«عين شمس» تنظم برنامجا تدريبيا لتأهيل العاملين بالمدن الجامعية    القطار الكهربائي الخفيف: إضافة لغة الإشارة داخل المحطات تجريبيا.. ومحتوى إرشادي مترجم بمحطة عدلي منصور    رئيس مياه أسوان: إحلال الخطوط في القرى المتضررة من أزمة المياه وإدراجها بمبادرة حياة كريمة (فيديو)    مصطفى الفقي يكتب: الشرق الأوسط.. أوهام الماضى وأحلام المستقبل!    كروس يدعم تير شتيجن بعد الإصابة الخطيرة    ماركا: إصابة رودري بقطع في الرباط الصليبي    اندلاع حريق هائل بالحي الشعبي في مدينة الإنتاج الإعلامي    رسميا.. فتح باب التسجيل للنسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام    ارتفاع أسعار النفط بعد خفض الفائدة الأمريكية وسط تراجع الطلب من الصين    إعلام بنها ينظم ندوة "حياة كريمة وتحقيق التنمية الريفية المستدامة".. صور    لأول مرة.. شراكة بين استادات الوطنية والمتحدة للرياضة واتحاد الكرة لتدشين دوري الأكاديميات    ماركا: بعد الفحوصات الأولية.. إصابة رودري بقطع في الرباط الصليبي    الإعلان عن التشكيل المثالي للجولة الخامسة من الدوري الإنجليزي.. موقف محمد صلاح    المفتي يهنئ محمد الجندي بتوليه منصب الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية    تنازل وطلب براءة.. كواليس محاكمة الفنان عباس أبو الحسن | خاص    السجن 10 سنوات للمتهم بتهديد سيدة بصور خاصة بابنتها فى الشرقية    طوارئ في الحرس الثوري الإيراني.. وقف أجهزة الاتصال وفرض حماية مشددة على المنشآت النووية (تفاصيل)    تفاصيل الدورة 32 لمهرجان الموسيقى العربية في مؤتمر صحفي بالأوبرا    حزب الله: قصفنا مقر قيادة الفيلق الإسرائيلي في عين زيتيم بعشرات الصواريخ    الجمهور يهاجم وليد فواز بسبب إيمان العاصي في "برغم القانون"    الخميس.. مؤتمر صحفي لمهرجان الموسيقى العربية 32 بالمسرح الصغير    علماء مصريون يبتكرون بديلًا طبيعيًا للجيلاتين يحمي صحة الأطفال (فيديو)    نتيجة تنسيق كلية شريعة وقانون أزهر 2024/2025    محافظ دمياط: مبادرة المشروعات الخضراء تعكس جهود الدولة للتعامل مع البعد البيئى (صور)    الإحصاء: 21.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول بالنصف الأول من 2024    كاتب صحفي: مشاركة منتدى شباب العالم فى قمة المستقبل نجاح كبير.. فيديو    كل ما تريد معرفته عن ضوابط عمل اللجان النوعية بمجلس النواب    أبو الغيط يلتقي رئيس وزراء فلسطين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    عاجل - حماس تطالب الجنائية الدولية باعتقال قادة الاحتلال: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في لبنان وغزة    حصوات الكلى: المخاطر وطرق العلاج الممكنة تبعًا لحجم الحصوات    تعيين قائم بأعمال عميد "فنون تطبيقية بنها"    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان منطقة البقاع الموجودين داخل أو قرب منزل يحوي أسلحة لحزب الله بالخروج خلال ساعتين    اليوم العالمي للغات الإشارة: هل تختلف بين البلدان؟    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    قبل XEC.. ماذا نعرف عن متحورات كورونا التي حيرت العلماء وأثارت قلق العالم؟