فى كتيب معنون ب«الدعوة الفردية» يُوزع على أعضاء الجماعة، يُطلب من «الأخ» البحث فى الدوائر المحيطة به عن العناصر المستهدفة بالتجنيد فى الجماعة، ثم وضعها فى قائمة يلخص فيها معلومات تتعلق بهم وما تنطوى عليه شخصياتهم من ميزات وعيوب، وبعد ذلك يُكلف بالحديث مع النقيب «المسئول» فى صفات هذا الشخص المستهدف. ولكن هذا التكليف تضع له الجماعة بعض الضوابط والشروط، فتكون حريصة فى توجيه «الأخ المجند» على نوعية من يختار للدعوة الفردية، فتشترط عليه أن يختار الأقرب لدائرته حتى يكون التواصل معه أيسر، ويكون إضافة حقيقية للجماعة وليس خصما من رصيدها. وتضرب الجماعة مثالا شهيرا يسود فى أدبيات الجماعة توصى به أعضاءها، وهو «لا تتعامل مع الجماعة على أنها مستشفى يقدم العلاج لمرضى، بل كما يتعامل الجواهرجى الذى يتعامل مع اللآلئ»، وتتمثل بمقولة عمر بن الخطاب «الناس كالإبل، مائة لا تجد فيها راحلة»، بمعنى أن على «الأخ» أن يبحث عن «الرواحل» النجيبة التى تتحمل السفر الطويل والأثقال، فإذا كان «المستهدف» طالبا فمن الأفضل أن يكون نجيباً، كما يفضل الموسر مادياً لأن المطلوب هو أن ينفق على الدعوة، وكلما كان من أسرة غنية أفضل من أن يكون من أسرة فقيرة. عند هذه النقطة نتوقف مع أحمد بان، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، ليحدثنا عن النوعية التى تفضل جماعة «الإخوان» أن تجندها فى صفوفها، قائلا «إن حسن البنا كان عندما ينزل قرية كان يبحث فيها عن وجهاء القوم ليضمهم لجماعته، وعند تكوين شعبة فى هذه القرية يسند مسئوليتها لعلية القوم فيها، وكان هذا أمرا متعارفا عليه فى الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضى». ويقول «متولى»، وهو أحد نقباء الأسر «الإخوانية»، «يخضع هذا الأخ لمنهج الدعوة الفردية الذى يبدأ بمرحلة التعارف، كما تحتوى العملية طرقا محددة تعتبر مداخل مدروسة ومجربة للوصول للشخص المستهدف بالدعوة». ويصف «بان» المناهج التجنيدية بقوله «إنها أقرب للعلوم النفسية منها للعلوم الشرعية، لأن المجندين، بكسر النون، يعتبرون أنفسهم يتعاملون مع نفوس بهدف ترويضها والولوج فيها للسيطرة الكاملة عليها لتجنيدها، فالأخ يجند هؤلاء الأفراد لكى يكونوا جنودا عند هذا التنظيم». ومن جانبه، يقول «متولى»، «يبدأ الاتصال بالفرد بعد مرحلة التعارف ونسعى لصداقته ونتقرب منه جدا، لنقترب من عالمه النفسى، فنعرف ما يحب وما يكره»، ويستشهد محدثنا بحسن البنا، مؤسس الجماعة، فيقول «كان كلما يريد أن يدعو شخصا يعرف ما يحب هذا الشخص وما يكره، فإذا كان محباً للكلاب يذهب البنا ليقرأ عن الكلاب لكى يشاركه اهتماماته ويقترب منه أكثر، ويكون ذلك مدخله له». ويضرب «بان» مثالا توضيحيا آخر يردده «الإخوان» كثيرا لأفرادهم المنوط بهم «التجنيد»، قائلا «لو كان المستهدف يعشق جمع الطوابع، فالمفترض أن تكون أنت خبيرا فى جمع الطوابع، وإذا كان من هواة كرة القدم فمن المفترض أن تكون خبيرا فى ذلك، فهذا هو مدخلك لكى تقترب من عالمه النفسى». وبعد مضى مدة، يحاول «المجند» التقرب من «المستهدف» أكثر فيتعرف على محيطه الاجتماعى، فمن الممكن أن يكون لهذا الشخص شقيق أو قريب ينتمى لأحد الأجهزة الأمنية أو الحساسة، التى لها وضعية خاصة لدى التنظيم. وبعد مرحلة التعرف على المحيط الاجتماعى يذهب الداعية المجند إلى النقيب المسئول، لكى يجيب عن عدة أسئلة تتعلق بالعنصر المستهدف، وغالبا ما يقدم تقريرا عنه يتناول سيرته الشخصية ومحيطه الأسرى وهواياته وتحليلا لشخصيته، وما إذا كان مجادلا من عدمه، ودرجة تدينه و«مشاكله الجنسية» وعلاقاته العاطفية. أما الصفات التى يمكن أن يستبعد من أجلها «المستهدف بالتجنيد» من قبل «النقيب المسئول»، فهى أن يوصف بأنه «غير كتوم» ولا يؤتمن على الأسرار، وأن يكون ثرثارا، لأن السرية منهج عند الجماعة. ويضيف «بان»: «أما عن المجادل فيمكن أن يقبل فى البداية، لكن إن وجد أن الجدال خلق أصيل فيه فيمكن الاستمرار فى ضمه على أن يبقى جزءا من دوائر التنظيم العامة، وهو ما يطلق عليه «الربط العام». ويوصى «النقيب المسئول» عن صرف «المجند المستهدف» أن يبتعد عن مناطق الخلاف الفقهية، فالتنظيم ليس له مذهب فقهى بعينه، ويكتفى فقط بنصحه بقراءة كتاب «فقه السنة» للشيخ السيد سابق، لأنه مبنى على تجميع كل المذاهب الفقهية، ولا يكون ابن مذهب فقهى بعينه. ويحظر على «النقيب» أن يفتح عالمه النفسى للشخص المجند، فلا يعطيه إلا ما يجعله يحبه وينبهر به أكثر، ويقدره أكثر، فهذا الداعية يجب أن يتمكن من نفس المدعو بحيث يصبح هذا الداعية مرجعاً له فى كل شىء فى حياته، يرجع له فى كل أحواله وتصرفاته الكبير منها والصغير، على السواء. وحتى هذا الوقت لا يحدث الأخ الشخص المجند، أى العنصر المستهدف، فى الإسلام أو الدعوة إلا بقدر ما يسمح به الحوار العادى، على حد قول «بان»، وعندما تتحول العلاقة إلى «علاقة معلقة» ينتقل معه المجند إلى المرحلة الثانية من «التجنيد». أخبار متعلقة: مراحل تجنيد«الإخوانى» المرحلة الثانية: السيطرة على «المُستهدف» بنظرية «المؤامرة على الإسلام» المرحلة الثالثة: أهلاً بكم فى «دولة الإخوان»