من أنفاق مترو الشهداء -مبارك سابقا- يخرجون ويتناثرون بين أرجاء محطة مصر، فى انتظار تلك الصافرة الموسيقية للقطار الذين ينتظرونه تلبية لموعدهم معه، مسافرون بعضهم ليُدلى بصوته الانتخابى فى جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، والآخر استغل فرصة انخفاض تذاكر القطارات وإجازة الانتخابات ليرى أهله وعشيرته، وقلة منهم يتجهون إلى بلادهم لظروف قهرية أرغمتهم على الذهاب، غير مبالين بالانتخابات أو التذاكر المجانية. هذا الزحام الذى يذكر بزحام المسافرين إلى ذويهم فى الأعياد، لم يفاجئ الهيئة القومية لسكك حديد مصر، التى أنهت استعداداتها لتشغيل 3330 رحلة خلال 3 أيام بالقطارات العادية والمكيفة على جميع الخطوط؛ تسهيلا على المواطنين للإدلاء بأصواتهم فى جولة الإعادة، لتتحمل الهيئة 7 ملايين جنيه من ميزانيتها تنفيذا لقرار رئيس الوزراء. وأكد المهندس هانى حجاب، رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر، أن الهيئة أعدت غرفة عمليات مركزية بمشاركة النواب ومديرى التشغيل، دون إجازات، لمتابعة سفر الناخبين للإدلاء بأصواتهم حتى مساء الأحد بتشغيل 885 رحلة بالقطارات العادية مجانا، و215 رحلة بالقطارات المكيفة بنصف التذكرة على جميع الخطوط، مشيرا إلى أن الإيراد اليومى من قطارات السكة الحديد يصل إلى 2.5 مليون جنيه. واقفا على رصيف المحطة وبصره ممدود على طول الرصيف الطويل فى انتظار القطار الذى يُقله إلى عروس الصعيد محافظة المنيا.. «إبراهيم عبدالملاك» -شاب عشرينى- يقصد المحطة بغرض اللحاق بلجنته الانتخابية التى سيدلى فيها بصوته، حارب وناضل من أجل هذه الإجازة، فهو يرى أن «صوته الانتخابى» هو الذى سيحدد الرئيس القادم لمصر ويقول: «باشتغل فى مصنع ورق فى 6 أكتوبر.. وزى ما اديت صوتى فى الجولة الأولى.. لازم أكمل المشوار».. الإدلاء بالصوت ليس إجباريا على الشاب القبطى الذى وقف مائلا بسبب الحقيبة الثقيلة التى يحملها على كتفيه.. كما أنها ليست تعليمات كنسية -على حد قوله- «دى أول مرة فى حياتنا نختار الرئيس القادم لمصر.. إحنا اللى هنحدد ده.. ولو أصلح هيكون كويس.. ولو فاسد هانزل التحرير وأرفضه». «مش مقتنع أساسا بصوتى الانتخابى.. ومسافر آخد يومين أجازة».. جملة يقولها الشاب الأسمر «محمد على»، جالسا على أحد المقاعد الرخامية على الرصيف منتظرا القطار الذى فى نهاية رحلته سيجتمع بأسرته.. فالانتخابات بعيدة كل البعد عن تفكير الشاب العشرينى، رغم إدلائه بصوته فى الجولة الأولى: «مفيش غير اتنين.. واحد إخوانى والتانى فلول.. ومحدش فيهم ينفع». هذا ليس السبب الوحيد الذى يمنع الشاب «الأسوانى» من الإدلاء بصوته فى جولة الإعادة، ولكن هناك سببا آخر يُلخصه فى أن أصوات «الصعيد» بالنسبة لأى انتخابات هى «صفر على الشمال»، ويقول: «أعضاء مجلس الشعب، والمرشحين فى الانتخابات الرئاسية، بيوعدونا بحاجات لكن للأسف مفيش حاجة بتتحقق.. وأبويا قالهالى كلمة زمان.. بعد عبدالناصر مفيش أمان.. ومفيش حد هيهتم لا بالصعيد ولا بالجعان». جمال عبدالصمد -رجل أربعينى يرتدى جلبابه الصعيدى الفضفاض- استغل انخفاض أسعار التذاكر وقرر حجز مقعد بالدرجة الأولى، فهو بالنسبة له «حلم عزيز» كان يبغى تحقيقه منذ زمن: «يا باشا كفاية الواحد يروح بيته مستريح وكمان دول يومين أجازة لو مسافرتش دلوقتى أسافر إمتى؟! خلى الواحد يتفسح شويه».. ويؤكد مصدر من داخل محطة رمسيس أنه تم حجز أغلب القطارات، وبخاصة المتجهة إلى الوجه القبلى خلال يومى الانتخابات، وذلك بعد قرار خفض أسعار التذاكر، بينما قطارات الوجه البحرى لم تشهد أى إقبال.