أنت لا تحتاج منى أى محاولة لإخبارك بأن سيناء هى قطعة من جنة الله وضعها على أرضه، عشرات الآلاف أخبروك بذلك من قبل، وربما بتفاصيل وعذوبة أنا لا أجيدها. لا تستحق سيناء أن تظل قطعة الأرض المجهولة التى نحتفى بها فى الكتب والأغانى ونمنحها لقب أرض الفيروز ونختصرها فى شرم الشيخجنوباًوالعريش ورفح شمالاً، سيناء أجمل وأكبر وأعمق بكثير من شواطئ شرم الشيخ الساحرة، ومن العريش التى تكافح إرهاباً مجرماً وسنوات متتالية من إهمال حكومات سابقة. سيناء هى الأرض التى تجمع فى جنباتها تاريخ الوطن وثروته ودينه ودمه ونضاله، ولا تستحق أبداً أن تظل أرضاً مجهولة للمصريين لا يعرفون كنوزها الملخصة فى مزارات أثرية ودينية وسياحية واستثمارية، ومهملة فى صورة ثروة غير مستغلة من قبل مسئولين لا يجيدون استغلال هدايا السماء لتحقيق ثروة لهذا الوطن. الأقسى من جهل المصريين بسيناء وكنوزها هو إهمالها فى معركة ربما تكون هى الأشد، معركة يخوضها جنوبسيناء تحديداً فى مواجهة العدو التقليدى إسرائيل، هذه المرة ليست معركة حربية، هذه المرة لا مجال لحرب الدبابات والرصاص، الحرب سياحية، إيلات التى أصبحت فى حوزة الكيان الصهيونى تطورت سريعاً لتسحب بساط السياحة من تحت أقدام نويبع وطابا ودهب الأكثر جمالاً وآثاراً وأماناً والأعرق تاريخياً بكل تأكيد. يختل ميزان القوة هنا لأنهم يهتمون ونحن لا نهتم لأنهم لا يهملون ونحن نهمل، لأن البنوك الوطنية ترفض التعاون ودعم المستثمرين فى مجال السياحة بدهب ونويبع وطابا، بينما هم هناك يدعمون أصغر رملة فى إيلات لجذب أكبر سائح فى أوروبا، نفقد بالإهمال أهم قطعة سياحية فى مصر، سيدهشك أن تعرف أن ثلث دخل السياحة المصرية فى عز مجدها كان يدخل لخزينة الدولة عن طريق السياحة فى جنوبسيناء وحدها. سيدهشك أن تعرف أن الحكومات المتعاقبة تكتفى ببعض الفنادق المتناثرة فى دهب ونويبع وطابا، بينما هناك فى العقبة وإيلات يقيمون المدن، سيدهشك معرفة أن الطريق الرابط بين سانت كاترين ونويبع يعانى من إهمال متمثل فى سوء رصف وغياب للعلامات الإرشادية وكأنك تقول للسائح: عفواً رحلتك معرضة للخطر. سيدهشك معرفة أن أغلب المزارات السياحية والأثرية فى هذه المنطقة لم تحصل على حقها فى الترويج داخل مصر نفسها، شواطئ دهب ونويبع ليست منطقة للغطس فقط، هى محيط متخم بالمزارات التى لا يعرفها المصريون رغم أهميتها الدينية والأثرية، لا يعرف المصريون وادى النواميس صاحب الثلاثة آلاف سنة وكل أساطيره، ولا يعرف المصريون واحة وادى خضرة العين التى تفجر منها الماء لتصنع بقعة خضراء فى وسط الصحراء كى تأوى سيدنا موسى وهو تائه فى الصحراء هرباً من جنود فرعون. 19 فندقاً أغلقت فى نويبع وطابا لأن أحداً لا يفكر خارج صندوق تطوير السياحة التقليدى، وعشرات الفنادق الأخرى توقفت عند مرحلة الخرسانة والطوب الأحمر لأن أحداً من المسئولين عن السياحة فى مصر لم يفكر حتى هذه اللحظة فى تأسيس شركات للتسويق السياحى بدلاً من اعتماد الشركات والفنادق السياحية المصرية على الشحاتة من شركات التسويق التركى والإسرائيلى، هل تتخيل حجم الكارثة؟!، مصر بكل جمالها وآثارها وحضارتها تتحكم فيها شركات سياحة تركية وإسرائيلية تساوم فنادق مصر على قوت يومها وتدفع أصحابها للدخول فى صراع تقليل الأسعار للفوز بما يرمونه من فتات السياح. أزمة جنوبسيناء السياحية لا تتوقف آثارها فقط عند خسائر مستثمرين، بل تكوى بنارها أهل سيناء البدو العاملين فى السياحة يشكون مر الشكوى من ضيق الحال وإهمال المحافظة، وشكواهم لو تعلمون خطيرة، فلا أخطر من ترك العاملين بسيناء فى حالة احتياج، لأن الاحتياج مدخل لاستغلالهم من قبل الكارهين لهذا الوطن، جنوبسيناء يحتاج إلى محافظ ووزراء يدركون أن هذه المحافظة ليست شرم الشيخ فقط.