كانت هناك المئات من منظمات المجتمع المدنى، بدأ المشهد بالدعوة إلى ثورة شعبية يقودها «ثيكتور يوشينكو» الذى كان من ضمن عناصر المجتمع المدنى التى تلقت تدريباً وتمويلاً من الخارج.
ارتفعت الأعلام البرتقالية، انطلقت الشعارات تعلن الثورة على الديكتاتورية، كانت الأموال توزع فى الميادين، وكانت الخيام تُنصب للاعتصامات، وكانت السيناريوهات معدة سلفاً من خبراء صناعة الثورات الشعبية فى الغرب والولايات المتحدة، خاصة بعد أن تلقت هذه العناصر تدريبات سابقة فى صربيا وبولندا والولايات المتحدة نفسها على كيفية الحشد والتظاهر وإطلاق الشائعات والاعتصام فى الميادين ومقاومة السلطات وجرّها إلى الصدام ثم سقوط القتلى والجرحى، وكيفية استغلال ذلك للمطالبة برحيل النظام.
فى هذا الوقت كانت واشنطن قد أعدت خطتها للانتخابات الرئاسية فى أوكرانيا. إنه نفس الكتالوج الذى جرى تنفيذه فى جورجيا وصربيا والعديد من البلدان الأخرى.
بدأت الانتخابات الرئاسية يوم الأحد 21 نوفمبر 2004، وعند الثالثة ظهراً بدأ يوشينكو فى تنفيذ السيناريو. فى البداية بدأ فى التشكيك فى نزاهة الانتخابات، ثم أبلغ وكالات الأنباء بأن هناك 2500 مراقب دولى مُنعوا من المراقبة فى لجان التصويت. وعلى الفور وجّه الدعوة لنشطاء المجتمع المدنى والممولين من الخارج بالتجمع أمام مقر اللجنة الانتخابية الرئيسية للتنديد بتزوير الانتخابات، وكان ذلك عكس الحقيقة تماماً، لكنه الإرهاب الذى استُخدم لإجبار الرئيس يانوكوفيتش على القبول بسياسة الأمر الواقع وإرهاب اللجنة الانتخابية الرئيسية المشرفة على الانتخابات.
فى الثامنة مساء أُغلقت صناديق الاقتراع، وقبيل بدء عمليات الفرز كانت واشنطن قد بعثت بالموفد الخاص للرئيس بوش ريتشارد لوجار الذى أعلن مع بداية الفرز وجوب إلغاء الانتخابات الرئاسية وإعادتها مرة أخرى بسبب وجود تجاوزات صارخة.
كانت النتائج الأولية تؤكد تفوق الرئيس الأوكرانى يانوكوفيتش، إلا أن العديد من المنظمات الحقوقية الممولة والمعنية بمراقبة الانتخابات الرئاسية راحت تعطى توقعات بفوز يوشينكو بنسبة 58٪ مقابل 39٪ حتى قبيل انتهاء عمليات الفرز.
كانت عمليات الفرز تجرى على قدم وساق، وقبيل إعلان النتيجة النهائية بقليل كان آلاف النشطاء السياسيين وكوادر المنظمات الحقوقية الممولة ينزلون إلى ميدان وسط العاصمة كييف ليعلنوا عن فوز يوشينكو قبيل إعلان النتيجة.
وفى منتصف الليل كانت اللجنة الانتخابية الرئيسية قد أعلنت أن يانوكوفيتش قد حصل على 51٫13٪ بينما حصل يوشينكو على 45٫48٪، وهنا ثار يوشينكو وأنصاره ضد النتائج الأولية المعلنة، واتهم اللجنة الانتخابية بالتزوير.
وبعد ساعات قليلة كانت النتائج النهائية تشير إلى فوز يانوكوفيتش ب49٫57٪ وهزيمة منافسه يوشينكو الذى حصل على 46٫57٪.
كانت الخطة جاهزة تماماً، واشنطن تحتج ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا تصدر بياناً تقول فيه إن أوكرانيا لم تفِ بالمعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية. وبعد ذلك بساعة واحدة كان المندوب الأمريكى ريتشارد لوجار يتهم السلطات الأوكرانية بفبركة النتائج.
كان الرئيس الروسى بوتين قد قام فى نحو الثامنة مساء بتهنئة يانوكوفيتش بالفوز، إلا أن واشنطن راحت تمارس ضغوطها على الرئيس الروسى لإجباره على سحب اعترافه، وأُطلق العنان لنحو مائة ألف متظاهر للنزول إلى الميادين فى العاصمة الأوكرانية.
