«مؤبد مش كفاية كنت مستنية يعدموه.. لأ يعدموا حد من ولاده علاء ولاّ جمال عشان يعرف يعنى إيه حرقة الضنا» بكلماتها الصعيدية البسيطة ودموعها التى سبقت كلامها عقبت فريال هاشم، أم الشهيد محمد أبوغنيمة، على الحكم الذى صدر أمس بحق الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى و6 من مساعديه. وأكملت والدموع تتلاحق على وجهها الأسمر، وعيناها لا تزال متعلقة بشاشات التليفزيون عسى أن يتراجع القاضى عن حكمه أو أن تكتشف أن ما شاهدته هو مجرد حلم: «كنت مستنية اليوم ده بفارغ الصبر عشان ابنى يرتاح فى قبره، لكن طلعوهم براءة، وهرجع تانى التحرير عشان روح ابنى اللى مات وهو ما كملش 16 سنة لسة هناك، ياريتو ما نزل التحرير ياريتو قعد فى حضنى، آخر مرة شفته قالى سيبينى أنزل عشان حال البلد ينصلح، إيراد البيت 300 جنيه مش مكفى حاجة، نزل ومات وحال البلد ما انصلحش، ودم ابنى راح هدر قتلوه الكفرة الظلمة ب12 رصاصة وخدوا براءة». لا يختلف الوضع كثيرا داخل منزل الشهيد خالد سعيد، حيث اختفت الابتسامة من وجه والدته واختفت معها أى كلمات عن غد أفضل لمصر بعد الثورة، وخيم الحزن على المكان وعادت الأم لارتداء الأسود من جديد، وقالت: «إحنا اللى اتحكم علينا بالمؤبد مش هو»، وأضافت أن الحكم صفعة على خد كل شهيد مات فى ظل حكم مبارك ورجاله ومعاونيه، وأن الأيام ستثبت أن ما حدث هو مسلسل أبطاله نظام أفسده حسنى مبارك ورجاله. واستطردت: «دم ابنى مش هيروح هدر، ولو وصل أن مصر كلها ترجع الميدان هنرجع»، مؤكدة أن الميدان أصبح هو الملاذ الآمن لكل المصريين الشرفاء وأن حق الشهداء سيأتى عاجلا أو آجلا. وأضاف على قاسم، عم الشهيد خالد سعيد، لا نملك سوى أن نردد ما قيل عقب الحكم: «حكم مبارك باطل، والشعب يريد تطهير القضاء» مضيفا أن الحكم هو حلقة جديدة من مسلسل فساد القضاء الذى بدأ مع محاكمة قتلة خالد سعيد وانتهى بأحكام هزيلة. وانتقد الحكم ببراءة نجلى مبارك وحسين سالم بانقضاء المدة، مؤكدا أن المدة لا تنقضى على من نهب وسرق وأفقر الشعب المصرى، وتعجب كيف يُحكم ببراءة من نفذ قتل الشهداء، ويُحبس من حرض عليه «مؤبد» وكيف يبرأ مساعدو العادلى وهم من أتلف الأدلة؟ مشيرا إلى أن الحكم سياسى بالدرجة الأولى، وأنه تمهيد لمخططات إجهاض الثورة والإعداد لمجئ شفيق والذى سيعفو بالتأكيد عن مبارك ورجاله. والد الشهيد مصطفى جمال الوردانى أول شهيد للثورة والذى سقط بالسويس لم ينتظر انتهاء القاضى من منطوق الحكم وقرر العودة إلى حى الأربعين، مؤكدا أن ما حدث ما هو إلا مسرحية هزلية وأن السويس كلها ستنتفض من جديد فى ثورة جديدة أكبر من سابقتها. وأضاف أن الدم وحده سيشفى غليل أهالى من قتلوا وأصيبوا فى ثورة أجهضت بفعل أطراف معلومة تسابقت للاستيلاء على أجزاء من الكعكة وتركت الشعب يعانى من الظلم. وقال: كنا على ثقة