لم تتوقع أن شكوكها في ملامح طفلتها التي لم تبلغ من عمرها إلا يوم ونصف، في أنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، حقيقة، عندما استشارت دكتور شهير بالقصر العيني على ما يدور في ذهنها، فأجابها "اهو انتي اللي سألتي علشان مترجعيش تزعلي"، فيغشى عليها لأول مرة في حياتها. "غادة طوسون" أم لم تر يومًا عيبًا في إعاقة ابنتها في استكمال حياتها بشكل طبيعي، وآمنت بحقوقها في التعليم ومشاركتها المجتمع، وفي الاستمتاع بحياتها كباقي الأطفال، هكذا بدأت قصتها منذ 14 عامًا عمر ابنتها. تروي الطبيبة البيطرية، معاناتها مع طبيب ابنتها الذي رفض توصيلها لمراكز التحليل المتخصصة للتأكد من حالتها، قائلا لها " أنا مبغلطش"، فتحجز ابنتها في الحضانة لارتفاع الصفرة بها بعد مرور خمسة أيام مع إصرار الدكتور على أنه لم يخطئ في تشخيص حالتها، ولا داعي للتحاليل، حتي أتمت الطفلة شهر وثلاثة أيام، ليبدأ جزء جديد في القصة. تكمل: "اتجهت إلى طبيب آخر، الذي أكد لي بعد إجراء بعض التحاليل، أن "لوجين" طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ليأخذ مجرى حياتي طريق آخر خاصة وأني كنت تعرضت للاكتئاب الشديد. لكني قررت أن أقف خلف ابنتي". وواجهت غادة، تساؤلات أبنائها "محمود" و"نردين" بأن أختهما لديها بعض المشكلات، وبدأت تشرح لابنها البالغ من العمر 9 أعوام حينها، باستخدام بعض الرسومات التي توضح الخلايا و"الكروموزومات"، لم يفهم في ذلك الوقت ماذا تقول والدته لكنه علم أن أخته الصغرى لديها مشكلة ما". "مكنش ينفع أحرم أولادي من والدهم ولا أحرم نفسي من مساندته" لهذا قررت أن تسافر لزوجها الذي كان يعمل بإحدى البلاد العربية، وبدأت تأخذ دورات تدريبية مكثفة خلال شهرين قبل السفر، تشمل كل ما تحتاجه طفلتها في غضون سنة، من علاج طبيعي وتخاطب وقدرات إدراكية وذاتية وتركيز. بالرغم من تأثير الأدوية الخاصة بعلاج الاكتئاب على تركيزها، إلا أنها نجحت في الإلمام بما تدرسه في "مركز سيتي للتدريب والدراسات في الإعاقة"، حتى انتهت الدورة الأولى، وسافرت إلى زوجها، تقضي عامًا ترتب حياتها كأم وربة منزل وزوجة على البرنامج التأهيلي لابنتها، وعند أول إجازة توجهت إلى المركز مرة أخرى، لتأتي الفرحة العارمة بما أنجزته من تقدم مع "لوجين". تمر ثلاثة أعوام، وهي تلتزم بالانتهاء من الدورات التأهيلية حتى تنجزها في سنة أخرى مقبلة، لتأتي إلى مصر فتذهب مع أسرتها إلى معسكرات التمكين الأسري، التي حرصت عليها، حتى تؤهل أخوات "لوجين" لكيفية التعامل معها، وتأهيلهم في فكرة الدمج. تحبس دموعها، حين تذكرت أصعب لحظة مرت بها في حياتها، عندما أُجريت عملية جراحية "قلب مفتوح" ل"لوجين" في الرابعة من عمرها، حيث كانت تعاني من ثقب في القلب، تصف ساعات الانتظار خارج غرفة العمليات "كانت أصعب 6 ساعات في حياتي". بعد انتهاء فترة النقاهة الخاصة ب"لوجين"، بدأت غادة في رحلة البحث عن مدرسة للأطفال الأسوياء، ترضى بقبول ابنتها وتطبق قانون الدمج، لكن في كل مرة تسمع فيها نفس الجملة "لا دول ليهم المدارس بتاعتهم"، "وكأني رايحة أقدم لقرد في المدرسة" قالتها مستنكرة ردود أفعال المدارس المختلفة. تقول دكتورة غادة، إنها بالصدفة تكتشف إحدى المدارس بجانب منزلها بحلوان، وتقابل مدير إحدى المدارس، وبعد اختبارها يقبلها على مسؤوليته الشخصية خاصة أن المدرسة لم تكن تفعل قانون الدمج، ويظل هذا الرجل صاحب فضل في استكمال "لوجين" لدراستها، لأنه تعامل معها ليس على شكلها لكن على مستوي قدراتها وإمكانياتها التي تتطور دائما. ساعدت الأم، طفلتها بنشر فكرة الدمج واستيعاب الآخر، ونجحت في ذلك مع أصدقائها الأسوياء داخل المدرسة، فكانت كل عام دراسي جديد، تقيم حفل داخل المدرسة تتحمل نفقته بالكامل، وأصبحوا هم من يساعدوها أثناء اليوم الدراسي، بدلا عن "shadow teacher". حصلت الدكتورة غادة على العديد من الدروات التدريبية حتى اجتازت كل الدورات الخاصة بتأهيل الأمهات، وبدأت في الدورات الخاصة بالمتخصصين، لكنها رفضت اقتراحات بعض أصدقائها في تأسيس مركز خاص بها، لتأهيل الأطفال حتى تنجح لوجين في الابتدائية، لتشعر أنها بالفعل نجحت مع ابنتها، خاصة أنها أصرت على تعلم هذه المهارات من أجلها فقط. في الابتدائية، بدأ تحدٍ آخر بعد اكتشاف دكتورة غادة قانون يسمح لأطفال المعاقين، أن يمتحنوا بنظام الامتحان الأمريكي، والذي لا يحتوي على أسئلة مقالية، وأن تختبر خارج مبنى المدرسة، وتم الأمر بعد موافقة وزير التعليم الأسبق أحمد ذكي بدر، وبالفعل أتت لجنة خاصة من الوزارة للإشراف على لجنة امتحان. بعد أن تفوقت "لوجين" في الترم الأول، قرر أحد واضعي امتحان الرياضات أن يعاقبها على تفوقها هذا، فقال لوالدتها "انتِ بتتبلي على بنتك بنتك مافيهاش حاجة"؛ لأنها فقط اجتازت الأسئلة، ليأتي لها بأمتحان الفائقين بالترم الثاني، "أنا عمري ما دعيت علي حد بس ربنا يتقم منك" كان هذا ردها عليه. بعدما نجحت دكتورة غادة مع ابنتها، قررت أن تفتتح المركز الخاص بتأهيل الأطفال ذوي الاحيتاجات الخاصة، تهتم فيه بالطفل نفسه دون النظر إلى الربح المادي، تستعين معها بأخصائي علاج طبيعي وأخصائيات التخاطب وغيرها، لتكون أفضل مثال علي الإصرار والإيجابية.