العرب هم الشعب الوحيد الذى يقسّم الشرف حسب جنس الإنسان، فالرجل العربى يظل شريفاً وإن مارس الموبقات مع كل نساء الأرض وربما احتفى بفحولته وغزواته وانتصاراته، أما المرأة فبمجرد نظرة أو لمسة من متلصص مريض تنزع عنها صفة الشرف وتصبح الفاجرة الداعرة الفاسقة، برغم أنها الضحية والمفعول به!، ومصر بالطبع ليست استثناءً بل هى قلب العروبة النابض الذى أصبح نموذج التطرف الذى تهابه السعودية وتخشاه الإمارات وربما يطالبه تنظيم القاعدة بالاعتدال!، وعندما رفع توفيق الدقن شعاره الشهير الأثير «أحلى من الشرف مافيش» كان يمثل الشرف الأستك الرجالى ال«أُول سايز» الذى يتسع لكل الخطايا، شرف الرجل الذى اكتسب المرونة وغطاء الشرعية من كونه لا يملك غشاء بكارة يعلن عنه ويبحث عنه المجتمع كختم على أن مدة صلاحية الشرف ما زالت سارية. ما حدث من مناقشات فى مجلس الشورى حول ظاهرة التحرش فى جلسة تحولت إلى جلد للفتيات وإعلان صريح كشف الوجه القبيح للثقافة المصرية الذكورية المنافقة الكريهة التى تحمل كماً من العدوانية والفوبيا للمرأة ليس لها مثيل فى الكون بكواكبه ومجراته!، نفس منطق إدانة البنت المسحولة أم عباية بكباسين امتد إلى فتاة التحرير التى نزلت لتعبر عن رأيها فتحرش بها ضباع تربوا فى مدرسة أن البنت قطعة لحم مشتهاة على كل عابر سبيل تذوقها!، للأسف ليست هذه ثقافة تيار متطرف فقط ولكنها ثقافة وطن شماعة أخطائه ولوحة تنشين كبته وتعثره وفشله هى المرأة، وسأثبت لكم من خلال إنعاش الذاكرة كيف أنها ثقافة شعب لا تيار، من الممكن أن يكون تيار الإسلام السياسى أبرز الكراهية وكشف عنها غبار النسيان، لكن اللى فى القلب فى القلب والجذور ضاربة فى الأعماق والجينات ضربها عطب التعصب والبداوة. أذكركم بثلاث قصص أو قضايا قديمة؛ القضية الأولى هى القضية الشهيرة باسم فتاة المعادى التى خدمها وضعها الطبقى فى متابعة القضية وتجريم الجناة، وهى الفتاة التى اغتصبها أربعة من عمال البناء الذين لمحوا أثناء سيرهم ليلاً بعد انتهاء عملهم شاباً وفتاة يمارسان فعلاً فاضحاً، وهو الأمر الذى أثارهم جنسياً، فاندفعوا نحوهما لينحيا الشاب جانباً ويحلون محله الواحد تلو الآخر، وبحثت الشرطة على الفور عن الجناة وتابعت الصحافة باهتمام مذهل وحكم مسبق حشده له الرأى العام، فصدر الحكم على وجه السرعة بالإعدام، أما القضية الثانية فهى قضية فتاة إمبابة التى اغتصبها سبعة رجال بعد بضعة شهور من حادث المعادى، والحكاية أن المرأة وزوجها كانا لدى محاميهما فى مكتبه بشأن قضية لهما وعند نزولهما مع المحامى ليلاً خرج عليهم سبعة رجال اختطفوا السيدة وأخذوها فى عشة وتناوبوا اغتصابها حتى الصباح، وبعد القبض على الجناة انتظرنا أن تتحمس الصحف لفتاة إمبابة كما تحمست لفتاة المعادى، ولكن هيهات فقد لزمت الصحف الصمت، ومن اهتم ونشر كتب بالبنط الصغير، وصدر الحكم بسبع سنوات لكل منهم برغم أن الحالة الثانية كانت أخطر وأقسى، فقد كانت سيدة إمبابة تمشى مع زوجها ومحاميها وبكامل ملابسها، وعدد المغتصبين سبعة، ولكن الفرق بين الحكمين هو الفرق بين المعادى وإمبابة، أما القضية الثالثة فقد كانت قضية فتاة العتبة التى كانت تنتظر الأوتوبيس فى موقف العتبة وأثناء الهرج والمرج الذى يحدث عند قدوم الأوتوبيس، امتدت يد أحد العابثين إلى ما تحت ثيابها فصرخت وسقطت على الأرض وسقط فوقها بعض الركاب الذين اتُهموا باغتصابها، وأصبح جسد فتاة العتبة مباحاً للجميع، وسألتها بعض الصحف: هل فقدت بكارتك؟!، بالطبع كانت مثل تلك الأسئلة حلالاً على فتاة العتبة وحراماً على فتاة المعادى لأن الثانية بنت ناس والأولى بنت بيئة!!، وهكذا خضع الشرف فى مصر للتقسيم الطبقى والتمييز العنصرى والظروف الاقتصادية وجاءت عباءة الدين بعد الثورة لتضفى على المشهد أبعاداً أخرى تدين المرأة فى كافة صورها، وتختلف الدرجات ولكن الوضع واحد، وهنا تكون المرأة الفقيرة ويا حبذا لو كانت من دين مختلف أو مذهب مغاير فى أدنى درجات السلم الاجتماعى وأعلى درجات الإدانة الأخلاقية!. متى تتوقف العيون الجائعة عن ارتداء نظارات الأخلاق الزائفة؟، متى يمتنع الدجالون والحواة واللصوص عن ممارسة الوصاية ووضع قواعد التربية وقياسنا على مقاس مسطرة ضميرهم الفاسد المعطوب الكذوب؟، متى نتوقف عن سؤال متى؟.