«من دخل حى مصر الجديدة فهو آمن»، هذه جملة كان يتم تداولها عقب اندلاع أحداث الثورة، وذيوع أعمال العنف، كانت تقترب من محيط ميدان التحرير، فتارة يكون البطل شارع محمد محمود وتارة مجلس الوزراء ومحيط وزارة الداخلية والسفارة الأمريكية فى وسط البلد، لكن لم يدُر بخلد رواد «مصر الجديدة» أن يتحول شارع الخليفة المأمون وميدان روكسى والكوربة إلى مستقر لحرب الشوارع وكر وفر بين المتظاهرين، أن تكون رائحة الغاز المسيل للدموع بديلاً لروائح الزهور، والدخان الأبيض بديلاً للشجر الأخضر. الحال الهادئ نسبياً فى ميدان روكسى، تقابله موجة من الغضب الجامح من ناحية مدخل «الخليفة المأمون»، منذ الصباح الباكر إذ يوجد هناك جدار عازل، وتجمعات لا تنقطع من المتظاهرين الغاضبين، الذين بدأ وجودهم، ومعرفة طريقهم إلى مصر الجديدة عقب تولى «مرسى» حكم مصر، إذ تصاعدت حدة الاحتجاج، وتحولت من ساحة ميدان التحرير، إلى ساحة الحكم ذاتها، ومنذ أحداث «الاتحادية» فى ديسمبر الماضى، أصبح كل من يدخل حى مصر الجديدة ليس بالضرورة آمناً. من مطعم مشويات، يوجد أسامة أحمد ذو التسعة والعشرين عاماً، يعمل فى المطعم منذ اثنى عشر عاماً، أكثر ما يميز المكان أنه يواجه قصر الاتحادية من ناحية البنك الأهلى، جاء «أسامة» مهاجراً من الصعيد، استقر فى «مصر الجديدة»، حيث كان شاهداً على بدء الثورة فى «التحرير»، وتأججها فى «مصر الجديدة»، يقول إنه أول مرة شاهد المتظاهرين فى «مصر الجديدة» لم يصدق عينيه، دائماً ما كان مكانهم شاشات التليفزيون، كان يبتعد عن خياله أن يصل بالغضب الحال أن يرتجل الناس للقدوم إلى الضاحية البعيدة، لا سيما أن المنطقة، على حد رؤية «أسامة»، يغلب على طابع أهاليها الرقى والهدوء، إذ تعودوا على التنعم فى أمان، واختاروا مكان سكنهم بعيداً عن صخب القاهرة والجيزة. «مصر الجديدة دلوقتى بقت شعبية» يقول العامل فى المطعم، إن رواد «مصر الجديدة» اختلفوا، وبات المتسولون ملقين على قارعة الشوارع يسألون الناس إلحافاً، كما انتشر الباعة الجائلين، الذين لم يكن يدور بخلد أى من السكان أو العاملين ب«مصر الجديدة»، أن يوجدوا بالحى فى يوم من الأيام، لكن وصول الثورة لم يحمل رائحة الغاز المسيل للدموع فقط. يقول «أسامة» إن كل يوم منذ أحداث «الاتحادية» أسوأ فى «مصر الجديدة» من ذى قبل، فالإقبال على المطعم قل، فلم يعد الوجود فى المنطقة محبباً، وحين تشتعل الأحداث يضطر صاحب المطعم لإغلاقه. لا يختلف فريد زيدان، أحد أهالى «مصر الجديدة»، مع «أسامة»، «فريد» الذى يقطن الحى منذ زمن، يرى أن وجود قصر الاتحادية قد حوّل شارع الخليفة المأمون ومنطقة روكسى إلى خطوط للنيران، بعد أن كانت عناوين للهدوء. يصيب «فريد» إحباط من حالة التكدس التى بدأت تخيم على الحى الذى كان هادئاً فى الماضى. أكثر ما أصابه بالإحباط كأحد سكان «مصر الجديدة» هو أن المكان فقد وقاره، وبدلاً من العمارات ذات الطابع المميز والرونق الفريد، أصبح هناك خيم منصوبة فى الطرقات فى محيط قصر الاتحادية فى موجة اعتراضات على الرئيس مرسى لا تنقطع، يرى أن وجود «مرسى» فى القصر ساهم فى تشويه صورة «مصر الجديدة»، حيث لم يكن يجرؤ أحد على الاقتراب من القصر أو «مصر الجديدة»، وكانت أشبه بالقلعة المحصنة من أى دخيل، لا يتوقع «فريد» أن تعود «مصر الجديدة» لسابق عهدها فى الماضى، عاش فى المكان لأربعين عاماً، لكن الأيام التى تمر عليه الآن هى الأكثر سوءاً على الإطلاق «هيبة مصر الجديدة راحت، يوم ما راحت هيبة قصر الرئاسة». أخبار متعلقة: «مصر» التى كانت «جديدة» عمارات الحي الهادئ "علي كل لون"..هندي ومغربي وأوروبي بيت «جمال عبدالناصر»في منشية البكري.. حلم المتحف الذى لم يكتمل الكوربة.. واحة على الطراز البلجيكى مترو مصر الجديدة.. «زقزوقة» لأصحاب المزاج وطلبة المدارس "اللي بني الحي كان في الأصل بارون" فى رسالة ماجستير عن «الضاحية البعيدة»: سكانها يركبون العجل ويتنزهون فى «جروبى» و«أمفتريون» حديقة «الميرلاند» التى تحولت لأطلال تحتضن العشاق من «الشهبانو» إلى «الحسين بن طلال».. ميدان «تريومف» يتحدى الحكومة