«الستينات وما أدراك ما الستينات» هذه العبارة الشهيرة التى قالها «مرسى» صارخاً فى ميدان التحرير، وقتما كان يحتفل بتتويجه رئيساً للبلاد وسط أهله وعشيرته، فالرجل لم يكن «مصدق نفسه» ومن فرحته الهيستيرية أطلق هذه العبارة فى لحظة فقد فيها سيطرته على نفسه.. لماذا ندد «مرسى» بفترة الستينات؟ هل تنديده بهذه الفترة هو سر مفتاح ما يحدث الآن فى مصر؟ عام 1942 بايع أحد ضباط الجيش المصرى حسن البنا أمام جماعة الإخوان على السمع والطاعة، ووجد فيه «البنا» صفات قيادية فألحقه بالجهاز السرى للجماعة، وأصبح أحد المقربين منه، وفى نهاية 1948 عندما علم «البنا» أن هناك محاولات لاغتياله كتب وصيته، وأوصى فيها أن منصب المرشد من بعده يؤول إلى أحد اثنين، أحدهما هذا الضابط، لكنه رفض، لأن هذا مخالف لقواعد الجيش، وسيؤدى إلى فصله، وظل هذا الضابط يعمل على تجميع كل المعارضة من جنود الجيش وضباطه فى تنظيم سمّاه «الضباط الأحرار».. إنه الزعيم جمال عبدالناصر مفجر ثورة «يوليو 52»، وهذه الثورة لم تكن بعيدة عن مكتب الإرشاد.. ومن هنا تبدأ الحكاية، حكاية الصراع على السلطة بين «العسكر» و«الإخوان» ف«ناصر» جذوره إخوانية بلا شك، ولكن بعد حرب فلسطين عام 1948 أدرك أن عليه أن يقود ثورة خالصة باسم الجيش المصرى بدعم معنوى فقط من الإخوان، مما أدى إلى استيائهم وغضبهم، فرأوا أن «ناصر» خرج عن السمع والطاعة وأصبح مارقاً ويجب أن تُرَد الثورة إليهم، لأنهم أصحابها الأصليون، فضلاً عن أنهم رأوا أنفسهم أكثر حكمة وحنكة لقيادة البلاد من هؤلاء الشباب، وظل الصراع بين «ناصر» و«الإخوان» مشتعلاً حتى قرر «ناصر» عام 54 حل جماعة الإخوان، وفى حركة تعبر عن مدى مكر ودهاء «ناصر» قرر الذهاب إلى قبر «البنا» للترحم عليه، وأعلن أنه يدين بالولاء لفكره، وليس على المتاجرين بهذا الفكر، وأنه جند من جنود الإسلام، وهنا رد عليه «عبدالرحمن» شقيق حسن البنا وأحد قيادات الجماعة قائلاً إنك اليوم يا «ناصر» أصبحت زعيماً لكل المصريين.. وظل الصراع يتزايد بينهم، فحاولوا اغتيال «عبدالناصر» فى حادثة المنشية، وتم القبض على قيادات الجماعة وقتها وإعدام البعض منهم، مثل عبدالقادر عودة ثم سيد قطب فى الستينات، تلك الفترة التى نوه بها «مرسى» فى خطاب النصر والتتويج «الستينات وما أدراك ما الستينات»، وهنا يتضح أن خطابه كان موجهاً للعسكر وليس للشعب، لقد انتصرنا عليكم بعد صراع طويل، وأصبحت مقاليد الحكم فى أيدينا نحن الجماعة، وبعدها أطاح بكبار قادة الجيش «طنطاوى وعنان» ولا ننسى أنه فى احتفالات أكتوبر استبعدهم من الحضور إمعاناً فى إذلالهم، ولم يوجه لهم الدعوة لكنه اكتفى بدعوة قتلة الرئيس الراحل أنور السادات أحد «الضباط الأحرار»، وكانت هذه بمثابة صفعة قوية على وجه الجيش المصرى. وهنا أدرك الجيش أن الإخوان يقومون بتصفية الحسابات القديمة معه، رغم أن هذا الجيل لم يكن له دور فى التنكيل بالإخوان.. أقولها ل«مرسى» وجماعته: مصر وشعبها أكبر منكم جميعاً، وجيش مصر سيظل دائماً وأبداً ملكاً لكل المصريين، وأحمد الله أن حقيقتكم اتضحت للشعب، بدليل ما يحدث الآن فى المنصورة والمحلة ومدن القناة، ورجاء اعملوا لمصلحة مصر إن كنتم تحبونها «ولو أننى أشك»، وهذا الوقت ليس المناسب للانتقام، لأن انتقام الشعب سيكون أقوى وأسوأ.