‬    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    تصالح فتاة مع سائق تعدى عليها فى حدائق القبة    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب داخل شقة سكنية في الوراق    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    جامعة الأمم المتحدة للسلام تحتفل باليوم العالمي.. وتتتعهد بتقديم تعليم ملهم للأجيال القادمة    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    استقالة موظفى حملة المرشح الجمهورى لمنصب حاكم نورث كارولينا    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    بيراميدز يكشف حجم إصابة محمد حمدي ومدة غيابه    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    إصابة فى مقتل    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مصر» التى كانت «جديدة»
حكاية الضاحية الهادئة التى تحولت إلي ميدان «كر وفر»
نشر في الوطن يوم 17 - 03 - 2013

لا تقُل شوارع وميادين ومبانى؛ لأنها ليست كذلك، هى شىء آخر تماماً يتقاطع ويتواصل فيه «الأهرام»، و«الميرغنى»، و«اللقانى»، و«عثمان بن عفان»، و«هارون»، و«الخليفة المأمون»، و«صلاح سالم»، و«بيروت»، و«النزهة»، و«الثورة». ليقودوا إلى «روكسى»، و«تريومف»، و«سانت فاتيما»، و«الإسماعيلية»، و«سفير»، و«الحجاز»، و«المحكمة»، و«الجامع»، و«هليوبوليس»، و«الكوربة». تجتمع هذه مع تلك لتصنع كلاً من «ألماظة»، و«منشية البكرى»، و«الميريلاند»، و«مساكن شيراتون»، و«العروبة». فى سمائها تتألق شرفات دائرية ومستطيلة ومربعة بأطر متنوعة الأشكال، محتلة بذلك واجهات المساكن ذات القباب العالية المطلية باللون الأصفر، والمرتكزة على أعمدة حجرية مزروعة على حواف الأرصفة الواسعة الراقدة تحتها، صانعة بذلك ممرات طويلة مسقوفة تشرف عليها محلات الأحذية والملابس الجاهزة، والأدوات الكهربائية وورش الميكانيكا، وأفران الخبز. وسط كل هذا تفتح مقاهى الأمفتريون وبالميرا وجروبى ولابالما أبوابها أمام روادها، فى حين تستقبل سينمات نورماندى وروكسى والحمرا وبالاس وغرناطة رواداً آخرين. على الحواف وفى الداخل تنتشر نوادى هليوبوليس والشمس وهوليليدو. فى حين تستقر مساجد الفتح والخلفاء الراشدين وهارون الرشيد إلى جوار كنائس البازليك ومار جرجس والعذراء. إنها الضاحية البعيدة التى وضع أساسها منذ أكثر من مائة عام بارون بلجيكى، أنشأ بها قصراً، ومد إليها تراماً، ومنحها اسمها لا تزال تعرف به حتى الآن «هليوبوليس»، أو «مصر الجديدة».
«مجنون».. هكذا تعامل الناس فى مصر مع الخواجا البلجيكى الذى كان يحتكر إنشاء وإدارة خطوط الترام أو المترو فى مصر بدايات القرن العشرين. إذ كيف لإنسان عاقل أن يؤسس شركة فى عام 1906 تحت اسم «واحة هليوبوليس» تقوم بشراء أراضٍ واسعة فى الصحراء على أطراف القاهرة الشرقية، ويمد إليها خطوط المترو ويقيم مبانى بعيداً عن العمران، بل وأكثر من ذلك يبنى لنفسه قصراً يعيش فيه وكأنه يبعث برسالة إلى كل من يسخرون منه، مؤداها أن الحياة فى الضاحية البعيدة ليست مستحيلة، لكنها فقط فى حاجة لمن يؤمنون بغرابة الفكرة، ويرغبون فى الحياة الراقية بعيداً عن منطقة وسط البلد التى لم تكن قد ازدحمت بعد.