بأن هذه ستكون نتيجة المحاكمة، ولذلك لم نذهب إلى أكاديمية الشرطة؛ لأننا على علم بأن رجال مبارك سيستكملون ما فعلوه ولن يكتفوا بقتل أبنائنا بل سيستكملون مجازرهم خارج مقر المحاكمة ضد أهالى الشهداء. ووجه الوردانى حديثه للقاضى أحمد رفعت صاحب الحكم قائلا: «ألف مبروك عليكم مصر ونشكركم لأنكم أعدتم الثورة من جديد لمسارها وأكدتم لنا أن القضاء فى حاجه لتطهير»، وأضاف: اليوم فقط مات الورد اللى فتح فى جناين مصر. «أنا حاسة إنى فى حلم مش محاكمة»، قالتها والدة الشهيد إسلام رفعت شهيد السيارة الدبلوماسية يوم جمعة الغضب، وأضافت: «ابنى مات النهارده ومش هاخد عزاه». وأضافت: كيف يبرأ إسماعيل الشاعر رغم اتهامه بأنه وراء حادث السيارة الدبلوماسية التى قتلت 16 من أبنائنا، وكيف يؤكد عدم وجود أدلة وأجساد أبنائنا كانت ملقاة فى الطرقات.. أليست أكبر دليل على مجازرهم الوحشية؟ وأضافت: سيأتى اليوم الذى يقف فيه كل رجال مبارك أمام قاضٍ لن يستطيعوا أن يخدعوه أو يتلفوا أدلته، أو يعطيهم البراءة وهو فقط الذى سيثأر لأبنائنا. ولم تنم والدة الشهيد أحمد بسيونى الفنان التشكيلى منذ أمس الأول فى انتظار النطق بالحكم ولكنه صدمها واعتبرته أقل من أن يكون عادلا، وحمدت الله على موت أبيه دون أن يرى الحكم كما تمنى. ولم تستطع والدة أحمد حبس دموعها وهى تعبر عن حزنها من الحكم، تقول: «كدة كويس إن مبارك والعادلى ياخدوا مؤبد.. طب والباقى أخدوا براءة إزاى.. مش هما اللى نفذوا القتل». كما شددت على ضرورة أن يكون للشباب وقفة، حيث تقول: «الشباب لازم يكملوا اللى بدأوه، لازم يكملوا الثورة، وميضيعوش حق اللى راحوا، لأنهم لو مكملوش هيبقى مصيرهم زى مصير الشهداء كلهم». وتكمل والدة أحمد وهى تبكى: شهادة موت أحمد بسيونى كما رواها لها من كانوا قريبين منه وقت استشهاده «عربية الشرطة خبطته مرتين وداست عليه، ابنى ماكنش ليه دعوة بالسياسة، ده كان رايح يصور المظاهرات، ولما لقى واحد مات قدامه، ربنا حنن قلبه على إخواته وخلاه يقف معاهم ويدافع عنهم». ووصفت والدة الشهيدة هدير عادل، إحدى ضحايا شارع أحمد زكى بحى المعادى فى جمعة الغضب، التى استشهدت إثر طلق نارى فى الرقبة عندما كانت تقف فى شرفة المنزل، الحكم بالمسرحية، وقالت ما زلنا نعيش تحت سيطرة الظلم، متسائلة: كيف يتم الحكم بالبراءة على مساعدى وزير الداخلية، وجمال وعلاء الذين سعوا فى الأرض فسادا كما قال القاضى؟ وأضافت والدة هدير: «أنا كان نفسى كلهم يتعدموا.. لكن دى غلطتنا لأن إحنا اللى سبناهم.. كان لازم الشباب يكملوا وياخدوا حقهم بإيديهم زى الليبيين اللى أخذوا حقهم وشفوا غليلهم». وانتقدت والدة هدير المحكمة، متهمة القاضى بعدم شعوره بالأمهات: «القاضى فضل يقول كلام إنشائى عشان يهدينا ويهيأنا للحكم، لكن إحنا كلنا مش راضيين عن الحكم، وهنكمل فى القضية».