ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الخميس 27 يونيو    أسعار السلع الأساسية في مصر اليوم الخميس 27 يونيو 2024    اجتماع مرتقب ومفاجآت في سعر اسطوانة البوتاجاز.. هل يرتفع سعر السولار والبنزين؟    وكالة: الجيش البولندي يعتمد قرارا يمهد للحرب مع روسيا    إصابة شاب فلسطينى برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلى المقتحمة ل"جنين"    القناة ال 12 الإسرائيلية: الجيش بدأ تحريك قوات للشمال استعدادا لحرب محتملة مع حزب الله    يورو 2024| كل ما تريد معرفته عن دور المجموعات    قبل قرار المجلس النهائي.. موعد مباراة الزمالك وسيراميكا في الدوري المصري    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مواجهات الخميس 27- 6- 2024.. من يتصدر؟    طقس شديد الحرارة في مصر اليوم الخميس 27 يونيو 2024    هل اقتربت إيرادات فيلم ولاد رزق 3 من 180 مليون جنيه؟.. شباك التذاكر يجيب    إبراهيم عيسى: إزاحة تنظيم جماعة الإخوان أمنيًا واجب وطني    انخفاض أسعار النفط بعد زيادة مفاجئة في المخزونات الأمريكية    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟ أمين الفتوى يجيب    حبس عامل قتل آخر في مصنع بالقطامية    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    إعلان نتيجة الدبلومات الفنية الشهر المقبل.. الامتحانات تنتهي 28 يونيو    7 معلومات عن أولى صفقات الأهلي الجديدة.. من هو يوسف أيمن؟    غارة إسرائيلية تستهدف مبنى شمال مدينة النبطية في عمق الجنوب اللبناني    دعاء الاستيقاظ من النوم فجأة.. كنز نبوي منقول عن الرسول احرص عليه    هانئ مباشر يكتب: تصحيح المسار    تسجيل 48 إصابة بحمى النيل في دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال 12 ساعة    فى واقعة أغرب من الخيال .. حلم الابنة قاد رجال المباحث إلى جثة الأب المقتول    إصابة محمد شبانة بوعكة صحية حادة على الهواء    حظك اليوم| برج الأسد 27 يونيو.. «جاذبيتك تتألق بشكل مشرق»    حظك اليوم| برج الجدي الخميس27 يونيو.. «وقت مناسب للمشاريع الطويلة»    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    سموحة يهنئ حرس الحدود بالصعود للدوري الممتاز    حقوقيون: حملة «حياة كريمة» لترشيد استهلاك الكهرباء تتكامل مع خطط الحكومة    فولكس ڤاجن تطلق Golf GTI المحدثة    17 شرطا للحصول على شقق الإسكان التعاوني الجديدة في السويس.. اعرفها    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    مقتل شخصين في ضربة جوية إسرائيلية على جنوب العاصمة السورية    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    منير فخري: البرادعي طالب بالإفراج عن الكتاتني مقابل تخفيض عدد المتظاهرين    سيدة تقتحم صلاة جنازة بالفيوم وتمنع دفن الجثمان لهذا السبب (فيديو)    محاكمة مصرفيين في موناكو بسبب التغافل عن معاملات مالية كبرى    العمر المناسب لتلقي تطعيم التهاب الكبدي أ    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    فشل التمرد في بوليفيا.. قوات الجيش تنسحب من القصر الرئاسي بأمر القائد الجديد    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    يورو 2024، تركيا تفوز على التشيك 2-1 وتصعد لدور ال16    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله جول:"زمن الشعارات"انتهى..ولا يستطيع أحد أن يخدع"بوصلة الوعي"لدى المواطنين