ولأن الضاحية الجديدة وقتها وضعت فى مقارنة مع منطقة وسط البلد التى كانت لا تزال هى الأخرى جديدة، فقد حرص البارون أن يجعل لها شخصية مستقلة تماماً عن وسط البلد، خاصة فى تصميم المبانى والشوارع والميادين، حتى قصره نفسه كان متفرداً للغاية، فقد قيل إنه استوحى شكله من المعابد الهندية والكمبودية، ولم يبال وهو يضع أساساته ثم يرتفع به فوق الأرض بما سيثيره منظر تماثيل الحيوانات المرعبة التى تزين القصر فى نفوس الناس من رهبة وخوف، وبالتأكيد لم يكن يعرف أن الأمر سيتطور فيما يتلو ذلك من أعوام ويتحول القصر الذى أراد له أن يكون تحفة معمارية إلى رمز لكل ما هو مرعب ومثير وغامض، إذ سينسج الناس عنه قصصاً وحكايات لأرواح شريرة تسكنه، تظهر ليلاً، فتطوف القصر وحديقته والمنازل القريبة منه، قبل أن ينال نصيبه هو من تلك الحكايات التى وصفت كيف كان يتعامل مع خدمه، وكيف أقام لهم مشنقة أعلى القصر ليستخدمها فى شنقهم إذا ما حدث وعصوا أوامره، بالإضافة إلى حكايات عن سرداب سرى أقامه البارون إمبان بين القصر وكنيسة البازليك التى دفن فيها بعد وفاته.
راح البارون وراحت شركته، وانتقلت ملكية «واحة هليوبوليس» للدولة بعد تأميم الشركات الأجنبية، ولم تعد الضاحية البعيدة بعيدة، خاصة مع الزحام الذى غزا منطقة وسط البلد، والذى دفع طالبى الهدوء والراحة ينتقلون للسكن فى المناطق الهادئة، ولأن مصر الجديدة منذ بداية نشأتها كانت تحتوى على كل ما يحتاجه الساكن من مدارس ومساجد وكنائس ومقاهٍ ودور ترفيه، أصبح من يسكن فيها فى غنى عن النزول لوسط العاصمة، وساعد اقتصار وسيلة الانتقال إلى مصر الجديدة على المترو على احتفاظ الضاحية بطابعها، وهو نفس المترو الذى ظل موجوداً حتى مع اختفائه من القاهرة كلها تقريباً، وتمييزاً له عن خطوط المترو الأخرى التى كانت منتشرة فى مصر، فقد أطلق عليه مترو مصر الجديدة.
ولأنها منطقة راقية أقيمت فى الأساس لسكن الأجانب وأبناء البلد الموسرين الأغنياء، حافظت مصر الجديدة إلى حد كبير على طابعها وملامحها، فحمت نفسها من زحف الطبقات الدنيا إليها عن طريق رفع أسعار المساكن، واقتصر السكن فيها على الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة والطبقات المرتفعة من المجتمع، وبعد أن توسعت المنطقة وامتد العمران إلى مطار القاهرة الذى يتبع إدارياً مصر الجديدة، فإن مناطق مثل مساكن شيراتون، ظلت هى الأخرى مقصورة على فئة معينة من المجتمع، مما ساعد على حفاظ المنطقة على خصوصيتها وطابعها.
شىء آخر ساهم فى أن تظل مصر الجديدة ضاحية نظيفة وهادئة ومنظمة، ذلك أنها كانت ولوقت طويل جداً مقراً لحكم مصر، سكنها الرئيس عبدالناصر فى منزل صغير بمنشية البكرى، ولأن المبانى المحيطة كانت جميعها فى الأساس منشآت عسكرية، فإن ترتيبات أمنية مضاعفة تم اتخاذها لتحصين مقر الرئاسة أضفت حماية خاصة على المنطقة، وحتى بعد رحيل عبدالناصر وانتقال مقر الحكم إلى الجيزة لمدة تزيد على العشر سنوات فى عهد الرئيس السادات، فإن مصر الجديدة استعادت مرة أخرى سطوتها حينما أسند الحكم للرئيس مبارك، والذى كان يقيم فى الأساس بفيلا صغيرة فى شارع العروبة وقت أن كان نائباً لرئيس الجمهورية، وعندما تولى الرئاسة تم تحويل فندق «هليوبوليس بالاس» المواجه لمنزله إلى مقر رئاسى يباشر من داخله مهام عمله كرئيس للجمهورية، والآن بعد رحيل مبارك لا يبدو أن الضاحية ستتنازل عن مكانتها بسهولة، إذ يظل مقر الحكم مقتصراً على قصر الرئاسة الذى يعرف حالياً باسم قصر الاتحادية.
