تألمت الوجوه لرؤيته، صرخ الصعيدى -الذى تحلق وأسرته حول التليفزيون يتابع المشهد المأساوى- فى زوجته «غطى وشك يا ولية» مشفقاً عليها من رؤية صعيدى آخر تعرى من كرامته وإنسانيته وملابسه -وهى آخر ما تعرى منه- غادرت الدمعة عينيه بسرعة فائقة وأخفاها عن المحيطين به وهو يواسى نفسه: «أرخص ما فيكى يا مصر هما ولادك» لو سئل حمادة الصابر -لا ندرى اسمه أم صفته- لماذا خرجت للتظاهر فى محيط الاتحادية يوم جمعة الخلاص؟ فلن يجد الرجل الأربعينى إجابة مرضية، فهو كغيره من المصريين، تلك الفئة التى تعيش يوماً بيوم؛ لذا فإن العطلة الرسمية بالنسبة له هى أن يحمل أسرته الصغيرة، الزوجة والأبناء الثلاثة نحو ميدان التظاهر، كان التحرير إلى أن زاحمه «الاتحادية» فى الأهمية والمقصد.. لو كان يعلم أن أدخنة القنابل ستحاصره وأن سنه ومرضه لن يحملاه على الهرب منها، لو كان يعلم أن ضيق تنفسه سيلاحقه ويسقطه فريسة بين بيادات رجال الشرطة، لما فعل وخرج من الأساس، ولاكتفى بالسحل اليومى وراء لقمة العيش. إذن، لا قضية يحملها الرجل ويفديها بعرضه وحياته، ورغم ذلك قيل إنه كان يلقى مولوتوف، وقيل إنه من المتظاهرين غير السلميين، وقبل أن يتحقق أحدهم من المقولات المرسلة، آتته العقوبة فورية، «كان أهون لو قتلوه» كما قال المعلقون على المشهد، لكنه تعرض لما هو أشد. يرقد الصابر الآن فى مستشفى الشرطة بمدينة نصر، تداويه اليد التى كانت هى الداء، وتواصل التصريحات هتك عرضه الذى بدأ عرضاً مستمراً منذ ليلة الجمعة، بيان داخلية يعتذر ويعتبر الفعلة تصرفاً فردياً حتى لو كان يتوقع 15 جندياً برتب متفاوتة من عسكرى إلى عقيد وبيان رئاسة يدين إتلاف المنشآت العامة والتعرض للممتلكات وانتهاك حقوق الإنسان بطريقة «كوهين ينعى ولده ويصلح ساعات» ومواقع إلكترونية غاضبة وصفحات تواصل اجتماعى تضع حمادة الصابر صفحة فى كتاب ضخم من الانتهاكات إلى جوار واقعة سحل ست البنات، وإخوان يبررون تارة ويهاجمون القوى السياسية أخرى.. بقى الصابر وحده فى مصابه، لا أحد يعلم على وجه الدقة فيما يفكر، هل فيمن سبقوه إلى السحل وضاعت حقوقهم، أم فيمن سيلحقون به فى جدول السحل اليومى الذى يتعرض له المواطن لمجرد أنه مصرى، ربما كان سامح عاشور نقيب المحامين محقاً فى كلماته التى قالها على هواء برنامج «الحياة اليوم»: «لو معاه رشاش وفرغه فيهم مش هياخد ساعة سجن لأنه بيحمى نفسه».. ترى هل فكر الصابر فى هذا؟.. ماذا لو سنحت له الفرصة.. سيفعل؟.. إذن أين الدولة وأين القانون؟