نشر في الوطن يوم 06 - 02 - 2013

فى الرابعة والنصف من مساء الأربعاء 30 يناير الماضى، كان موعدنا فى قصر الرئاسة بأنقرة. تتداعى فى مخيلتى، والسيارة تسير فى اتجاه القصر عبر شوارع العاصمة السياسية لتركيا، السنوات العشر الماضية فى حياة تلك الأمة، التى نجحت فى تقديم تجربتها لا للعالم الغربى باعتبارها نموذجا حديثا للفكر الإسلامى وقدرته على المشاركة الدولية بشكل فعال، ولكن على المستوى الإقليمى أيضاً، حتى إنها باتت مرجعية للكثير من نظم الحكم الصاعد الآن، خاصة فى مصر. نقترب من بوابة القصر فلا نلمح وجوداً لأى حراسة خارجه، مجرد أسوار عادية لقصر على مساحة كبيرة. يلفت نظرك داخل ساحة القصر أكثر من مبنى أنيق، يخبرنى مرافقى أن أحدها كان بيت مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال، الملقب ب«أتاتورك»، وقد تحول لمتحف الآن يضم جميع مقتنياته. نصل لقصر الرئيس فألاحظ وجودا مميزا للمرأة بين مساعدى الرئيس. يقودنى مرافقى إلى المكتب الرئاسى فأجد الرئيس جول فى منتصفه فيصافحنى بتواضع. لا تستطيع أن تبعد عن مخيلتك سنوات كفاح هذا الرجل. ولا أن تتغاضى عن خبرته الاقتصادية التى اكتسبها عن دراسة وممارسة، لكن تطل عليك من طيات حديثه صورة لوالده الذى كنت قد علمت أنه عامل خراطة أصر على الاحتفاظ بورشته والعمل بها فى محافظة قيصرى التركية، حتى بعد أن صار ابنه رئيسا لتركيا. وكيف أثر هذا الأب فى مسيرة ابنه منذ كان طالبا حينما شجعه على ممارسة العمل السياسى عبر اللجان الطلابية، وهو ما منح «جول» الابن فرصة التتلمذ على يد السياسى نجم الدين أربكان منذ سنوات بعيدة. يبدأ الحوار فيتحدث الرئيس عن تأثير تنقله من حزب لآخر، رافضا وصف ما انتمى له من أحزاب بالإسلامية؛ لأن الدستور التركى يمنع ذلك، فتدرك قيمة الدستور واحترام القانون حتى فى الكلمات. يؤكد أن اختيار مساعديه وأى مسئول فى الدولة يخضع لمعيار الكفاءة فقط وأنه لا مكان للولاء الفكرى أو السياسى فى الاختيار. يبهرك بالثقة الشديدة فى قدرات وطنه على تحقيق المزيد من الطموحات بحديثه عن تركيا 2023. أسأله عن رؤيته لما يحدث فى مصر، فيجيب: «أنتم تختبرون التجربة الديمقراطية منذ فترة وجيزة.. ستحدث نجاحات وإخفاقات على طول الطريق، لكننى أقول دائما: إن الإسهام الشعبى فى العملية الديمقراطية أمر لا بد منه. يتركنى وأنصرف، تتردد فى نفسى كلماته وأتساءل: هل من مجيب؟ وهكذا دار الحوار مع الرئيس التركى عبدالله جول فإلى نصه..
■ ما بين حزب «الرفاه» وحزب «الفضيلة» وحزب «العدالة والتنمية» كان تنقلك عبر سنوات حياتك السياسية.. كيف أثر انتماؤك لأكثر من حزب سياسى فى خبراتك كرئيس دولة؟
- هذا سؤال صعب، لكن دعينى أقُل إننى انخرطت فى الحياة السياسية والبرلمانية منذ عام 1991، ومارست من قبلها السياسة عبر الحركات الطلابية فى الجامعة، وهو ما أكسبنى العديد من الخبرات وجعلنى قريبا من هموم ومعاناة المواطن البسيط الذى كنت ممثلا له عبر العديد من الأدوار السياسية التى لعبتها، بدءاً من عضويتى فى البرلمان عام 1991 ولمدة 10 سنوات مرورا بكونى أول رئيس وزراء بعد نجاح حزب التنمية والعدالة عام 2002 وعملى وزيرا للخارجية وانتهاءً بانتخابى رئيسا لتركيا. كل هذا منحنى خبرات سياسية أصقلتها التجربة الحزبية.
