فى بيوت مصرية أصيلة ولدوا، لم يتمتعوا برغد العيش، ولم يباهوا الآخرين بملابسهم الثمينة ولا بأثاث منزلهم الفاخر، إنما فقط تميزوا عمن حولهم بالقدرة على التضحية بأرواحهم، فداءً لهذا الوطن؛ جابر صلاح جابر الشهير ب«چيكا»، يعيش فى حارة قديمة بحى عابدين، ويعمل فى إحدى الشركات منذ أن كان بالصف الثالث الإعدادى، لتوفير مصروفات الدراسة، راح ضحية رصاص الغدر، بينما استشهد إسلام فتحى مسعود، الذى يعيش فى منزل بسيط فى شارع جانبى لحارة سد بمحافظة البحيرة، دفاعاً عن الإعلان الدستورى. ناهيك عن بيوت بورسعيد الفقيرة، التى اتشحت بالسواد حداداً على أبنائها. «الطبقة الوسطى دائماً تفجر الثورات، لكنها لا تستطيع أن تصمد»، هى حقيقة تاريخية استشهد بها حسن عبدالوهاب، أمين حزب التجمع فى شرق القاهرة، للتدليل على ظاهرة توصل إليها الحزب من خلال جولاته المكثفة على أسر شهداء الثورة، بأن أغلب شهداء الثورة، خاصة فى الفترة الأخيرة، ينتمون للطبقة الفقيرة، فمن بعد 29 يناير 2011 حدث تغير فى التركيبة الثورية، وتراجعت القوى الفاعلة من أبناء الطبقة الوسطى، وحل محلها شباب الطبقات المعدِمة، وهم ما زالوا صامدين فى وجه النظام حتى الآن، بينما اكتفى من تبقى من أبناء الطبقى الوسطى، الذين فجروا الثورة، بأن يكونوا رموزاً، يتصدرون المشهد القيادى، ويديرون المؤتمرات والفعاليات المختلفة. تم التوصل إلى تلك الظاهرة من خلال قيام مجموعة من شباب الحزب بتفقد أحوال قطاع كبير من أُسر الشهداء، والاطلاع على ظروفهم المعيشية، وكانت النتيجة أن أكثر من 98% من الشهداء كانوا من الطبقة المعدِمة، خاصة الأُسر التى زاروها فى محافظة بورسعيد، كما أخذوا عينه لأسر الشهداء فى منطقة عين شمس، عبارة عن 10 أسر، فوجدوا أن 9 منهم تعيش فى «أوضة وصالة»! فرّق «عبدالوهاب» بين شهداء المظاهرات والميادين، وشهداء اليوم من أبناء الطبقة الفقيرة، فالشهداء الأوائل للثورة، فى رأيه، سقطوا أثناء التظاهر والاحتجاج، بينما أغلب شهداء الطبقة المعدمة سقطوا أمام أقسام الشرطة، وهم يشاهدون الاشتباكات، فكان القدر وإخفاقات النظام سبباً فى استشهادهم.