وسط رمال ذهبية اختلطت بحمرة الشمس و«صهد» الجو، وقطرات تتساقط من جبين المئات الذين احتضنتهم جبال البحر الأحمر، بينما يبحثون عن جرامات قليلة من ذهبها المختبئ، وكأنهم يكملون مشوار ملكتهم «حتشبسوت»، التى اتخذت من هذا الطريق مستخرجا لذهبها وطريقا لتجارتها مع بلاد «بونت» (الصومال حالياً). وجوههم تكسوها سمرة تدل على أنهم من قلب الصعيد، ولهجة تؤكد انتماءهم لهذا المكان؛ فالشاب الذى يرتدى العباءة البيضاء فوق سروال بنفس اللون وصديرى أسود قصير، يدل على أنه من قبيلة «العبابدة»، وتعطيشه لأغلب حروفه يخبرك بأنه قادم من قنا. تجدهم يتحلقون فى مجموعات، ويقبعون وسط الجبال، هذا ممسك بجهاز أشبه بالكشف عن الألغام تمتد منه أسلاك موصلة بسماعات للأذن، تصدر أصواتاً تختلف فى حدتها وتواصلها؛ فتارة تكون عالية ومتواصلة وتارة أخرى تكون متقطعة وبين نغمة ونغمة يمكن أن تهتدى إلى ضالتك وهى العثور على الذهب الذى انتشرت عدواه بين أهالى البحر الأحمر ليتحول إلى ثورة ميدانها قلب الجبل. بعد تفكير لم يستمر طويلاً وافق أحدهم على التحدث معنا، شريطة عدم ذكر اسمه، محاولاً شرح رحلته فى استخراج الذهب، قائلاً: «البحث عن الذهب أصبح شيئا عاديا ومنتشرا جدا بعد الثورة، وأغلب أبناء محافظتى أسوان والبحر الأحمر أصبحوا يمتهنون (الدهابة)، أى البحث عن الذهب، خاصة بعد نجاح عدد كبير من الأهالى فى استخراج كميات بإمكانيات تكاد تكون محدودة». جهاز الكشف عن الذهب قادم من السودان، ولودر للحفر، وسيارة نصف نقل وبضعة لترات من المياه والسولار، هى ما يحتاجه «الدهابة» فى رحلتهم، التى ربما تستغرق أسبوعا أو تمتد لأشهر، حسب الرجل، الذى بدأ رحلته فى التنقيب عن الذهب منذ 3 أعوام، ألمّ خلالها ببواطن الأمور وشكّل فريقاً مكوناً من 7 أفراد، هم عونه فى رحلته، يتنقل بين منطقة وأخرى مرددا: «ممكن أقعد شهر وأصرف على اللودر لوحده إيجار 30 ألف جنيه من غير ما أطلع جرام، وممكن بضربة واحدة أطلع 4 جرام دهب». يستخرج الرجل الذهب الخام فلا يجد أمامه سوى الصائغ أو «الجواهرجى» بلغتهم، ليبيع له الجرامات القليلة الخام بسعر الجرام المصنع والمختلط بالنحاس، وهو ما يعد خسارة للدهابة ومكسباً مربحاً للصائغ، الذى يدخل عليه الجرام الخام مكسباً يصل إلى 4 أضعاف بعد تصنيعه وخلطه بمعادن أخرى، وهو ما يراه «الدهابة» ظلماً، متسائلين: «لماذا لا تستفيد الدولة من هذه الكميات؟ ولماذا لا تقنن أوضاعنا وتشترى الذهب منا بسعر السوق، بدلاً من شركة شلاتين التى أعلنت الدولة تدشينها مقابل أن تشترى منا سعر جرام الذهب أقل من سعر السوق بنسبة 20%؟». يقلب الرجل كفيه مرددا: «إزاى يعنى يوم ما أقنن وضعى وأحب أتعامل مع الدولة تاخد منى سعر الجرام أقل 20%؟ هل يعقل مثلا إنى بعد التعب ده كله أبيع للدولة بسعر أقل وفى نفس الوقت فيه حد هيشترى منى بسعر السوق؟»، لافتاً إلى أن جبال البحر توجد بها كميات كبيرة من الذهب قادرة على إنعاش الحالة الاقتصادية، فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها مصر، بدلاً من الاستدانة من الخارج بمليارات قليلة يستطيع الدهابة تعويضها من خلال ما يستخرجونه ويبيعونه، قائلا: «توجد الكثير من المناجم التى اكتشفها الفراعنة فى جبال البحر الأحمر، فلو اهتمت الدولة ب2 منها على الأقل، لاغتنت مصر وأدخلت خزينتها مليارات». تساؤلات كثيرة طرحها الرجل خلال حديثه كان من بينها تساؤل لافت، هو: لماذا لا تقوم الدولة بتدشين شركة كبيرة تتولى وتتابع عمليات التنقيب عن الذهب ويشارك فى ملكيتها المصريون بأسهم ك«اكتتاب» فننشئ شركة بمعدات ضخمة تستخرج لنا كميات كبيرة نستطيع طرحها فى السوق العالمية وتدر على الدولة دخلاً ينعش اقتصادها القومى؟ لافتاً إلى وجود الخبرات الكافية من أبناء البحر الأحمر وأسوان من «الدهابة» الذين يحفظون صحراءهم، وهم مستعدون لاستخراج الذهب وبيعه لتلك الشركة شريطة مراعاة الأسعار فى ذلك، مشيراً إلى أن جموع «الدهابة» فى البحر الأحمر وأسوان قرروا تدشين جمعية خاصة بهم تحت مسمى «ذهبى من أجل مصر» لتقنين أوضاعهم بشكل يخدم الدولة ويحقق لهم مكاسب تتناسب مع عملهم فى التنقيب. أخبار متعلقة: «الوطن» فى «جبال الذهب».. هنا مصر «المغلوبة على أمرها» «السكرى».. رحلة بحث لا تنتهى فى «منجم الأزمات» «ذهبى من أجل مصر».. جمعية إنقاذ أصحاب المهنة من «الموت تحت الجبل» «حمش».. «مثلث الثروة الضائعة» فى سلاسل الجبال كبير مفتشى مناجم «مرسى علم» سابقاً: الدولة لم يعد لها وجود والشركات تعمل «دون رقيب» حمدى الفخرانى صاحب دعوى بطلان العقد: عائدات «السكرى» تعادل «قناة السويس»