■ الانتقال من حزب «الرفاه» لحزب «الفضيلة» لحزب «العدالة والتنمية» هل كان مجرد انتقال من حزب إسلامى لآخر بغض النظر عن الاسم، أم أنه حمل اختلافا منحك نضج التجربة السياسية ذات الطابع الإسلامى؟
- هنا فى تركيا لا نعتبر تلك الأحزاب التى ذكرتِها أحزاباً إسلامية. نهتم بالفكر الإسلامى فى تاريخنا وثقافتنا ولدى شعبنا، لكننا نحترم القانون التركى والفكر الذى تأسست عليه دولتنا. ونؤمن بأن الشعب من حقه أن يمارس حريته الطبيعية تجاه القضايا القومية بشكل يرضيه عامة. كنا نرى التجربة الغربية وكيف تنعم بالديمقراطية عبر ممارسة أحزاب مسيحية للسياسة. فأردنا أن نقدم تجربة نقول من خلالها إن الإسلام يحمل فى طياته المرونة التى تتيح تأسيس أحزاب تُزاوج بين الفكر الإسلامى السمح وبين أفكار الديمقراطية التى تدعم حقوق الإنسان وحرياته؛ لأن الإسلام ذاته يقوم على احترام حرية الفرد وأهمية حقوقه الشخصية والعامة. كما كنا نؤمن أن الشعب التركى يمكنه التعبير عن نفسه من خلال أحزاب تحمل تلك الرؤية. ومررت بالتجربة أنا وزملائى عبر تشكيل حزب «الرفاه» ثم حزب «الفضيلة» وأخيرا حزب «العدالة والتنمية». وتكونت الرؤية خلال سنوات العمل واستفدنا من كل ما مر بنا وانتهينا لضرورة أن يتوجه الحزب للشعب بجميع أطيافه ويعبر عن كل همومه ويسبق تطلعاته.
■ لماذا قمتم قبل تأسيس حزب «العدالة والتنمية» بعمل استطلاع رأى بين المواطنين الأتراك على اختلاف انتماءاتهم لمعرفة أهم القضايا التى يؤمنون بضرورة تناولها سياسيا؟
- لأننا كنا نريد أن نضع برنامجا حزبيا يعبر عن الجماهير لا عن رؤيتنا نحن. فقمنا بعمل استطلاع للرأى على أسس علمية حديثة ومتطورة لنصل إلى عمق ما يفكر فيه المواطن البسيط أيا ما كان انتماؤه؛ لأننا أدركنا أن أى حزب سياسى يريد النجاح عليه أن يكون مُطلعا على اهتمامات الشعب ومشكلاته؛ فقد أثبتت التجربة أن تأسيس الأحزاب على أسس أيديولوجية يؤمن بها مؤسسوها، أو الداعمون لها، قد يمنح تلك الأحزاب صوت الناخب مرة واحدة أو مرتين على الأكثر، لكن الأكثر فاعلية أن تستند الأسس الحزبية لأى كيان سياسى على ما يطلبه الشارع ويبحث عنه. وقد وجدنا من خلال هذا البحث أن خدمات التعليم والصحة والمواصلات والنظافة هى ما يبحث عنه المواطن التركى وتأتى على قائمة أولوياته. ومن هنا وضعنا برنامج الحزب الذى فاجأ الجميع بفوزه بنسبة 34% فى أول انتخابات له عام 2002؛ لأننا ببساطة خاطبنا المواطن البسيط وأقنعناه بصدقنا فى قدرتنا على تحقيق أحلامه ورفع المعاناة عن كاهله. والتزمنا بما وعدناه به فى الانتخابات فوثق بنا ومنحنا صوته فى الانتخابات التالية. لقد أثبتنا بما لا يدع مجالاً للشك خطأ مقولة إن شعوب المشرق لا يمكنها تقديم نموذج ديمقراطى متقدم، وأكدنا إمكانية نجاح التجربة الديمقراطية فى بلادنا كما يعيشها العالم المتقدم، كنا نستند على تراثنا الحضارى ونتطلع فى ذات الوقت لما سبقتنا له أمم الغرب المتقدم. فعرف المواطن البسيط أننا قادرون على ممارسة الديمقراطية وبناء مجتمعات مدنية معاصرة وفى ذات الوقت تقديم خدمات أفضل فى الصحة والتعليم والمواصلات والاقتصاد وتحسين الدخل للمواطنين وغيرها من المجالات. وهكذا جاء تأسيس حزب «العدالة والتنمية» بعيداً عن أى نظرة أيديولوجية؛ لأننا أدركنا عبر تجارب كثيرة لنا ولغيرنا أن الزمن الحالى لم يعد زمن الأيديولوجيات والشعارات، بل زمن العمل والإنجاز وتقديم نتيجة ملموسة يشعر بها المواطن، فيكون هو الداعم الأول لك ولحزبك.
