«هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها».. هكذا أعلن أيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إبان فشل المفاضات بشأن صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، لكن بعد أن تم إنجاز الصفقة بمبادلة الجندى الإسرائيلى «جلعاد شاليط»، تبدو الصورة مختلفة وأن المستحيل يمكن أن يتحقق، وأنه لا توجد خطوط حمراء. أولى هذه الصفقات كانت عملية تبادل الأسرى الكبيرة والنوعية التى تمت بين إسرائيل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة- بزعامة أحمد جبريل عام 1985 التى أطلق عليها حينها عملية «تبادل الجليل» وفيها رضخت إسرائيل لمطالب الجبهة الشعبية بإطلاق سراح 1155 أسيراً من سجونها بعد مفاوضات مضنية دون أن تضع «فيتو» على أى من الأسماء التى وضعتها الجبهة مقابل الإفراج عن جنودها الثلاثة الذين أسرتهم خلال عملية انتقائية مشتركة مع حركة فتح فى منطقة الجبل اللبنانى عام 1982، وبهذا فقد تجاوزت الجبهة الخطوط الحمراء قبل ذلك بسنوات، وكان من أبرز المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحى لحركة حماس والمناضل اليابانى كوزو أوكوموتو، وتضمنت الصفقة إطلاق سراح 50 فلسطينياً من مناطق 48، و99 من دول عربية مختلفة، و6 من دول أجنبية. هناك عوامل مشتركة بين ما تقدمت به حماس من مطالب كى تفرج عن الجندى الأسير شاليط عام 2011، وبين ما تم إنجازه فى صفقة عملية الجليل، فقائمة الأسرى التى أعدتها حماس شملت جميع أسرى الفصائل الفلسطينية الأخرى عدا عن الإصرار على مطالبها بالكم والكيف، تماماً مثلما كانت قائمة أحمد جبريل الذى رفض تغييرها تحت أى ظرف. لكن يظل هناك العديد من التطورات الإسرائيلية والفلسطينية والإقليمية التى أسهمت فى التوصل لصفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، من أهمها: أن الطرفين أبديا مرونة وتراجعاً عن مواقفهما السابقة، فإسرائيل تحديداً كانت الطرف الذى أبدى القدر الأكبر من المرونة، فتراجعت عن موقفها المبدئى بعدم الإفراج عن المتهمين بقتل جنود أو مستوطنين، وفى المقابل تراجعت حماس عن مطالبها بالإفراج عن ستة من كبار الأسرى وعلى رأسهم مروان البرغوثى أمين سر حركة فتح الذى يقضى حكماً بالسجن مدى الحياة. الآن وبعد نحو خمس سنوات على صفقة «شاليط 1»، يعود الحديث عن صفقة جديدة تدور محادثات سرية فى الكواليس بشأنها بين إسرائيل وحماس، ورغم أن إسرائيل رسمياً لا تخوض أى مفاوضات مع حماس، فإن الاتصالات السرية عبر وسطاء مستمرة للوصول إلى تفاهمات تتيح على الأقل أن يجلس الطرفان ويتفاوضا على قضايا تتعلق باستعادة جثمانى الجنديين الملازم «هدار جولدين» والرقيب أول «أورون شاؤول» والمواطنين «إبراهام منجيستو» و«هشام السيد» فيما يسمى «صفقة شاليط 2». ويبدو أن حماس استفادت من درس صفقة شاليط الأولى فلم تكتفِ بمطالبتها إطلاق سراح مئات الأسرى، بل تعنتت أكثر فى مواقفها وتطالب بالحصول على رسوم الدخول للجلوس مع إسرائيل والتفاوض معها وتصر على إطلاق سراح 50 أسيراً أمنياً تم توقيفهم بعد اختطاف الشبان فى عملية «عودة الإخوة»، وهو ما ترفضه إسرائيل بشدة التى تريد الجلوس دون شروط مسبقة أو إملاءات متعلقة ببدء المفاوضات. لن تدفع إسرائيل ثمناً أكبر فى صفقات التبادل ولاسيما أن الحديث يدور عن جثتين، غير أن الصعوبة الآن تكمن فى أن الذراع العسكرية لحركة حماس هى التى تفاوض إسرائيل وليست الذراع السياسية، وهى ملتزمة أولا تجاه الأسرى خاصة أن أحد أطراف المفاوضات هو القيادى «يحيى السنوار» الذى كان سجيناً فى إسرائيل ويدرك أكثر من غيره حجم الأزمة، هو شخصية متطرفة فى مواقفها ولا يعنيه وعود إسرائيل بالسماح بإقامة ميناء غزة أو تخفيف الحصار، بل ليس مستعداً لأن يسمع أى شىء عدا تحرير الأسرى الأمنيين الموجودين فى السجون الإسرائيلية، وعلى الرغم من أن الشروط السابقة ليست واردة بالنسبة لإسرائيل، ويمكن للسنوار القيادى فى حماس أن يحسن الشروط الممنوحة ل1500 سجين من الحركة، لكن إذا صمم بخصوص مصير 50 أسيراً فهو بذلك يتجاهل مصير 1500 آخرين.