على أن القصر الذى كان فى يوم من الأيام نعمة على مصر الجديدة وشوارعها، فحماها من الزحام وقلة النظافة التى ابتليت بها سائر أحياء القاهرة، تحول فى الشهور الأخيرة إلى نقمة، خاصة بعد أن اختلفت الجماهير مع رئيسها الجديد، وعرفوا طريق الاحتجاج أمام مقره الرئاسى، وصار التظاهر عند قصر الاتحادية طقساً أسبوعياً تتخلله بعض المعارك بين المتظاهرين والشرطة، وينتهى فى أحيان كثيرة باشتباكات دامية قوامها قنابل المولوتوف والغاز وطلقات الخرطوش، وهى الاشتباكات التى وصلت لذروتها فى ديسمبر الماضى، حينما اعتصم متظاهرون اعتراضاً على إعلان دستورى أصدره الرئيس ومنح فيه لنفسه صلاحيات فوق دستورية، فما كان من جماعة الإخوان التى ينتمى إليها الرئيس إلا مهاجمة المعتصمين والاشتباك معهم، لتعيش مصر الجديدة ليلة مرعبة، وصل الرعب فيها إلى حد أن أعضاء الجماعة كانوا يطرقون أبواب الشقق ليلاً بحثاً عن متظاهرين مختبئين داخل الشقق.
وبعيداً عن المظاهرات والاحتجاجات التى غيرت من طابع المنطقة الهادئ، فإن المنطقة نفسها تغيرت حتى من قبل ذلك كما تغير كل شىء فى مصر، فلم تعد الضاحية هادئة ولا متفردة، بل غزتها الضوضاء والزحام، وتغير طابع مبانيها الأثرية بعد أن تم هدم عدد منها وإعادة بنائه مرة أخرى، فى المقابل ظل عدد آخر من المبانى محتفظاً بشكله وتصميمه القديم، يظهر بوضوح فى شوارع الأهرام وبيروت وميدان تريومف والكوربة، لكنها فى النهاية تحولت إلى ما يمكن تسميته نغمة شرقية وسط مقطوعة من موسيقى الجاز، صحيح أن لها عشاقاً ومريدين، لكنها فى الوقت نفسه مهددة بالغرق وسط طوفان التحديث الذى غمر المكان، ولهذا تحديداً بدا كما لو أن مقهى قديماً كالأمفتريون يقاتل من أجل البقاء وسط المقاهى الحديثة، ومثله تماماً مقهى بالميرا، فى حين رضخت بعض الأماكن وسلمت نفسها طواعية لمن يدفع أكثر، فتحولت إلى محلات لبيع الملابس الجاهزة والأحذية ناشرة بذلك الضوضاء والزحام فى الحى الهادئ.
ورغم الزحام والضوضاء اللذين أصبحا أكثر ما يميز مصر الجديدة حالاً، فلا يزال للمنطقة عشاقها الذين يرفضون التخلى عنها والهجرة منها، ولا تزال الشوارع محتفظة بطابعها، والمبانى متمسكة بملامحها، والمقاهى القديمة تقاتل كل يوم من أجل البقاء.
أخبار متعلقة:
عمارات الحي الهادئ "علي كل لون"..هندي ومغربي وأوروبي
بيت «جمال عبدالناصر»في منشية البكري.. حلم المتحف الذى لم يكتمل
الكوربة.. واحة على الطراز البلجيكى
مترو مصر الجديدة.. «زقزوقة» لأصحاب المزاج وطلبة المدارس
الثورة فى زيارة خاصة ل«مصر الجديدة» والفضل ل«مرسى»
"اللي بني الحي كان في الأصل بارون"
فى رسالة ماجستير عن «الضاحية البعيدة»: سكانها يركبون العجل ويتنزهون فى «جروبى» و«أمفتريون»
حديقة «الميرلاند» التى تحولت لأطلال تحتضن العشاق
من «الشهبانو» إلى «الحسين بن طلال».. ميدان «تريومف» يتحدى الحكومة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.