موقف قادة الجماعة بالشورى ومن سار خلفهم من مدعى العلم بالدستور تجاه المحكمة الدستورية العليا أهم بكثير من موقفهم من قرارها تجاه قانون الانتخابات وأهم من التعديلات التى أدخلوها عليه. لو تابعت تصريحات «الثلاثى الدستورى» لعرفت حقيقة مشاعر ومواقف الجماعة من المحكمة وما ينتظرها مستقبلاً، فالجماعة لا ترغب فى رقيب عليها، ولا تقبل بجهة أعلى منها ومن قراراتها، وهى تعتقد فى امتلاكها الحكمة وأسرار الكون بما لا يتيح مراجعتها أو مراجعة قراراتها. مذيعة تسأل «الفقيه الدستورى» صبحى صالح فيجيب «إحنا عارفين بنعمل إيه». حالة من التعالى والعجرفة وادعاء احتكار العلم والفقه، هى سلوك طبيعى فهو قيادى الجماعة التى تعلم كل شىء، هو شعور يؤكد أن الجماعة لا تقبل بمراجعة فهى التى تعلم. لقد أكدت أول تجربة تعامل بين غرفة من غرفتى البرلمان مع الدستورية العليا أن المشكلة لا تكمن فى تهانى الجبالى أو حاتم بجاتو كما تخيلنا، وإنما المشكلة تكمن أساساً فى المحكمة ذاتها التى لا تطيق الجماعة وجودها، ولو استطاعت لفعلت وألغتها من الدستور «الكسيح» الذى أنتجته «فرقة حسب الله الدستورية». أما د. جمال جبريل ود. رمضان بطيخ فحدّث ولا حرج، قرار المحكمة بالنسبة لهما لا يناقش لأن المحكمة الدستورية العليا -كما قالا على نحو ما- لم تقرأ الدستور أو لم تفهمه، وأن ملاحظاتها على القانون غلط عدا ملاحظة وحيدة، والباقى كله يدل على عدم فهم.. وأن المحكمة تمنح نفسها أدواراً لا تملكها، هكذا ينظر الفقهيين الكبيرين لأعلى محكمة فى مصر وأكثرها تقديراً واحتراماً فى نفوس المصريين. الثلاثى صالح وجبريل ود. بطيخ لا يريدون الإقرار بأن مؤسسات الدولة متكاملة، وأن للبرلمان التشريع وللمحكمة العليا مراقبة تشريعات البرلمان، كما يراقب الناخب النائب، وبغير ذلك يستبد البرلمان بالتشريع ولا يجد من يقلل من غلوائه. كنت أتمنى أن يتعقل الجميع بإعادة القانون للمحكمة العليا بعد تعديله للتأكد من سلامة مواصفاته، لكن الغرور والعناد والحقد الشخصى على المحكمة أهدر هذه الخطوة وأصدر السيد الرئيس قراراً بدعوة الناخبين وسط مخاوف يخشى من عوار فى أحد جوانب القانون. لقد أكدت المحكمة العليا ضرورة إخضاع تصويت المصريين بالخارج لإشراف القضاء، لكن جهابذة القانون منحوا المصريين بالخارج حق التصويت عبر البريد بينما القانون ينص على إشراف القضاة على عمليتى الاقتراع والفرز، والتصويت بالبريد يعنى أن الناخبين اقترعوا من منازلهم بعيداً عن إشراف القضاء.. وهى ثغرة ربما تتيح لمن يلجأ لمنازعة التفسير للمحكمة العليا الحصول على حكم بوقف الانتخابات. لن يهدأ للجماعة بال إلا وقد حُلت المحكمة العليا أو أصدرت تشريعاً بإخلاء أغلب أعضائها وإحلال بديلا عنهم.. فالجماعة لا تريد أن يراقبها أحد أو ينازعها الحكم الذى تسعى لاحتكاره والانفراد به.