■ يرى البعض أن مفاهيم الديمقراطية والحريات لا تتناسب مع شعوب تعانى مشكلات اقتصادية طاحنة، وهو ما كان حادثا فى تركيا وقت تقلدكم السلطة عام 2002، كيف تعاملتم مع تلك القضية؟
- تلك مقولة خاطئة؛ فقد آمنا أن تحقيق الديمقراطية وتقديم الخدمات للمواطنين أمران متكاملان مع بعضهما البعض؛ فاحترام الحريات والتأكيد على سيادة القانون وتفعيل الممارسة الديمقراطية أمور مهمة؛ لأنها تتعلق بتطلعات الشعب فى حياة أفضل، وعلى أى حزب يريد كسب ثقة الجماهير أن يسير فى الطريقين معا وبالتوازى مع تحسين الاقتصاد وتطوير خدمات الصحة والتعليم والاقتصاد والمواصلات وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل. تلك أمور لا تمكن تجزئتها أو منح أحدها أولوية على حساب الآخر. ولا صحة لمقولة إن الديمقراطية هدف النخبة فقط، الديمقراطية حق للجميع فى الوطن يدعمها الإنجاز الحقيقى للأهداف العامة للمجتمع. وهكذا تتكامل السياسات وتتمازج مع بعضها، فيقتنع المواطنون أن الحزب السياسى يسعى لمنحهم الأفضل، فيمنحونه دعمهم وتأييدهم.
■ بعد عشر سنوات من وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، أعلنت الحكومة التركية إقراض صندوق النقد الدولى مبلغ 5 مليارات دولار، هل لك أن تشرح لنا كيف حدث هذا التطور فى تلك الفترة القصيرة نسبياً؟
- كانت فترة صعبة اقتصاديا على تركيا مع بداية تقلدنا السلطة بعد انتخابات 2002؛ فقد كان هناك العديد من البنوك التى أعلنت إفلاسها مع تراجع يومى فى قيمة العملة منذ عام 2000/2001، ومعدلات تضخم غير معقولة. أعتقد أن ما مررنا به يشبه لحد كبير تلك الظروف التى تمرون بها فى مصر الآن أو أكثر، لكننا اتبعنا السياسات الصائبة بلا تهاون وبحسم وبشفافية فى ذات الوقت، لإقناع الشعب بأن ما اتخذناه من قرارات وخطوات هو السبيل الوحيد للارتقاء به وحل مشكلاته. ووضعنا خطة عمل متكاملة المعالم للنهوض بالاقتصاد التركى من عثرته التى كان يعانيها. وشملت الخطة مضاعفة الاستثمارات وجذبها، زيادة الإنتاج، تجديد البنية التحتية.. وناقشنا قضايا الضرائب والدعم وغيرهما من الأمور. ورحب صندوق النقد الدولى بخطتنا وقتها فتعاملنا معه لحين، لكن وبمجرد استقرار قواعدنا الاقتصادية، توقفنا عن الاقتراض وفضلنا الاعتماد على أنفسنا فى إكمال المسيرة عبر مضاعفة الإنتاج فى جميع المجالات. وعموما فإن نجاح أى خطة اقتصادية يعتمد على استمراريتها بشكل عملى ومنهجى، مع وجود المرونة فيها لتغيير بعض الخطوات فى حال حدوث أى تغيرات أو ظروف طارئة، بشكل يضمن تحقيق الأهداف المرجوة؛ فالله، سبحانه وتعالى، يعطى دون مقابل، لكن الحكومات لا تستطيع ذلك؛ لذا رفعنا الأسعار فى 2002 وكذلك الضرائب على بعض السلع مع رفع الدعم عن بعضها الآخر، لكننا استمررنا لنحو ستة أشهر دون تراجع عن تلك المخططات، وخلال عام بدأنا نرى نتيجة ما قمنا به ووضح أثره على الاقتصاد. المهم هو الثبات فيما يتم أخذه من قرارات والصبر لفترة عليها ورؤية نتائجها.
