تظل الثورة دائماً نقطة فارقة فى تاريخ الأمم والشعوب، ورغم أن ثورة 25 يناير لم تحقق أهدافها بعد من تغييرات جذرية فى المجتمع على المستويات السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، فقد اكتفت الثورة بالإطاحة برأس النظام ومراكز السلطة دون أطرافها، ويمكن اعتبار ما حدث هو مقدمات للتغيير الشامل، فقد تخلصت الثورة من نظام سياسى مستبد، وفتحت الأبواب أمام مرحلة جديدة لا يوجد فيها تقديس لحاكم ولن تسمح بخلق نظام جديد متسلط، ومن المؤكد أن عمليات التغيير للأفضل قادمة إن آجلاً أو عاجلاً، لعل أسوأ مثالب الثورة انفراط عقد الشباب وتشرذمهم فى جماعات متباينة وافتقاد القيادة الواعية القادرة على تحقيق مطالب الشعب مما ساعد جماعة الإخوان المسلمين -الأفضل تنظيماً- على امتلاك دفة الأمور وتنفيذ مخططاتها السياسية فى التعجيل بإجراء انتخابات مجلسى الشعب والشورى ثم الانتخابات الرئاسية، بدلاً من البداية المنطقية التى تقتضى وضع الدستور الجديد الذى تنبنى عليه كافة السلطات التنفيذية والتشريعية مستغلين تخبط المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إدارة الأمور السياسية، واستطاع الإخوان اعتلاء الحكم وساروا على نفس نهج النظام السابق، وتم استبدال الحزب الوطنى بحزب الحرية والعدالة، ولجنة السياسات بمكتب الإرشاد، حيث تتم صياغة القرارات فى المقطم وتنفذها الحكومة دون مناقشة. ومع ذلك سوف يكتب التاريخ عن هذه الثورة أنها كانت سلمية نظيفة، لم تستخدم العنف فى تغيير النظام، واستطاعت فى فترة وجيزة أن توحد نفوس المصريين، وظهرت الروح الأصيلة التى تميز جموع المصريين، فكان المسلم يقف جنباً إلى جنب مع أخيه المسيحى، وتوحد الجميع فى حماية المساجد والكنائس والمنشآت والمنازل، ولم تحدث حالة تحرش واحدة. ولم تحدث حالة سرقة واحدة خلال ثمانية عشر يوماً حتى انهيار النظام السابق. والمثير فى الأمر أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم تشهد أى تغيير يلبى مطالب الثورة، ففى ظل حكومة قنديل يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى، والخبز لم يعد متاحاً سوى ثلاثة أرغفة للفرد فى اليوم، وأسعار السلع والخدمات فى تصاعد مستمر، والجنيه المصرى يتهاوى أمام العملات الأجنبية، وأزمات السولار والبنزين لا تنتهى، والمرور يزداد ازدحاماً، والمرافق تزداد تهالكاً، وحوادث الطرق أصبحت من الأمور المألوفة التى لا تسترعى الانتباه، وحوادث القطارات تحصد أرواح المئات من الصغار والكبار، أما الحقوق والحريات فما زالت منقوصة، وحقوق المرأة والأطفال غير مصونة بعد إقرار الدستور المعيب، والمستشفيات الحكومية فى وضع مزرٍ، والرعاية الصحية مفقودة، والدواء غير متوافر، والبطالة تتفاقم، والمصانع تتقلص، والتعليم يتدنى، ولعل الشىء الوحيد الذى يزداد بسرعة كبيرة هو معدلات الاكتئاب والإحباط، فالمطالب الفئوية ما زالت على حالها، وإقرار الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور لا يزال بعيد المنال، والكرامة الإنسانية لم تتحقق، والقضاء لا يزال منقوص السيادة، فهل تحققت أهداف الثورة؟ لقد انقسم الشعب المصرى إلى فريقين متناحرين لأول مرة فى التاريخ، فريق يضم تيارات الإسلام السياسى، والآخر يضم القوى المدنية. وأصبح الصراع محتدماً بين الطرفين بما ينذر بعواقب وخيمة. وفى هذه الأجواء المحمومة لا يزال الرهان على الشباب الذى يمتلك القدرة والمهارة، القدرة على التفكير والخيال خارج الصندوق، ومهارة امتلاك التقنيات الحديثة، وبفضل حماسة الشباب وعدم تهاونهم فى حقوقهم، وإصرارهم على القصاص للشهداء، ونزع الخوف من قلوبهم، وعدم استسلامهم لليأس سوف تتحقق أهداف الثورة. احذروا غضبة الشباب لأن عزيمتهم لا تلين، وصبرهم كاد أن ينفد.