كان كل شىء معداً، آلاف الخيام والأغطية وُضعت تحت تصرف قادة المتظاهرين، أموال تدفقت من حكومات غربية ومنظمات عاملة فى مجال حقوق الإنسان، حملات إعلامية منظمة، ادعاءات وأكاذيب أجبرت الرئيس الروسى على التراجع عن اعترافه بفوز يانوكوفيتش وإعادة الانتخابات مرة أخرى.
تراجعت اللجنة الانتخابية الرئيسية فى قرارها، وأُجبرت على إعادة الانتخابات. وقبيل الإعلان عن نتيجة الإعادة كان أنصار يوشينكو يساندهم الإعلام الغربى قد أعلنوا عن فوزه وفرضوا سياسية الأمر الواقع على الجميع.
كان هذا السيناريو هو النموذج لما سمى الثورات البرتقالية تجسيداً للصورة التى يتوجب إحداث التغيير عبرها فى دول العالم العربى والشرق الأوسط، وكان ذلك أيضاً إيذاناً ببدء مرحلة جديدة فى تطبيق سيناريو الشرق الأوسط الكبير.. غير أن البحث كان يدور عن عناصر القوة الناعمة فى هذه المنطقة الحيوية المهمة.
كان الاتجاه السائد فى هذا الوقت يشير إلى أن هناك قوى رئيسية ثلاثاً يمكن الاعتداد بها لإحداث التغييرات المستهدفة فى منطقة الشرق الأوسط هى:
- منظمات المجتمع المدنى التى تمتلك الكوادر والتمويل.
- مجموعات الشباب التى جرى تدريبها فى صربيا والولايات المتحدة وغيرها من بلدان الغرب.
- الإسلاميون الذين يمتلكون شعبية كبيرة من بلدان الشرق الأوسط والذين ليس لديهم اعتراض على أن يكونوا طرفاً رئيسياً فى هذا التغيير.
فى عام 2003 ألقى الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش خطاباً حول «حالة الديمقراطية» فى الشرق الأوسط عن ذات العام. وقد بدا من هذا المشروع أن واشنطن قد أعدت العدة لإحداث تغيير جيوسياسى فى المنطقة يستهدف تغيير الأنظمة وإعادة رسم الخرائط الجغرافية للبلدان لتحقيق إصلاحات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات.
بعد ذلك بعدة أشهر شكل الرئيس الأمريكى لجنة تحت إشراف اثنين من أشد رجال المحافظين الجدد تطرفاً هما بول وولفوتيز نائب وزير الدفاع وريتشارد بيرل الرئيس السابق لمجلس سياسات الدفاع لوضع التصورات المستقبلية لحالة الشرق الأوسط وفقاً للمخطط الجديد.
وبالفعل جرى إعداد هذا التقرير الذى رسم ملامح الاستراتيجية الأمريكية لعام 2004، وأكد على عدد من الحقائق والتصورات أبرزها:
- إن الحرب على العراق لم تغير الأوضاع الاستراتيجية فى الشرق الأوسط على النحو الذى توقعته الولايات المتحدة، ما يستدعى قيامها بممارسة ضغوطها على أنظمة دول المنطقة لنشر الديمقراطية وتكريس الحقوق السياسية للمرأة.
- ضرب فكرة القومية العربية وفتح الطريق أمام مصالحة تاريخية بين العرب وإسرائيل وضمان حماية المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط.
- القضاء نهائياً على الإرهاب واستيعاب التيارات الإسلامية المتشددة داخل دول المنطقة ذاتها وإعادة تأهيلها مرة أخرى داخل هذه المجتمعات.
كانت مصر فى قلب هذا المشروع، وقد أشار التقرير فى هذا الوقت إلى أن مصر قوة مؤثرة وتستطيع أن تلعب دوراً محورياً فى صياغة الاتجاهات السياسية فى المنطقة، وأنه كان مخططاً أن تكون العراق هى الدولة الأولى فى ذلك، إلا أنها وحدها لن تكون كافية لنشر الديمقراطية وقيم الثقافة الأمريكية فى المنطقة، وأن مصر هى الدولة التى يمكن أن تقوم بهذه الرسالة حال حدوث تغيير كبير فيها.
حتى هذا الوقت كانت الاتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين محدودة، غير أن تغيراً كبيراً شهدته العلاقة بين أمريكا والإخوان خلال عام 2005، وتحديداً خلال فترة الانتخابات البرلمانية وفوز الإخوان بحوالى 88 مقعداً. ساعتها فكر الأمريكيون جيداً: ولماذا لا يكون الإخوان المسلمون هم الحصان الرابح فى سيناريو التغيير فى الشرق الأوسط؟!
الحلقة الرابعة: الاثنين المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.