■ أيهما الأفضل لصانع الحضارة: مغازلة الجماهير وكسب عواطفها بوعود طيلة الوقت لكسب دعمها، أم مصارحتها دوما بالحقائق وإشراكها فى صناعة مشروعه وتحميلها المسئولية؟
- هذا سؤال صعب توجيهه لرجل دولة، لكن فى رأيى أنه من الضرورى المزج بين الأسلوبين؛ فرجل الدولة يجب أن يكون مالكا للرؤية والهدف الذى يسعى لتحقيقه، ثم القدرة على وضع السياسات الصحيحة المناسبة لتحقيق الهدف، مع عدم ارتكاب أى أخطاء. فى ذات الوقت عليه أن يكون مستمعاً جيداً لمطالب وتطلعات الجماهير وانتقاداتهم؛ إذ كيف له أن يتمكن من إقناعهم والتواصل معهم لمشاركته المسيرة وهو لا يستمع لهم؟ بالإضافة إلى شىء مهم هو عدم ترحيل المشكلات للأجيال المقبلة؛ فلا معنى أن يمنحهم حياة مريحة اليوم عبر الاقتراض أو عدم تنفيذ سياسات اقتصادية حاسمة، وتركهم يعانون فى المستقبل. فى تاريخنا الحديث مقولة للرئيس السابق تورجوت أوزال حين تولى السلطة عام 2002 مخاطبا الشعب: إنه لا يعدهم بحياة رغدة ولا هانئة، لكنه يعدهم بالتعب والكد والمعاناة من أجل أن تسعد الأجيال المقبلة بنتيجة تعبنا وكفاحنا. وهذا واجب الآباء: أن يتعبوا من أجل أبنائهم. وأضاف وقتها انه لن يكذب أبدا على الشعب بل سيصارحهم بكل التطورات وطبيعة المواقف. وحينما انتخبنا عام 2002 قلنا للشعب: أولونا الثقة اللازمة؛ لأننا نريد أن نعبر بكم لبر الأمان؛ لذلك يجب أن نسير فى طريق الكفاح حكومة وشعباً.
■ صرحتم فى عام 2002 بأن تركيا بدأت عهدا جديدا وسيشهد كُتاب التاريخ بذلك بعد سنوات.. من أين أتيت بتلك الثقة وقتها؟
- الصدق فيما كنا نريد القيام به لشعبنا من جانب، والإرادة القوية فى توظيف كل الظروف وتحدى كل المعوقات من جانب آخر، كانا وراء تلك الثقة. كنا نسعى ونحلم فى ذات الوقت، وكلما حققنا هدفا زادت ثقتنا فى قدرتنا على تحقيق بقية الأهداف؛ لذا فإننا اليوم ومع كل ما حققناه، ما زلنا نرى أن أمامنا الكثير الذى علينا تحقيقه لشعبنا. ومن هنا كان إعلاننا هدف «تركيا 2023» لتكون تركيا القوة الاقتصادية والسياسية رقم 10 على العالم عبر بذل المزيد من الجهد والإنتاج لنصل بمتوسط دخل الفرد السنوى إلى 25 ألف دولار. واخترنا هذا العام لأنه يوافق الذكرى المائة لتأسيس الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك. ونثق، بإذن الله، فى قدرتنا على تحقيق ما أعلناه؛ لأننا صدقنا شعبنا فمنحنا ثقته ودعمه.
■ رغم أنك مَن أرسى قاعدة «تصفير المشاكل» التى اعتمدتها تركيا فى علاقاتها بدول العالم، خاصة دول الجوار، واعتمدت على عدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة، فإن تلك السياسة تغيرت مع اندلاع ثورات الربيع العربى، لماذا؟
- هذه أمور خارجة عن إرادتنا.. نعم أسسنا لسياسة «تصفير المشاكل» وأعلنّا منذ صعود حزبنا للحكم أن تركيا لن تتدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة، وطورنا العلاقات مع الجميع، لكن تغيرت ظروف المنطقة بشكل لم يكن فى الحسبان، كما حدث مع سوريا حينما رفعت الدولة السلاح فى وجه المعارضة المطالبة بحقوقها، وهو ما حدث فى ليبيا ومصر وتونس. نحن لا نبحث عن الأدوار، لكن الأدوار هى التى تبحث عنا، كما أننا لا نسعى للعب دور البطولة أو الزعامة كما يردد البعض. إنما هناك حقائق للجغرافيا والتاريخ لا يجب إهمالها ولا التغاضى عنها؛ لأننا جزء من هذه المنطقة ونرى أن دولها تمثل عمقنا التاريخى والاستراتيجى، وهو ما يجعل هناك مسئوليات تحتمها حالة التجاور من دون تدخل فى سياسات أى دولة أو فرض رؤية عليها.
