«استيقظت الأم كالمعتاد كل صباح.. وذهبت إلى حجرة ابنها لتوقظه للذهاب إلى المدرسة.. دخلت حجرة طفلها.. وجدته مستيقظاً جالساً على فراشه.. نظر إليها وفى عينيه دمعة متحجرة.. نظرت إليه وسألته بصوت خافت: الليلة أيضاً؟؟ لم يُجب الطفل.. أشار برأسه نعم.. نظرت إلى الفراش فوجدته مبللاً كالعادة كل صباح.. دارت فى رأسها آلاف الأفكار.. إلى متى هذا؟؟ رسمت شبح ابتسامة حزينة منكسرة على وجهها وقالت: هيا كى لا تتأخر عن المدرسة». يتكرر هذا المشهد فى كثير من الأسر المصرية كل صباح.. حيث يعتبر التبول اللاإرادى من أكثر الاضطرابات شيوعاً فى مرحلة الطفولة، وهو عبارة عن الانسياب التلقائى للبول ليلاً أو نهاراً، أو ليلاً ونهاراً معاً أثناء النوم لدى طفل تجاوز عمره السنوات الخمس، أى السن التى يُتوقع فيها أن يتحكم الطفل بمثانته. ونحن لا نعتبر أن هذه مشكلة مريض واحد وإنما هى مشكلة عائلية كاملة، لأنها حالة تؤثر سلباً على الطفل وعلى والديه، بل قد تصيب الوالدين بنوع من الشعور بالإحباط والأسف الشديد، ومن جهة فهى تصيب الطفل بنوع من الخجل، مما يجعله مثاراً للسخرية والتندُّر بين إخوته ومن حوله. كما تُسبب له شعوراً بالنقص الذى يؤدى إلى فشل دراسى والشعور بالذلة والخجل، والميل إلى الانزواء والنوبات العصبية وغير ذلك، وتؤدى هذه المشكلة بالطفل إلى الميل نحو العنف فى التعامل مع أقرانه، مما يسبب النوم المضطرب للطفل، وكذلك الأحلام المزعجة وتدهور الحالة العصبية والنفسية. ويمكن أن يكون التبول أولياً (Primary)، بحيث يظهر فى عدم قدرة الطفل منذ ولادته وحتى سن متأخرة على ضبط عملية التبول. أو يكون التبول ثانوياً (Secondary)، بحيث يعود الطفل إلى التبول ثانية بعد أن يكون قد تحكم بمثانته لفترة لا تقل عن سنة. ولكن نطمئن الوالدين.. فلا بد أن يكون هناك علاج لهذه المشكلة.. ولكن لا بد أن نتعرّف أولاً على الأسباب المؤدية إلى هذه المشكلة. هناك أسباب عضوية كثيرة ينبغى البحث عنها واستبعادها أو علاجها إن وجدت فى حالات التبول اللاإرادى عند الأطفال مثل: 1 - اضطرابات المثانة (الالتهابات- صغر حجم المثانة- ضيق عنق المثانة). 2 - النوبات الصرعية الصغرى والكبرى. 3 - انقسام الفقرات القطنية بالعمود الفقرى. 4 - التهاب الحبل الشوكى. 5 - الإصابة بالسكر الوراثى. 6 - الأعراض الجانبية لبعض الأدوية. 7 - العامل الوراثى يلعب دوراً مهماً.. فحسب الإحصائيات هناك 75% من الأطفال المصابين بالتبول اللاإرادى لهم آباء أو أمهات كانوا مصابين بذلك عند الصغر. 8 - ودراسات أخرى أظهرت وجود نقص فى هرمون (ANT DIURTIC HORMONE) فى فترة الليل، وهذا الهرمون يتحكم فى عملية البول. أيضاً فى حالة عدم وجود أى من هذه الأسباب، هناك أسباب نفسية متعددة قد تكون السبب الرئيسى لهذه المشكلة.. منها سوء المعاملة للطفل فى المدرسة أو فى المنزل أو المشكلات الأسرية، خصوصاً مع الأطفال الحساسة أو ميلاد طفل جديد فى العائلة، وانحسار الاهتمام عن الطفل المريض، فيكون هذا المرض وسيلة إلى جذب الاهتمام، وينبغى أن ندرك ألا نعامل كل الحالات من منظور واحد، فينبغى أولاً التشخيص الدقيق وتقييم الحالة، ثم تحديد نوع العلاج المناسب لكل حالة على حدة. العلاج يتحدد فى بعض التعليمات للأم بالتدريب التدريجى للطفل على دخول دورة المياه بصورة منتظمة قبل النوم وتشجيع الطفل على عدم التبول ليلاً بحافز معنوى، والبعد الكامل عن استخدام العنف فى مثل هذه الحالات، والإقلال من السوائل التى تحتوى على مادة الكافيين. ثم يأخذ العلاج الدوائى دوره فى بعض الحالات التى تحتاج طبقاً لرأى الطبيب المعالج.. ولا يكون هذا العلاج مهماً، إلا للحالات التى بها سبب عضوى.. وهناك بعض الحالات التى تحتاج إلى التنبيه مرة أثناء النوم، وتنصح الأم بإيقاظ الطفل مرة واحدة أثناء الليل لتنبيه بعض المراكز بالمخ وتدريبها.. وهناك بعض الأجهزة التى تُستَعمل بهذا الصدد، مثل الحفاضات التى يلبسها الطفل أثناء النوم وتصدر صوتاً عند ابتلالها، مما يوقظ الطفل فور حدوث التبول، فيعتاد على هذا الفعل.. إن التعرُّف على هذه المشكلة بشكل علمى ومن متخصصين يحمى الأسرة من الوقوع فى براثن الكثيرين ممن يدّعون القدرة على علاج هذه الأمراض بأعشاب مجهولة أو بطرق بعيدة عن العلم.