التحليل المتأنى للجريمة التى ارتكبت ضد الأم الطيبة سعاد ثابت عبدالله، بأبى قرقاص بالمنيا، يقودنا إلى نفس الأصابع التى وقفت وراء جريمة قتل الداعية حسن شحاتة بتهمة التشيع. تشابهات عديدة تتشارك فيها الجريمتان، تجعلنا نتوقف أمام الفكر السلفى وما كرسه فى العقل المصرى المسلم من أفكار تقود البسطاء إلى مثل هذه الجرائم وتقنعهم بأن ما يقومون به جهاد فى سبيل الله ودفاع عن الإسلام. يزعم السلفيون أنهم يريدون العودة إلى الأصلين الكبيرين: القرآن والسنة، وواقع الحال أن الفكر السلفى يستقى رؤيته للذات المسلمة وللآخر من كتب التراث، دون تمييز بين الغث والسمين فيها. دعنى أشنف آذانك بنموذج للغث الذى يظهر فى مواضع عدة من كتب التراث، انظر إلى تفسير الطبرى للآية الكريمة من سورة الكهف التى تقول «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو، بئس للظالمين بدلاً». ورد فى تفسير الطبرى لموضوع ذرية الشيطان ما يلى: «وقال بعض أهل العلم: إن الله تعالى خلق له -أى للشيطان- فى فخذه اليمنى ذكراً، وفى اليسرى فرجاً، فهو ينكح هذا بهذا فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطاناً وشيطانة». وإذا أردت أن تتأكد من قناعة أى سلفى بمثل هذا التفسير فلا عليك إلا أن تسأله لتستوثق من أن فكره تشكل حول نصوص أنتجها بشر فى عصور لها خصوصيتها ولها سياقاتها، وما كان مقبولاً فيها لا يصح أن يُصدّر إلى عصر آخر. الكثير من هذه الأفكار التى تصل إلى مصاف الخرافات تؤسس للفكر السلفى. وقد تعجب أن «المقريزى»، وهو واحد من كبار المؤرخين، تأثر بهذه القصة وقال إن الشيطان باض فى مصر.. تُرى ماذا فقست البيضة؟! العقل الذى يسهل عليه تقبل هذا الكلام يسهل عليه أكثر قبول أى حديث ساذج عن رفض الآخر واسترخاص كرامته وربما حياته. إنه الخضوع لتفاسير ورؤية بشر مغموسة فى المصالح والرغبة فى نفى الآخر، وليس خضوعاً لأوامر الله الصريحة بتكريم بنى آدم (ولقد كرمنا بنى آدم)، وجعل أتباع المسيح الأقرب إلى المسلمين (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى)، ووعد كل من آمن وعمل صالحاً بحسن العاقبة: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً». لا يستقى السلفيون والمتسلفون أفكارهم من الكتاب المقرر (القرآن الكريم)، قدر ما يستقونها من الكتب الخارجية (التراث). وعلى ألسنة كبار دعاة هذا التيار -وما أكثرهم- تروج الأفكار المعادية للحياة والأحياء. ولكى تدرك مدى شعبية هذا الفكر ليس عليك سوى أن تراجع مستوى شعبية الدعاة السلفيين، خصوصاً فى قرى مصر ونجوعها، بل فى حضر مصر أيضاً، بل لدى قسم ممن يوصفون ب«نخبتها»، بالمعنى العام والشامل لكلمة «نخبة». انتشار هذا الفكر لدى كثير من الصغار والكبار هو الذى أغرى السفهاء بإهانة الأم الطيبة سعاد ثابت، وهو الذى دفع البعض إلى التباطؤ فى التعامل مع الحدث، ودفع آخرين بعد ذلك إلى محاولة التستر عليه. وأخشى أن يكون ما حدث هو أول قطرة من قطرات السيل المسموم لحالة التخلف التى خلقها هذا الفكر.. هكذا بلا مواربة!