■ حينما ترشحتم للرئاسة عام 2007 واجهتم معارضة من بعض المؤسسات فى الدولة وكذلك بعض الأحزاب السياسية، لكنكم نجحتم فى حصد الأصوات فى البرلمان التى وصلت بكم للرئاسة، كيف تم هذا؟
- يحتاج رجل الدولة والسياسة للتحلى بالصبر والحكمة لإزالة مخاوف الجماهير تجاهه، مع الحرص على عدم التنازل عن الثوابت التى يؤمن بها، واحتواء كل الأطراف والاستماع الجيد الإيجابى لهم وإشعارهم أنهم شركاء فى مسئولية بناء الوطن الذى يسع الجميع. وهذا ما حدث معى؛ لأننى، منذ اللحظة الأولى لممارستى العمل السياسى، أعتبر نفسى ممثلا لكل الأتراك لا لمؤيدى حزبى الذى أنتمى له وحسب.
■ وتلك نقطة مهمة أخرى؛ فعلى الرغم من انتمائك لحزب «العدالة والتنمية» فإنك ترفض التمييز الحزبى لك وتقول إنك رئيس كل الأتراك، كيف مارست ذلك فى الحقيقة؟
- أولاً: عن إيمان صادق أننى رئيس لكل الأتراك، ثم كانت الخطوة الأساسية بتقديم استقالتى من الحزب بشكل كلى لا من منصبى كقيادى فيه، وبهذا انقطعت صلتى به حزبيا. الدستور لدينا فى تركيا ينص على حتمية أن يكون رئيس الجمهورية محايدا وخارج أى أُطر سياسية، كى ينجح فى التعبير عن الشعب التركى بجميع أطيافه؛ لذلك فتحت بابى للجميع دون أى تمييز بين من كان يؤيدنى أو من كان يعارضنى أو يرفض وجودى. هكذا هى الديمقراطية التى تبنيناها.
■ ماذا عن مساعديك ومستشاريك فى مؤسسة الرئاسة؟ هل ينتمون لحزب «العدالة والتنمية» أم يمثلون أطيافا شتى فى المجتمع؟
- القاعدة الرئيسية فى اختيار أى مسئول فى الدولة، سواء فى مؤسسة الرئاسة أو غيرها، هى الكفاءة لا الولاء الحزبى أو النفسى أو الفكرى؛ لأننا لدينا خطط وبرامج لا بد من تنفيذها وأهداف نسعى لتحقيقها، وهذا يتطلب اختيار الشخص المناسب فى المكان المناسب، حتى لو كان مخالفا لفكرى أو نظرتى للأمور، فلا يمكن أن أختار مسئولين لتأدية مهام فى الدولة لمجرد ولائهم لى أو لنفس الفكرة الحزبية التى أتبناها. الكفاءة هى الأساس الذى يتم من خلاله اختيار أى مسئول.
■ إذن فى ظل تلك النظرة للديمقراطية والممارسة السياسية لرجل الدولة، كيف تقيمون أداء أنظمة الحكم المنتمية للتيار الإسلامى فى دول مثل مصر وليبيا وتونس؟
- يجب أن نفهم أن المنطقة كلها كانت تعانى حكومات شمولية ذات طابع ديكتاتورى لم يكن يقبل بتعدد الآراء ومنح الحريات؛ لذا تتطلب المرحلة الانتقالية أن تستوعب الشعوب المعنى الحقيقى للديمقراطية، وإدراك النخب السياسية كيفية التعامل مع طموحات شعوبها. ولو ركزنا حديثنا على منطقة الشرق الأوسط فلا بد أن ندرك أنه لا يمكن النظر للأمر بصورة وردية، ستحدث أخطاء وتجاوزات، لكن يجب أن يعلم الجميع أن هناك شعوبا خرجت للمطالبة بكرامتها وحقوقها وحرياتها وعلى الأنظمة الجديدة تفهم ذلك؛ لأنها حقوق مشروعة فى الكون. وفى نفس الوقت علينا أن ننظر للمستقبل بتفاؤل ونؤمن بقدرات كل شعب على تحقيق ما خرج مناديا به فى ثورات الربيع العربى التى ألهمت العالم كله بصوتها المنادى بالحرية. وعلى الشعوب فى نفس الوقت تعلم الصبر. وأعتقد أن مصر وتونس على الطريق الصحيح رغم ما قد يحدث من أخطاء فى جوانب من الأداء السياسى، لكننى أعتقد أن الأمر سيتحسن بمرور الوقت ومع اكتساب الخبرة. وهذا على عكس ما يحدث فى ليبيا؛ لأنها تمر بمرحلة حرجة للغاية وربما ستأخذ وقتا أطول حتى يتحقق الاستقرار الذى تمناه الشعب الليبى.
■ نجحتم فى تعديل 28 مادة من مواد الدستور التركى فى عام 2010، والآن تتجهون لوضع دستور جديد لتركيا يعبر عن المرحلة الجديدة، هل يشارك حزب «العدالة والتنمية» بالنسبة الكبرى فى اللجنة الواضعة للدستور بصفته حزب الأغلبية؟
- قمنا بالتعديلات الدستورية منذ عامين، وكان هذا يناسب المرحلة التى تمت فيها لتحقيق المزيد من التقدم فى نظام وأسلوب إدارة الدولة، وكذلك الحريات والحقوق التى نتمنى أن ينعم بها كل مواطن فى تركيا، لكن مع مرور الوقت وارتفاع سقف التطلعات لتحقيق المزيد من النجاح اقتضى الأمر وضع دستور جديد متحضر ومنظم يعبر عن كل الأتراك. وعند تشكيل لجنة وضع الدستور، قررنا أن تكون معبرة عن كل الأحزاب السياسية فى تركيا وبشكل متساوٍ؛ بحيث يمثَّل كل حزب من خلال ثلاثة أعضاء فقط بما فيها حزب «العدالة والتنمية» ذو الأغلبية البرلمانية. لقد تعرفنا على الديمقراطية منذ عام 1950 وشابت تلك المسيرة بعض الانقطاعات تارة والاستمرارية تارة أخرى، لكن كانت هناك إرادة شعبية لتحقيق نموذج الدولة الناجحة المتقدمة بمعايير دول الاتحاد الأوروبى والدول المتقدمة فى الخارج؛ ولهذا اخترنا طريق الانتخابات النزيهة والشريفة التى منحتنا فى عام 2002م 34% من الأصوات، ثم منحتنا فى الانتخابات التالية 45% من الأصوات، ثم منحتنا 51% فى آخر انتخابات عام 2011.
■ إذن كيف ترى العملية السياسية فى مصر الآن؟ وما تقييمك لها؟
- أنتم تختبرون التجربة الديمقراطية منذ فترة وجيزة، ستحدث نجاحات وإخفاقات على طول الطريق، لكننى أقول دائما: إن الإسهام الشعبى فى العملية الديمقراطية أمر لا بد منه. ويجب أن يكون هذا الإسهام معبراً عن كل الأطياف السياسية لا عن طيف أو فصيل بمفرده، وإلا تكون العملية السياسية فى مصر ناقصة. يجب أن ينخرط الجميع فى الممارسة السياسية لتخريج كوادر تمتاز بالكفاءة ولتحقيق التواصل بين أطراف المجتمع كله. فتلك خطوة مهمة لكى يشعر الجميع بأنه ممثل سياسياً وأنه لا يعانى التهميش، كما أن احتواء النظام لكل الأطياف السياسية سيحقق التواصل المجتمعى ويعطى الفرصة لتحقيق النهضة المطلوبة فى جميع المجالات؛ لأن الجميع سيثق أنه جزء من المسئولية.
■ كيف يمكن لحزب سياسى نجح فى حصد أغلبية أصوات الناخبين أن يمارس العملية السياسية بنجاح دون أن يُشعر بقية القوى السياسية بالإقصاء؟
- حينما يحين موعد الانتخابات فى تركيا أيا ما كان نوعها، نقول إن الشعب هو من سيعطى الدرس اللازم لجميع القوى السياسية على أدائها فى السنوات السابقة، وإن الشعب هو من يمنح علامة النجاح للحزب الذى يستطيع الفوز بثقته، لا أحد يستطيع أن يخدع بوصلة وعى المواطنين. وفى ذات الوقت على أى حزب سياسى يحصل على أغلبية الأصوات أن يعلم أن بقاءه مرهون بأسلوب أدائه، وأن استمراريته فى العمل السياسى وفى الحصول على علامة النجاح مرهونة هى الأخرى بقدرته على إرضاء طموحات المواطنين، ومنحهم الثقة فى قدرته على الأداء الصحيح. ومن تلك الوسائل: الاحتواء واختيار الكفاءات التى تزيد من دعم السياسة المجتمعية لأى دولة.
■ تحاولون منذ سنوات بعيدة الانضمام للاتحاد الأوروبى، ومُنحتم عام 2005 لقب دولة مرشحة لعضوية الاتحاد، لماذا هذا الإصرار رغم الموقف الأوروبى من انضمام دولة مسلمة للاتحاد؟
- حينما بدأنا تجربتنا فى «الإصلاح والتنمية» منذ سنوات كنا نضع نصب أعيننا فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبى، لا لكونه هدفا فى حد ذاته، لكن لأن الدول الأعضاء فيه تتمتع بسمات الدول الناجحة ومعايير الشعوب المتقدمة؛ لذا كان الإصرار على الانضمام للاتحاد لأننا نرغب أن تكون تركيا فى ذات المنزلة والترتيب الدولى، لا من حيث التقدم الاقتصادى أو الاجتماعى وحسب، ولكن من حيث معايير التقدم السياسى والديمقراطى وحقوق الإنسان أيضاً. وحينما نحقق مستويات الدول فى الاتحاد الأوروبى فى تلك المجالات، وفى حال الموافقة على عضويتنا، فإننا سنعرض الأمر على شعبنا فى تركيا لمعرفة رأيه وما إذا كان يريد الانضمام لهذه المنظمة أم لا؛ لذا تبقى عضوية الاتحاد وسيلة لا غاية فى حد ذاتها. نحن نعلم أننا على الطريق الصحيح ونعلم أن دستورنا وفكرنا يقدمان فكرا يقبل الآخر ويحترمه ونعلم أننا حققنا مستويات عالية من التقدم لا تقل عن الكثير من الدول الأوروبية الناجحة؛ فقد بتنا الاقتصاد رقم 16 على العالم والسادس على أوروبا وما زلنا نطمح إلى المزيد. وهذا ما يزيد من قوة موقفنا أيا ما كان موقف الآخرين منا.
■ ألهذا السبب سعيتَ لإنشاء منظمة دول الثمانى الإسلامية عام 1997؟
- كان رائد هذه الفكرة السيد نجم الدين أربكان وقت أن كان رئيسا للحكومة وكنت وقتها أعمل معه وزيرا فى حكومته وأسند لى مهمة العمل على الفكرة، وكان الهدف منها تقوية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الإسلامية، وتحسين موقف الدول النامية فى الاقتصاد العالمى بشكل يزيد من قوتها وأن تكون قوة موازية للاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة عبر زيادة الاستثمارات فى تلك الدول وخلق فرص عمل جديدة فيها، ودعم العلاقات التجارية بينها، وتعزيز المشاركة فى صنع القرار على الصعيد الدولى، وتوفير أفضل مستويات المعيشة. وقد أسسنا المنظمة فى تركيا عام 1997 وضمت مصر ونيجيريا وباكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا وتركيا وبنجلاديش؛ فمجموع سكان تلك الدول يمثل نحو مليار نسمة، أى ما يوازى 14% من عدد سكان العالم. وهى قوة سكانية وبشرية يمكنها إنجاز الكثير فى منظومة التنمية فقط إذا أُحسن استغلالها؛ فالمستقبل للتكتلات الكبيرة سياسيا واقتصاديا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.